«الإسلام انطلاق لا جمود»: أين يقف الدين من زحمة المبادئ وضوضائها الكبرى

آخر تحديث: الأحد 26 مايو 2019 - 10:14 ص بتوقيت القاهرة

عبدالله محمد:

كتاب لمصطفى صادق الرافعى يقوم فيه بجولة فكرية حول العديد من القضايا المختلفة مثل الديمقراطية والحرية والطائقية والاشتراكية والقومية والمرأة وغيرها، وينطلق من هذا التساؤل، أين يقف الإسلام فى زحمة هذه المبادئ وضوضائها الكبرى؟ بل أين تقف هذه المبادئ وتلك النظريات من الإسلام؟
ستكون الأجابة التى يتمضنها الكتاب لا تخرج عن السرد المنطقى لتفاعل هذه النظريات، والبيا الصريح، للامتدادها حينا وانكماشها حينا آخر، ووضوحها تارة، وغموضها تارة أخرى، ولا نتخطى الإيضاح المنهجى بقولنا أن هذه النظريات ليست إلا محاولات جديدة بالاعتبار والتقدير، قامت فى أطراف الأرض، لاسعاد بنى الإنسان، ولكنها للأسف لم تحقق شيئا من ذلك، الكتاب، لا يحمل القارئ على رأى معين أو اعتقاد محدد ــ كما يقول فى مقدمته ــ ولكنه تركه يزامله فى الطريق حتى يتحقق فى النهاية من أن «الإسلام انطلاق لا جمود».
حقيقتان
الأولى: أن الإسلام كدين سماوى لم يتغير ولم يتبدل رغم تطاول الأيام عليه.
الثانية: ليس بين الإسلام وبين أى عقيدة أخرى أو شعب آخر عداوة تقليدية كما يدعى البعضن، وهو كفكرة لا يضمر الحقد لاى دين آخر كما يحلو لبعض تجار الأديان أن يتخرص ويختلق.
مع العودة لعشرة قرون للماضى تحديدا العصر الجاهلى، وهو عصر الضياع الروحى وقلق المصير، كانت فيه الجزيرة العربية تغرق فى الدم والظلام والفتنة، وكانت الكلمه للسيف، وكانت عباده الأصنام هى المنتشرة، من وحش هذا الظلام تأتى المعجزة بولادة محمد صلى الله عليه وسلم، ومعه ولد تاريخ حافل بالاحداث التى قدر لها ان تكن يوما مرتكزا لنهضة جبارة، وغد مجيد.
وشب بأعباء الرسالة لمحاربة هذه الوثنية ويدعو إلى إله واحد لا شريك له.

حقوق الإنسان
كان محمد أول واضع لهذه الحقوق التى ادعتها الثورة الفرنسية فلخصها قادتها بكلمات ثلاث أو شعارات ثلاثة: الحرية والمساواة والأخوة.
ثم انبرت امريكا بعد ذلك تزعم لنفسها السبق وتعلن فى وثيقة الاستقلال عام 1776 انها تعد الحقائق التالية من البديهيات: خلق الناس جميعا متساوين. وقد منحهم الخالق حقوقا خاصة لا تنتزع، منها: الحياة والحرية والسعى وراء السعادة.
فقد أكد ذلك النبى محمد بقوله: «الناس سواسية كأسنان المشط، ولا فضل لعربى على عجمى إلا بالتقوى»، و«كلكم لآدم وآدم من تراب».
المختلف فى شبة الجزيرة أن محمد لو يكتفى بالقول ولكنه تبعه بالعمل الحازم العادل: واجاب صحبه حين طلبوا منه العفو عن سارق لشرف أسرتها ومكانتها: «إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا اذا أذنب الضعيف فيهم عاقبوه وإذا أذنب الشريف تركوه والله لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطع محمد يدها».
فلم يكن للنبى سوى مجلس قضائى واحد يمثل أمامه الناس كلهم دونما تمييز بين رفيع ووضيع، وغنى وفقير.
والمساواة فى التوظيف يدل عليها هذا الحديث الشريف: «من ولى رجلا شيئا من أمور المسلمين وهو يعلم أن فيهم من هو أولى منه فقد خان الله ورسوله وجماعة المؤمنين».
ومثل هذا يقال فى الضرائب فإنها تجبى من الناس على قدم المساواة فمن كثر ماله كثرت تكاليفه ومن قل ماله قلت تكاليفة.
وأما الأخوه فالنبى العربى هو أول من نادى بالاخوة العقائدية والاخوة الانسانية : «إنما المؤمنون إخوة» والإنسان أخو الانسان أحب أم كره، وهو أول من آخى بين الأنصار والمهاجرين حتى تقاسموا البيوت والاموال، وما نراه من سلوك متبع فى الحرم النبوى إلى الآن من موائد الإفطار فى المدينة المنورة إنما هو سلوك التأخى بين المهاجرين والأنصار، وأول من خص الفقراء والمساكين بحظ موفور من مورارد الدولة حتى بات هؤلاء يشعرون بالوجود الصحيح والكرامة الكاملة فى أمتهم وشعبهم. وبات هذا التأثر السلوكى الرفيع ظاهر فى سلوك الخلفاء، فأعطوا المثل فى التغاضى، وما نوا عن الجهاد لتحطيم الحواجز الطبقية واشاعة المساواة والعدالة بين الناس.
أما الحرية.. هيأ لها الإسلام أتقى الاجواء؛ لقد حرم الشرك بكافة صورة وحاربة بكافة اشكاله، فالله العلى الأعلى هو وحده رب الناس فمن يعبدغير الله فهو مشرك، ومن يستعبدغيره فهو أيضا مشرك، وفى هذا قضاء على كل أنواع العبوديات، لقد حرر الاسلام الناس من الرق أولا، حرر أجسادهم ومن سوط السيد والطاغية، ثم حرر بعد ذلك أفكارهم وعقولهم، وفى ظل هذا التسامح وقف خليفة قوى الشخصية عبقرى الرأى هو عمر بن الخطاب وصاح فى وجه أولئك الذين يطمعون فى استعباد الناس واذلالهم صحيته التاريخية المشهورة: «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا».

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved