بالمستندات.. «الشروق» تكشف جريمة في المعهد العالي للموسيقى العربية

آخر تحديث: الأربعاء 26 يونيو 2019 - 6:53 م بتوقيت القاهرة

تحقيق ــ إيناس عبدالله:

سرقة آلات موسيقية يصل ثمنها لنحو مليون ونصف جنيه
أساتذة المعهد يكشفون تفاصيل السرقة.. ورئيس الأكاديمية يسترد 3 منها على نفقته الخاصة.. وعميد المعهد: محصلش
جمال عبدالمنعم: تم سرقة نحو 15 آلة قانون من المعهد يتراوح ثمنها من 80 ألفا لـ 120 ألف جنيه ولم يتم جرد باقى الآلات حتى الآن
ماجد سرور: أصحاب النفوس المريضة استغلوا قرار رئيس الأكاديمية السابق بإعدام المستندات التى مر عليها 15 عاما وحرقوا عقود الآلات

شهد معهد الموسيقى العربية، الذى يعد واحدا من أكبر وأعرق المعاهد الموسيقية فى العالم كله، جريمة غريبة، ذات طابع خاص، ارتكبت بحرفية شديدة، وبأسلوب لا يتماشى مع أناس يتعلمون الفن ويتذوقونه ويمارسونه، ويغذون الناس بمشاعر فياضة، وبنغمات تسمو وترتقى بهم.

فقد نجحت «الشروق» فى الحصول على مجموعة من المستندات تؤكد وقوع جريمة سرقة فى معهد الموسيقى العربية، الذى يحتوى مخزنه على مجموعة كبيرة من الآلات الموسيقية الأصلية، باهظة الثمن، والتى استخدمها كبار الموسيقيين فى مصر والشرق الأوسط، رغم إنكار عميد العهد د. أشرف هيكل لهذا الأمر، والتأكيد أن كل شىء على خير ما يرام.

ومن بين هذه المستندات، مستند يحكى تفاصيل الواقعة التى حدثت فى نهاية العام الماضى، حيث اكتشف أحد الأساتذة العاملين بالمعهد وهو د. جمال عبدالمنعم عبده، قيام احد الطلاب بعرض مجموعة من آلات «القانون» للبيع عبر «جروب» خاص بعازفى القانون فى مصر والسعودية والكويت، للبيع، واستوقفه شكل آلتى «قانون» وضع الطالب صورتهما على «الجروب» حيث ربط بينهما وبين آلات «القانون» الذى تعلم عليها حينما كان طالبا بالمعهد، إلى ان أصبح استاذا فيه يعلم عليه الطلاب.

على الفور عرض «جمال» على الطالب شراء الآلتين، وطلب فحصهما، ليكتشف أنه كان محقا فى ظنه، فقام بالاتصال بعميد المعهد د.أشرف هيكل، وطلب اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة معه.

حتى هذه اللحظة، فالواقعة قد تمر على أنها حادثة فردية وبسيطة قد تحدث فى أى مكان، لكن الأوراق الرسمية، التى تمتلك «الشروق» نسخا منها، كشفت عن ما هو أخطر من ذلك وتؤكد أننا أمام قضية كبيرة، وتشير إلى تعرض كنوز معهد الموسيقى العربية للسرقة فى وضح النهار، على مرأى ومسمع من الجميع، وتعكس صحة المقولة التى تؤكد أنه «من أمن العقاب أساء الأدب».


فوفقا لواقعة السرقة التى قام د.جمال بضبطها، تم تشكيل لجنة بقرار من د.أشرف زكى رئيس الأكاديمية رقم «57» لفحص الآلات المضبوطة والتى تم ضم اليها مجموعة من الآلات قام عازف سعودى بشرائها من نفس الطالب، بعد أن دفع د.أشرف زكى ثمنها، على نفقته الخاصة، وأعادها للمعهد، وتضمن قرار تشكيل اللجنة ضرورة فحص الآلات لمعرفة إذا كانت ملكيتها تعود للمعهد أم لا!.

وبالفعل قام أعضاء اللجنة بفحص الآلات وتبين أن 3 منها تعود ملكيتها لمعهد الموسيقى العربية، وأكد أعضاء اللجنة ومن بينهم د.ماجد سرور، عازف القانون المعروف واستاذ القانون بالمعهد، ان هذه الآلات كانوا يعزفون عليها منذ أن كانوا طلابا وحتى اصبحوا أساتذة فى نفس المكان.

ثم جاء قرار د. أشرف زكى رئيس الأكاديمية رقم 592، ليكشف عن حقائق أكثر غرابة، وهو القرار الخاص بتشكيل لجنة برئاسة د. فوزى الشامى الأستاذ المتفرغ بالمعهد العالى للموسيقى «الكونسرفاتوار»، للتحقيق فى الشكوى المقدمة من د.جمال عبدالمنعم، حول تعرض مجموعة من الآلات الموسيقية الأصلية للسرقة من مخزن المعهد، لمطابقة الآلات الموسيقية الموجودة فى خزينة المعهد العالى للموسيقى العربية بأوامر التوريد وكراسة الشروط، وهو ما استجاب له اعضاء اللجنة المشكلة، وقدموا مذكرة لرئيس الأكاديمية تتضمن حقائق مذهلة.

أهم هذه الحقائق التى توصل لها أعضاء هذه اللجنة انه من ضمن 15 آلة «قانون» يمتلكها المعهد من صناعة الراحل «ربيع شرف» أشهر صناع هذه الآلة والتى تتميز بحرفية وجودة عالية فى الصناعة ونادرة الوجود، لا يوجد منها سوى 3 آلات فقط بمخزن المعهد، بينما باقى الآلات غير مطابقة للمواصفات وتحتاج لصيانة، والبعض الآخر غير مكتمل الصنع، بل ومجهول الصانع والمصدر، ولا تنتمى لممتلكات المعهد، حيث إنها رديئة الصنع وغير مطابقة للمواصفات الفنية التى يتم الشراء على أساسها والخاصة بأمهر صناع آلة «القانون».

وكشف أعضاء اللجنة عن كارثة كبرى، حينما أكدوا أنهم طلبوا كراسات الشروط وأوامر التوريد لمطابقة الآلات عليها، إلا أنهم فوجئوا أن الأوراق والمستندات التى ما قبل عام 2000، تم إعدامها وفقا لقرار د. أحلام يونس، رئيسة الأكاديمية السابقة.

واختتم أعضاء اللجنة المذكرة بالتأكيد انه تم تبديد واستبدال لآلات المعهد، خلافا لما هو مثبت بالأوراق من أن العهدة سليمة، وفقا لما أكده أمين المخزن بنفسه.

وبالبحث عن مدى حقيقة هذه الأوراق والمستندات، خاضت «الشروق» رحلة مع أطراف الواقعة، وكانت البداية مع د.جمال عبدالمنعم، مكتشف السرقة الذى قال: «كل ما جاء فى هذه الاوراق صحيح 100%، فلقد اكتشفت السرقة، وظننت أنه سيحدث تجاوبا كبيرا من المسئولين، لمحاسبة المقصرين والمحافظة على كنوز المعهد، لكن للأسف فوجئت بتصرفات غريبة، لا تناسب حجم الواقعة، فعميد المعهد د. أشرف هيكل، لم يتخذ أى اجراءات حاسمة، واهدر علينا فرص اعادة باقى الآلات المسروقة، فكل خطوة نخطوها كنا نجد عراقيل من جانبه، وكان رافضا تصعيد الامر للنيابة العامة، مما دفعنا للجوء بشكل مباشر لرئيس الاكاديمية، الذى تجاوب معنا منذ اللحظة الاولى وساعدنا فى اعادة 3 آلات للمعهد، بعد ان نجح فى الحصول على ثمنهم بعلاقاته الشخصية».

وتابع: ثمن الآلة الواحدة تتراوح من 80 ألفا إلى 120 ألف جنيه، إلى جانب اننا نتحدث عن صنف واحد فقط من الآلات، وكان يجب على عميد المعهد ان يبادر بعمل جرد شامل للمخزن، لفحص باقى الآلات، فنحن نتحدث عن ملايين يتم اهدارها على مرمى ومسمع من الجميع، وطالبناه بضرورة اتخاذ اجراءات رادعة للطالب الذى سرق، ومعرفة من ساعده فى هذا الأمر، لكننا نتلقى ردودا سلبية، ومحاولات كى يموت الموضوع، وكأن شيئا لم يكن.

وأيد د. ماجد سرور كلام زميله د. جمال وقال: «أساتذة آلة «القانون» فى معهد الموسيقى العربية هم وحدهم القادرون على معرفة اذا كانت الآلات التى تم الحصول عليها من الطالب ملكا للمعهد ام لا، ولذا فلم يكن غريبا ان يشكل د.أشرف زكى رئيس الاكاديمية لجنة مشكلة من اساتذة المعهد لفحص الآلات، وانتهينا لكتابة شهادات موثقة اكدنا فيها ملكية المعهد لهذه الآلات، واكتشفنا عملية استبدال واسعة النظاق لآلات المعهد تقدر ثمنها بالملايين، ثم نفاجأ ان رئيس المعهد، لا يعترف بشهاداتنا، ويؤكد ان العهدة سليمة، وكل شىء على ما يرام، الامر الذى دفعنى لمواجهته بعلامات استفهام كبيرة واحتديت عليه فى المناقشة رغم الصداقة والعلاقة القوية بيننا».

وتابع د. ماجد سرور: «لان المعهد من اكبر المعاهد ويقدم لمصر وللوطن العربى أعلاما فى الموسيقى والغناء والتلحين، فلقد اعتاد المسئولون شراء اغلى الاجهزة الموسيقية لتعليم الطلاب عليها، وغالبا تكون أصلية، ونادرة الوجود، لكن مع فحص الآلات الموجودة حاليا، اكتشفنا مهازل فالآلات الموجودة متهالكة واسعارها تتراوح من 60 جنيها لـ ٥٠٠ جنيه على أقصى تقدير، ثم نجد اصرارا أن العهدة سليمة، والسبب فى هذا هو قرار اصدرته د.احلام يونس رئيسة الاكاديمية السابقة بحرق الاوراق التى مر عليها 15 عاما، ولانها قادمة من معهد الباليه، فلم تكن مدركة أن هناك معاهد بها عهد وآلات ومعدات باهظة الثمن، تم حصرها على هذه الاوراق، وهو الامر الذى دفع مرضى القلوب من اصحاب النفوس المريضة ان يحرقوا اصول عقود شراء الآلات، وعليه لم يعد هناك أى ورق يتضمن مواصفات الآلة واصبح الجرد بالعدد وليس وفقا لمواصفات وهو ما ساعد استبدال الآلات الموسيقية القيمة بالمعهد بأخرى رديئة، وهو ما يشير إلى امكانية تكرار الواقعة فى المعاهد الاخرى مثل معهد السينما الذى يمتلك معدات باهظة ما لم يتخد اجراءات احترازية رادعة».

واخيرا قال د. ماجد سرور نحن ابناء المعهد ويصعب علينا ان نجد مثل هذه المهزلة، ونقف مكتوفى الايدى واذكر ان الموسيقار الكبير امير عبدالمجيد عثر على آلة ملكا للمعهد وبها كارت موقع من العميد السابق محمد سعيد هيكل والد اشرف هيكل العميد الحالى، مما يؤكد ملكية «القانون» للمعهد وقام على الفور بعرضه على «العميد» للتاكيد ان المخزن يتعرض للسرقة لكن العميد لا يزال ينفى ويردد باستمرار عهدتى سليمة وطلب من امير عبدالمجيد ان يبتعد عن هذا الموضوع.

اقرأ أيضًا:
رئيس أكاديمية الفنون: لا تستر على فساد.. والمتهمون بسرقة الآلات الموسيقية سيخضعون للحساب

عميد المعهد العالي للموسيقى: سرقة الآلات لم تثبت حتي الان..وأخشي علي سمعة معهد الموسيقي


هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved