في الذكرى «السنوية» لمعاهدة السلام... مذكرات إسماعيل فهمي: هذه هي كواليس وعيوب كامب ديفيد

آخر تحديث: الخميس 26 مارس 2015 - 9:52 م بتوقيت القاهرة

إعداد – مصطفى ندا

«لا اشعر بأي ارتياح عند سرد ما حدث بعد رحلة السادات الى القدس لأنه بينما أظهرت الأحداث أنني كنت مصيبا في تقديري فيما ستكون عليه نتائج مثل هذه الخطوة غير الرشيدة، فإن العواقب بالنسبة الى مصر والعالم العربي كله كانت سلبية الى درجة جعلتني أشعر بحزن عميق وإحساس بالأسف »، هكذا بدأ الدكتور اسماعيل فهمي وزير خارجية مصر الأسبق في عهد الرئيس الراحل محمد انور السادات الذي قدم استقالته اعتراضا على زيارة الرئيس السادات للكنيسيت الاسرائيلي حديثه في السطور الأولى من الفصل الخامس عشر من كتابه «التفاوض من أجل السلام في الشرق الأوسط» الصادر عن دار الشروق والذي يتحدث فيه عن معاهدة السلام المصرية الاسرائيلية التي تم إبرامها في منتجع كامب ديفيد بالولايات المتحدة الأمريكية في حضور الرئيس الراحل أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي آن ذاك مناحم بيجن وبرعاية أمريكية من الرئيس جيمي كارتر.

مؤتمر مينا هاوس لم تحضره الوفود العربية

يروي إسماعيل فهمي في مذكراته بأن الرئيس الراحل أنور السادات حاول إقناع العالم بأنه مازال يعمل من أجل عقد مؤتمر جنيف وذلك بالدعوة الى إجتماع تحضيري لكل الأطراف يعقد في فندق مينا هاوس في القاهرة في 14 ديسمبر 1977 .. وفي الوقت نفسه بدأ السادات أيضا يتحدث عن عن عقد مؤتمر قمة عربي كان يعتزم أن يشرح فيه لرؤساء الدول العربية الأخرى نتائج رحلته ويتشاور معهم حول الاستراتيجية التي ينبغي اتباعها في المستقبل وكما كان متوقعا لم يحضر مؤتمر مينا هاوس سوى وفود من إسرائيل والولايات المتحدة والأمم المتحدة كمراقب ومصر بطبيعة الأمر، على حين أن الدعوة الى القمة العربية لم تصدر رسميا قط لأنه حتى السادات نفسه أدرك انها ستكون خطوة لا طائل منها بالمرة .. ومنذ ذلك الوقت فصاعدا سار السادات بمفرده وقد أصبح معزولا بالكامل عن العالم العربي ويتعامل بشكل مباشر مع إسرائيل والولايات المتحدة .. وبعد عدة أشهر من الاتصالات المتقطعة الى حد ما، ادى اجتماع بين السادات وبيجين وكارتر في كامب ديفيد في الفترة من 5 الى 17 سبتمبر عام 1978 الى اتفاق بين مصر وإسرائيل على الأطار الخاص بسلام منفصل بينهما.

وبحسب اسماعيل فهمي فإن الدولتان وقعتا على معاهدة السلام في 26 مارس عام 1979 .. ولم تكن دون شك معاهدة السلام العادل والشامل الذي يمكن أن يؤدي مؤتمر جنيف الى إحلاله في الشرق الأوسط، وإنما كانت معاهدة السلام التي وقعتها الدولتان تطابق تقريبا مشروع المعاهدة الذي قدمه الاسرايليون الى الولايات المتحدة في أواخر عام 1977، ولك يكن لدى السادات شىء يبرر أيا من مبادراته.

زيارة الكنيسيت .. تحذير الى الاسرائيليين وطمانة للدول العربية وانسحاب لموسكو من عملية السلام.

يروي اسماعيل فهمي سطور في مذكراته قائلا "كانت الكلمة التي ألقاها الرئيس السادات في القدس واضحة ولم تخرج على أية حال عن الموقف الموحد للدول العربية والذي ساعدت مصر في تشكيله خلال الأعوام السابقة .. وأعلن السادات في الكنيسيت أن السلام يستلزم الشروط التالية:
أولا .. إنها الإحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية التي احتلت في عام 1967.

ثانيا.. إنجاز الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني وحقه في تقرير المصير ، بما في ذلك الحق في إقامة دولته.

ثالثا.. حق كل دولة في المنطقة في العيش في سلام داخل حدود ىمنة مضمونة بإجراءات متفق عليها من شأنها كفالة أمن الحدود الدولية، بالإضافة الى الضمانات الدولية المناسبة.

رابعا.. أن كل دول المنطقة يجب أن تتعهد بأن تدير علاقتها بعضها مع بعض وفق أهداف ومبادىء الأمم المتحدة، وبخاصة الا تلجأ الى استخدام القوة وأن تحل أي خلافات فيما بينها من خلال الطرق السلمية.

خامسا.. إنهاء حالة الحرب الدائمة في المنطقة.

وفضلا عن زلك شدد السادات على أن السلام وفق المبادىء المذكورة آنفا يجب إنجازه في مؤتمر جنيف وهكذا فإن رحلته لم تكن بديلا للمؤتمر، وغنما كانت جزءا من العملية المؤدية إليه، وخطوة من المعتبر أنها اتخذت للتغلب على المناقشات التي لا تنتهي عن الإجراءات التي اعلن السادات انها ادت إلى تبديد اشهر كاملة.

وأضاف السادات أيضا كلمة تحذير الى الاسرائيليين وطمانة للدول العربية فقال : لم ولن أنتهج سياسة ذات وجهين .. لم أتحدث قط الى أحد إلا من خلال لغة واحدة وسياسة واحدة ووجه واحد .. وبعبارة أخرى : غن ما يقصده السادات أنه يجب على الإسرائيليين ألا يتوهموا أن كلمة السادات في الكنيسيت يقصد بها فحسب الإستهلاك الداخلي في الدول العربية ، وأنه سيكون أكثر لينا حالما يجلس للتفاوض معهم خلف أبواب مغلقة.

ويقول فهمي " خلص السوفييت الى أن السادات دخل الآن كلية في المعسكر الأمريكي بعيدا عن متناولهم وهكذا انسحبت موسكو من عملية السلام".

السادات والصحافة العالمية .. مراوغا ومتناقضا

وفي ذكريات اسماعيل فهمي عن علاقة الرئيس الراحل انو السادات بالصحافة العالمية على هامش مفاوضاته مع الجانب الاسرائيلي .. يقول " في مقابلة أجراها معه كرونكايت من محطة تليفزيون «سي بي اس» في 25 نوفمبر .. كان كرونكايت حائرا بشان الخطة التي تدور في ذهن السادات .. هل سيذهب الى جنيف ويتفاوض نيابة عن السوريين أو الفلسطينيين؟ من أين سيأتي تفويضه للقيام بذلك؟ ماذا لو رفض السوريون والفلسطينيون ما وافق عليه السادات؟ هل سيضطر السادات عندئذ الى توقيع اتفاق منفرد.. لم يكن لدى السادات إجابة معقولة على هذه الأسئلة المنطقية جدا ولكنه تفاداها بتثبيت نفسه خلف فكرة غامضة عن «رسالة مقدسة» عليه إنجازها فقال «إذا لم يوافق أحد فسوف أمضى الى جنيف أيضا من اجل التسوية الشاملة ومتى توصلنا الى نتائج فسوف أدعو الى مؤتمر قمة عربية هنا وأطرح امامهم ما تم الإتفاق عليه».

«على كر فرد أن يقرر ما يخصه .. وسوف اقوم بواجبي، وهو ما أسميه رسالة مقدسة، سوف أضطلع بها .. وهي إحلال السلام في المنطقة هنا لأن هذه هي اللحظة المناسبة .. وكما اخبرتك فسوف اعرض هذا على مؤتمر قمة عربية هنا مع كل الملوك ورؤساء الدول وعلى كل فرد أن يتخذ قراره امام هذه القمة».

وكان السادات يعلن دائما ان السلام هو المفتاح الى مستقبل أفضل لمصر .. وأن السلام سيكون أكثر من مجرد نهاية الحرب والمعاناة وموت الوف من ابناء مصر.

تداعيات معاهدة السلام .. نمو جماعات دينية معارضة لسياسة السادات

يروي اسماعيل فهمي في مذكراته بانه على خلفية الحملة الدعائية لمزايا السلام من قبل السادات والحكومة المصرية بدأ التوتر ينمو في مصر ووجد التعبير عنه صورا مختلفة ، أهمها نمو جماعات دينية معارضة لسياسة السادات .. واتخذ حزبا المعارضة الصغيران موقفا قويا ضد تقارب السادات من إسرائيل والتنازلات المهمة التي قدمها تحت سطار التطبيع.

جانب من عيوب المعاهدة انتقاص من سيادة مصر على أرضها وشروط قاسية على الجيش في سيناء

ويروي اسماعيل فهمي عيوب المعاهدة السلام المعقودة بين مصر واسرائيل من وجهة نظره في نقاط أبرزها

أولا .. أن حالة الحرب بين مصر واسرائيل قد أنهيت وتم إحلال السلام بمجرد تبادل التصديقات على المعاهدة وذلك على الرغمن من أن إسرائيل سوف تستمر في إحتلال الجزء الأكبر من سيناء لفترة تصل الى ثلاثة سنوات «المادة 1» وكما أشرت من قبل فإن المنطق الطبيعي للأشياء كان ينبغي أن يكون اولا الانسحاب الكامل يعقبه إنهاء حالة الحرب كما نص عليه مشروع المعاهدتين المصرية والأمريكية.

ثانيا .. أن عملية تطبيع العلاقات بين البلدين بدأت بعد مضي ستة شهور على سريان المعاهدة «المادة 3» .. ومرة أخرى كان هذا معناه أن السادات كان يتصور أنه يمكن أن توجد علاقات طبيعية بين مصر وبلد مازال يحتل جزءا من أراضي بمصر.

ثالثا .. كل النصوص تتعلق بخلق مناطق منزوعة السلاح وتخفيض عدد القوات في المنطقة الواقعة بين البلدين اقتصر تنفيذها على أرض مصر فحسب تقريبا وهكذا تم تقسيم سيناء الى ثلاثة مناطق .. ولم يسمح لمصر بوضع أي قوة عسكرية كانت في المناطق الشرقية التي تمتد على طول الحدود، وسمح لها بوجود ما يصل الى 4000 رجل فقط وكميات وأنواع محدودة للغاية من الأسلحة في المنطقة الوسطى بل إن وجود الجيش المصري كان محدودا في أقرب منطقة الى قناة السويس.

رابعا .. نصت معاهدة السلام على أن قوات متعددة الأطراف ستقوم بدوريات في المنطقة منزوعة السلاح على الجانب المصري من الحدود وفي المنطقة التي لا يمكن لمصر أن تحتفظ فيها بأي قوات ، وفي الوقت الذي لا ترابط فيه أي قوات على الأراضي الاسرائيلية والأهم من ذلك انه ليس هناك مبرر لوجود هذه القوات على الأراضي المصرية.

خامسا .. يحدد الملحق 3 والمادة 5 أنه يجب على مصر واسرائيل أن تتعاونا بشكل وثيق للمحافظة على السلام والأمن في المنطقة .. وبادىء زي بدء فإن مثل هذا التعاون موجه فيما يبدوا ضد الدول العربية الأخرى .. كما ان اقل ما يقال عن إسرائيل التي تحتل أراض عربية كثيرة ولا تظهر استعدادا للتخلي عنها .. إنها آخر من يمكن أن يساهم في المحافظة على الأمن في المنطقة

اصرار اسرائيلي على عدم الانسحاب من سيناء قبل ثلاثة سنوات ليقينهم ان السادات متقلب المزاج

يروي وزير الخارجية الأسبق في مذكراته بأن الاسرائيليون يعون أن السادات رجل متقلب وابتكروا طريقة فعاله للتعامل معه .. وخلال المفاوضات على اتفاق فض الاشتباك الثاني ، ذكر رابين في كتابه أنه قد خلص في تعامله مع السادات الى نتيجة مؤداها أن «الطريق الى تأمين نجاح أي اتفاق معه هو إنشاء الحقائق على الأرض وبناء الصفقة بحيث يكون الوفاء بها مفيدا له او على الأقل يضار اذا لم يف بها.

وإنشاء الحقائق على الأرض هو بالضبط ما سعى إليه الاسرائيليون في كامب ديفيد خلال المفاوضات على معاهدة السلام .. فهم لم يمنحوا السادات أي شىء على الفور، لأنهم لم يكونوا واثقين به ، وكانوا يخشون أن يلغي الاتفاق حالما تعود سيناء .

ولذا أصروا على أنهم لا يستطيعون الانسحاب من سيناء قبل ثلاثة سنوات على الأقل رغم أنه في عام 1967 نجحوا في إحتلالها في خمسة أيام .. وكان السبب الحقيقي وراء هذا الإصرار هو أنهم أرادوا التحقق من أن السادات لن يكون بمقدوره النكوص عن الاتفاق لمدة ثلاثة سنوات دون التضحية بجزء من سيناء .. وبعد ثلاثة سنوات من الخضوع والإذلال من الاسرائيليين سيزداد عدم قبول السادات في العالم العربي ومن ثم لن يصبح بإمكانه أن يعكس سياسته او ينقصها

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved