يسرى الجندى: حزين وأشعر بالتهميش وأنظر بحسرة شديدة لتاريخى

آخر تحديث: الثلاثاء 26 يناير 2021 - 8:25 م بتوقيت القاهرة

حوار ــ إيناس عبدالله:

• لم أتخيل أن الوجع الذى أعانى منه بسبب اعتلال قلبى سيكون هينا مقارنة بوجع ابتعادى عن العمل
• وحيد حامد نجح فى أن يكون حالة خاصة.. وكان يعطى فرصا لا تمنح لنا لأسباب لا يعلمها إلا الله
• نقيب الممثلين قام بعمل معاش استثنائى لى حتى أواجه أعباء الحياة.. ولكنى رفضته احتراما لنفسى واسمى
• لا توجد فجوة زمنية بين جيلى وجيل «السوشيال ميديا».. والمشاهد المصرى بخير بدليل تحقيق الأعمال القديمة نجاحا كبيرا حتى الآن
• أتمنى أن يتم تكريم المبدعين الكبار.. ومنحهم حقوقهم دون اعتبارهم مجرد عجزة وغلابة

 


«أنا حزين وأشعر بالتهميش وأنظر بحسرة شديدة لتاريخى، وأتألم».. كانت هذه الكلمات ثقيلة على لسان الكاتب الكبير يسرى الجندى وهو يتحدث لـ«الشروق» عن حاله الآن، وما آلت إليه ظروفه، بعد ان كان ملء السمع والبصر، وأعماله تحصد نجاحات متتالية، ولا يجد مكانا فوق رفوف مكتبته ليضع عليها درع تكريمه، او جائزة نالتها أعماله، اما الآن فهو يجلس فى بيته منعزلا، مهمشا، كما يصف وضعه، لا يتخيل انه بعد سنوات من العطاء والنجاحات يكون هذا مصيره.
البداية كانت بسؤال عن حال كاتبنا الكبير، خاصة وأننا سنحتفل معه بعد أيام قليلة بعيد ميلاده الـ79، والذى يوافى 4 فبراير، وكانت المفاجأة ان يبوح بهذا الوجع الشديد الذى يعانى منه كاتبنا الكبير، والذى قال عنه:
لم أتخيل ان يكون اعتلال قلبى هينا بالمقارنة مع الوجع الذى أشعر به بسبب ابتعادى عن العمل، فاعتلال قلبى أداويه بالعلاج، ويساعدنى الاطباء على تحمله، لكن ماذا عساى أن أفعل تجاه محاولة إجبارى على الاعتزال أو تهميشى وهو الوصف الدقيق لما أعانيه.
• أليست مفارقة غريبة ان يبتعد جيل بأكمله عن الساحة الفنية مع توقف قطاعات الدولة الإنتاجية الثلاثة عن العمل؟
ــ لم يكن ابتعادا، ولكن كان اقصاء، فقطاع الإنتاج وصوت القاهرة ومدينة الإنتاج الإعلامى كانوا يتعاملون بحرفية وبالمعادلة الصحيحة للإنتاج الدرامى، وهو إعلاء قيمة الورق والمؤلف ومعه المخرج، اما الممثل فيأتى دوره فى مرحلة لاحقة، ومع اختلال الوضع اصبح الأمر والنهى فى يد الممثل، لم يكن لأحد من جيلى أن يجد لنفسه مكانا، فلن يسمح لاحد منا ان يترك الممثل يفعل ما يحلو له، ونكون له مطيعين.
• لكن ما تفسيرك أن كاتبا كبيرا بحجم الراحل وحيد حامد ظل لآخر لحظة فى عمره متواجدا، وهناك إقبال شديد من قبل جهات الإنتاج على التعاون معه؟
ــ إذا كان لكل قاعدة استثناء، فوحيد حامد، رحمه الله، كان هذا الاستثناء، وظل لآخر لحظة فى عمره خارج التهميش، وكان يعطى فرصا لا تمنح لنا لأسباب لا يعلمها إلا الله، ووحيد كاتب ممتاز، ويكفى أنه من القلائل فى مجالنا الذى أقدم على الإنتاج، وانتج افلاما تدر عليه ربحا، وكان رحمه الله قارئا جيدا للمستقبل وأدرك أن مثلنا الذين لا يملكون شيئا سوى اقلامهم للإنفاق على أنفسهم، سيعانون، وربما لا يجدون ما يكفى حاجتهم المعيشية اذا توقفوا عن العمل، ونحن لم نستثمر أموالنا التى ربحناها فى عمل مشاريع تدر علينا ربحا، وكنا ننفق على عملنا من شراء كتب ومحاولة تثقيف أنفسنا باستمرار.
• هل يعنى كلامك هذا انك تواجه صعوبات مادية هذه الأيام؟
ــ لا اود أن أتحدث فى الأمر وكأننى أطلب لنفسى شيئا، وسأكشف عن أمر لاول مرة أذيعه، فمؤخرا تواصل معى نقيب المهن التمثيلية دكتور أشرف زكى لكى يحصل لى على معاش استثنائى، فانا أعيش بالإيجار، وادفع فواتير مياه وغاز وكهرباء مبالغ فيها، كما اننى وزوجتى مرضى ونتكبد مصاريف كبيرة فى العلاج وما إلى ذلك، وبذل الرجل مشكورا جهدا ونجح فى الحصول على معاش استثنائى لى، فوجدت أن قيمة المعاش مبلغ تافه لا يذكر، استشعرت بالخجل والألم وأنا اسمع قيمته، وكان طبيعى أن أرفضه احتراما لنفسى واسمى، وعبرت عن امتنانى للجهد الذى قام به النقيب وبداخلى ألم شديد لا تستطيع الأيام مداواته.
واستطرد: الحمد لله لدى أبنائى يساعدوننى، والحمد لله استطيع مواجهة الحياة، ولكن أتحدث عن القيمة، وعن التقدير، وعن جيل كامل من ممثلين ومخرجين ومؤلفين أفنوا أعمارهم فى خدمة هذا البلد وقدموا اعمالا راسخة، قوية، وضعت مصر فى مكانة رائدة فى العالم العربى كله، وفى النهاية عانوا التجاهل والإهمال والتهميش والإقصاء المتعمد.
• هناك من يرى أن سبب ابتعادكم عن الساحة الفنية حاليا هى الفجوة الزمنية بين جيلكم والجيل الحالى جيل «السوشيال ميديا».. فما تعليقك؟
ــ للأسف هناك من يسعى لوصم هذا الجيل بادعاء أنه جيل تافه وسطحى، وهذا غير صحيح بالمرة، فالجيل الحالى متفتح، ويجيد التفرقة بين الصالح والطالح، وجيل ينصف العمل الجيد ويدعمه بدليل، انه مع إعادة عرض أعمالنا الآن تحقق نجاحا كبيرا، وكأنها تعرض لاول مرة، ولى تجربة خاصة مع مسلسل «جمهورية زفتى» الذى حقق نجاحا كبيرا مع إعادة عرضه اخيرا وتكرر الامر مع مسلسل «الوجه الآخر» أول مسلسل تليفزيونى لى، وهذا يدل على أن المشاهد المصرى ما يزال بخير وواعيا ويميل للعمل الجيد، وبالتالى الكلام عن وجود فجوة زمنية وما إلى ذلك لا معنى له بالمرة.
• وماذا عن وجهة النظر التى تقول إنه يجب منح الفرصة للأجيال الجديدة وانكم جيل حصلتم على فرصتكم كاملة؟
ــ أنا معه قلبا وقالبا، فأنا لا أطالب بسحب الفرص من فرد لمنحها لاخر، لكنى اتحدث عن تواصل الأجيال، وعن سر التهميش الذى لا يأتى فى صالحنا جميعا، فوجودنا على الساحة من شأنه أن يشعل أجواء المنافسة، وبالتالى إعادة القوة للدراما المصرية فى المنطقة العربية جميعا، خاصة أن هناك نماذج مشرفة جدا ومبشرة للخير فى الجيل الجديد، اشيد هنا بالمؤلف عبدالرحيم كمال، والذى تعجبنى أعماله، ولكن فى المقابل هناك نماذج مخجله، تسىء للمهنة كلها، تضحى بالقيمة على حساب المادة، وتقدم تنازلات حتى تستمر وتبقى، وأقول لهؤلاء إنه لن يبقى ويستمر الا من يعلى قيمة الكلمة على قيمة المال، ومهما ربح هؤلاء فلن يصنعوا اسما ولا تاريخا.
• رغم التاريخ الذى صنعته والاسم الحاضر فى ذاكرة المشاهد المصرى والعربى ولكنك تعانى.. وربما يبرر هذا للجيل الحالى السعى للمادة على حساب التاريخ.. فما قولك؟
ــ أولا أنا فخور جدا بما قدمته، فانا رجل حاصد للجوائز سواء جوائز الدولة منها التشجيعية فى المسرح عام 1981، والتفوق فى الفنون عام 2005، أو تلك التى حصدتها عن أعمالى سواء المسرحية أو التليفزيونية، وهو امر عظيم لا يمكن لاحد أن يقلل منه، وأعانى بالطبع لأن هناك من يتعمد تهميشى أنا وجيلى مع سبق الإصرار والترصد، وما يحزننى هنا هو عدم الانتباه لهذه الكارثة، وكان يجب ان يتم تكريمنا، وتوجيه كلمة شكر تعبر عن تقدير واحترام لمشوارنا، خاصة بعد أن شعرنا بانه يتم اجبارنا على الاعتزال رغم قدرتنا على العطاء، فأنا لدى مشروعات كثيرة مكتملة، وفى درجى سيناريوهات لمسلسلات اجتماعية كاملة، بخلاف مسلسل «شجرة الدر» المؤجل تنفيذه، و«همس الجذور» الذى تعرضت لخديعة كبرى، حينما قام أحد المسئولين فى مدينة الإنتاج الإعلامى بالحصول على توقيعى فى غفلة منى لأتنازل عن المسلسل لمدة 25 عاما.
• وكيف حدث هذا؟
ــ كنا فى طور التحضيرات، وكان المخرج الراحل اسماعيل عبدالحافظ يواصل العمل مع مهندس الديكور سيد أنور، لكن حدثت خلافات بين اسماعيل وأحد المسئولين وتصاعدت الامور، وتوقف العمل، وقمت بالتوقيع على بعض الاوراق ظنا منى أننى أقوم بمحاولة كى يتم استئناف العمل، لأفاجأ أنه من بين الاوراق التى قمت بتوقيعها ورقة تنازل على العمل لمدة 25 عاما بما يخالف قانون الملكية الفكرية الذى يعطى للمؤلف الحق فى استعادة عمله من الجهة الإنتاجية فى حال مرور 5 اعوام على العمل ولم يتم تفيذه، ولم أرغب فى اللجوء للقضاء، خاصة ان الوضع العام غير مبشر، وللعلم فالراحل محمد صفاء عامر له مسلسل فى المدينة تعاقد عليه قبل رحيله وقام بتسليمه كاملا للمسئولين وما يزال حبيس الأدراج حتى الان.
• هل يعنى هذا أنك استسلمت لهذا الوضع ورفعت الراية البيضاء؟
ــ الاستسلام ليس من صفاتى، بدليل أننى طوال الفترة الماضية، ولم اتوقف عن الكتابة ربما توقفت عن كتابة المقالات الصحفية، ولم يكن بإرادتى، ولكن ما زلت أكتب، وهناك خط مفتوح بينى وبين محطات عربية، للتعاقد على إنتاج أحد اعمالى، وعلاقاتى قوية بهذه المحطات والمنتجين العرب، وسبق وأن تعاونت معهم كثيرا، وهذا لا يعنى أننى أرفض التعامل فى مصر، ولكنها محاولة لكسر الحصار المفروض علينا، فانا حزين أن يتوقف كتاب كبار بحجم وقيمة محمد أبوالعلا السلامونى ومحمد جلال عبدالقوى وعاطف بشاى وغيرهم عن العمل.
• أخيرا ماذا تم فى قضية حق الأداء العلنى للمؤلف؟
ــ للأسف الوضع ما يزال كما هو، ورغم نجاح مؤلفى الاغانى فى الحصول على حق الأداء العلنى، وكان يجب أن يكون هذا دافعا قويا لمؤلفى الدراما أن يحصلوا على نفس الحق، لكن لم يحدث، والمسألة ما تزال قيد النظر والبحث والمحاولة، واتصور أنه بنجاحنا فى الحصول على هذا الحق سيتم انقاذ عدد كبير من المؤلفين الذين أصبحوا بلا عمل، وليس لديهم أى مورد دخل اخر، وأتمنى ان ينتبه المسئولون لهذه المشكلة، ولا يجب التعامل مع أصحابها باعتبارهم عجزة أو غلابة، ولكنهم أصحاب حق، قدموا لمصر الكثير وحان وقت تكريمهم.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved