المخرج الفلسطينى أمين نايفة: الاحتلال بشع بكل أشكاله.. و«200 متر» ليس دعوة للانصهار والتعايش مع إسرائيل

آخر تحديث: الخميس 26 نوفمبر 2020 - 8:13 م بتوقيت القاهرة

حوار ــ أحمد فاروق:

* المقاطعة أكثر سلاح فعال فى مقاومة الاحتلال الإسرائيلى.. وليس من حقى الحكم على «الجونة» بعد تكريم «ديبارديو»
* مستعد للتعاون مع أى إنسان يرى المشروع الصهيونى استعماريا فاشيا حتى لو كان إسرائيليا
* نكشف الانتهاكات اليومية ضد الفلسطينيين بدون شعارات.. وكنت صادقا فى كل شىء تناولته بالفيلم
* الفصل العنصرى الذى فرضه الجدار العازل حرمنى من زيارة أسرتى رغم أن المسافة بيننا 20 دقيقة
* الأردن شريكة فى إنتاج الفيلم ويحق لنا تمثيلها فى سباق الأوسكار

 

رغم اختيار فيلم «غزة مونامور» ممثلا لدولة فلسطين فى منافسات أوسكار أفضل فيلم أجنبى، إلا أن الفيلم الفلسطينى «200 متر» وجد لنفسه مكانا أيضا داخل السباق، ممثلا لدولة الأردن، وهو ما أثار جدلا خاصة أن الفيلم يشارك فى المهرجانات الدولية باسم فلسطين، كما حدث فى الدورة الأخيرة لمهرجان فينيسيا وحتى «الجونة السينمائى»، الذى حصد فيه الفيلم وصناعه 5 جوائز، هى؛ «سينما من أجل الإنسانية» والتى يتم منحها بناء على تصويت الجمهور، وقيمتها 20 ألف دولار، وجائزة «فيبرسى»، وجائزة أفضل ممثل التى ذهبت لبطل الفيلم على سليمان، بالإضافة إلى تسلم مخرجه أمين نايفة جائزة مينا مسعود، ومنح مجلة فاريتى منتجته مى عودة جائزة أفضل موهبة عربية فى 2020.

فى هذا الحوار يتحدث المخرج الفلسطينى أمين نايفة لـ«الشروق»، عن تجربة «200 متر» الذى يعد فيلمه الطويل الأول، ولماذا سبقه بالفيلم القصير «العبور» الذى يتناول فيه نفس القضية، وكيف يرى مشاركته فى الجونة فى نفس الدورة التى كرمت الممثل الفرنسى جيرارد ديبارديو المتهم بدعمه للكيان الإسرائيلى، كما يتحدث أيضا عن المقاطعة وإلى أى مدى هى سلاح فعال ومؤثر ضد المحتل الإسرائيلى، كما يدافع عن رسالة فيلمه، ويرفض اتهامه بأنه يحمل دعوة للانصهار والتعايش مع المحتل.

يقول أمين نايفة لـ«الشروق»: أحمل الجنسية الأردنية، وطفولتى كانت فى الأردن، ودراستى للسينما كانت فى الأردن، وأول جهة قدمت الدعم لفيلم «200 متر» كانت الهيئة الملكية الأردنية للأفلام، وبالتالى الأردن ليست فقط جزءا من الفيلم وإنما هى جزء منى أنا أيضا.

والأردن وفلسطين بالنسبة لى شعب وبلد واحد، فقبل التقسيم الاستعمارى كانت بلاد الشام شعبا وتاريخا واحدا، وبالتالى أنا فلسطينى وأردنى أيضا، ولذلك أفخر بتمثيل الفيلم للأردن، كما أفخر بتمثيله لفلسطين فى المهرجانات الدولية التى شارك فيها.

وحسمت الهيئة الملكية الأردنية للأفلام، الأمر فى بيان صحفى، قالت فيه إن «200 متر» متعدد جهات الإنتاج، وتمثيله للأردن جائزا وفق قوانين الأوسكار، موضحة أن هذه ليست المرة الأولى، فقبل سنوات مثل الأردن فى سباق الأوسكار أيضا الفيلم الفلسطينى «3000 ليلة» للمخرجة مى المصرى، بعد أن اختارت فلسطين فيلم (The Idol) للمخرج هانى أبو أسعد.

> «200 متر» مستوحى من قصة حقيقية.. ما الذى دفعك لتحولها إلى فيلم؟
ــ كان عمرى 14 سنة عندما بدأ بناء الجدار العازل، عام 2002، وهذا جعلنى أعيش كل مراحل عملية الفصل العنصرى الذى حدث، وبعد أن أصبح هناك جدار حقيقى منعت من زيارة أهلى وكأنهم يعيشون فى كوكب آخر، فأمى من قرية فلسطينية فى «48» التى يقال عنها اليوم إسرائيل، ورغم أننى نشأت فى بيت أخوالى إلا أننى فجأة أصبحت لا أستطيع الذهاب إليهم رغم أن المسافة بيننا لا تتجاوز 20 دقيقة، وهذا كان له تأثير سلبى على فى طفولتى، لأننى كنت متعلقا بهم جدا، فكان هذا الجدار سببا فى أننى كبرت على ذكريات مؤلمة جدا، منها على سبيل المثال لا الحصر، أن جدى عندما توفى بعد 4 سنوات من بناء الجدار، جاءنا تصريح زيارة مستشفى، ولكن على الحاجز الجندى الإسرائيلى رفض السماح بعبورنا، وهذه القصة حكيتها فى فيلمى القصير «العبور» الذى كان تمهيدا لفيلم «200 متر».

ورغم أن الاحتلال بشع بكل أشكاله، ولكن الذين يتحكمون فى المعابر بينهم من هو بشع ويتعامل بطريقة يمكن وصفها بـ«القذرة»، وفى هذا اليوم لم يتعامل معنا الجندى بأى إنسانية، ورفض عبورنا، حتى اضطر أخى لأن يخرج ورقة من جيبه تفيد بأن جدى توفى، وكنت أعتقد أنه يمزح حتى يتعاطف معنا هذا الجندى ونعبر، وبالفعل عبرنا، ولكن ما اكتشفته بعدها أن وفاة جدى كانت حقيقة وليست كذبة، فأن أعرف أن جدى توفى وأنا معلق بسبب هذا الحاجز، ولا أستطيع وداعه، كانت واحدة من آلاف القصص المؤلمة التى تسبب فيها هذا الجدار.

> لماذا قررت تقديم فيلمك القصير «العبور» خلال رحلة صناعة «200 متر»؟
ــ خلال فترة البحث عن تمويل فيلم «200 متر» كانت هناك عقبة أننى ليس لى رصيد كبير كمخرج، فقررت مع المنتجة مى عودة أن نوضح العالم الذى نحكى عنه أكثر، وفعلنا ذلك من خلال فيلم «العبور» الذى كان خير ترويج لـ «200 متر»، فهما يدوران فى عالم واحد، ويتناولان قضية الفصل العنصرى.

> نعود لـ «200 متر».. لماذا اخترت أن تكون الفتاة التى تساعد البطل فى العبور إسرائيلية؟

ــ لم نقل فى الفيلم إنها إسرائيلية، فهى لأب إسرائيلى، لكنها تعيش فى ألمانيا، وحتى إذا كانت إسرائيلية فالأهم بالنسبة للفيلم، أن هذه الفتاة رافضة لأن تعيش فى دولة الاحتلال، كما أنها لم تساعد البطل كما يعتقد البعض، وإنما هو من استغلها ليصل إلى هدفه، بالوصول إلى ابنه فى المستشفى، ولأنها لم تكن تقصد مساعدتهم، كانت ستتسبب فى وفاتهم جميعا بسبب عدم إدراكها لحجم الخطر المقدمة عليه.

> لكن هذه الشخصية جعلت البعض يرى أن الفيلم يمهد للانصهار والتعايش مع المحتل.. فبما ترد؟

ــ سأجيب على هذا السؤال بسؤال لمن يردد أن الفيلم يدعو للتعايش والانصهار: هل حلت مشكلة البطل فى الفيلم حتى يقال ذلك؟

الحقيقة أن مشكلته لم تحل، ولم ينصهر أو يتعايش مع أحد فى النهاية، فهو استغل الفتاة لكى يعبر الجدار ويقضى حاجته الملحة، ليكون مع ابنه فى المستشفى، وأى أب إذا عرض عليه فى هذه اللحظة أن يضع يده فى يد إبليس لكى يرى ابنه سيفعل ذلك.

> هذا يعنى أنك لا ترفض التعاون مع الإسرائيلى إذا لم يكن ضد القضية الفلسطينية؟

ــ أى أنسان يؤمن بالقضية الفلسطينية، وأن المشروع الصهيونى استعمارى فاشٍ أتعاون معه حتى لو كان إسرائيليا.

وبالتالى ما أتمنى أن يصل للمشاهد من الفيلم، هو نقل صورة الواقع المعاش اليوم فى فلسطين، وهذا الظرف اللا إنسانى، بعد 70 سنة احتلال، من نقاط تفتيش فى كل متر تتحرك فيه، وحواجز ومراقبة، فأنا لا أدعو لأى شىء، ولكنى أشارك المشاهد الواقع، وأريده أن يحكم بنفسه؛ هل فلسطين التى يشاهدها فى «200 متر» دولة؟

> إلى أى مدى فيلم «200 متر» يمثل القضية الفلسطينية؟

ــ أنا أمثل نفسى ولا أدعى أننى أمثل القضية الفلسطينية، ولكن تلقائيا، عندما يصنع مواطن فلسطينى فيلما يكون عليه حمل كبير، فهو تلقائيا يتحدث باسم شعبه وباسم القضية.
لكن ما أحب تأكيده، أننى طول الوقت كنت صادقا فى كل شىء تناولته بهذا الفيلم، ولم أكن أفكر فى
محاذير على الإطلاق حتى لا تعيق حركتى، ولكن هذا لا ينفى أن هناك ضغوطا ومسئولية وحملا كبيرا، من الفلسطينيين خصوصا، ومن الشعوب العربية بشكل عام، فالقضية الفلسطينية موضوع حساس لكل الناس، ولكننى قبل أن أفكر فى مراعاة كل هؤلاء، هناك مسئوليتى تجاه نفسى كفلسطينى عندما أحكى قصة بهذه الخصوصية، وبالتالى عملية صناعة هذا الفيلم لم تكن سهلة على الإطلاق، وحرصت فيه على أن أعكس واقع الحياة اليومية الحقيقية بدقة وبدون أى إضافة من خيال الكاتب، لتكون كما حصلت عليها من عملية البحث الذى أجريته بنفسى وتجاربى الشخصية، وتجارب الأشخاص الذين أعرفهم.

> لكن ما المختلف الذى يطرحه «200 متر»؟

ــ «200 متر» فيلم مختلف عن الأفلام السابقة التى تناولت القضية، لأنه يتناولها بشكل بسيط، وبعيد عن الشعارات، وفكرة المظلومية المستهلكة التى لم تعد مفيدة، فالفيلم يقول كل شىء ولكن بشكل غير مباشر.

فالشعارات ربما تكسب تعاطف المشاهدين فى بعض المرات، ولكنى بشكل شخصى لاحظت أن كثيرا من الجمهور فى دول العالم المختلفة، لا يحب الأفلام التى تلعب على المشاعر بالشعارات دون مضمون حقيقى وفكرة صادقة، فالأفضل أن يحكى المخرج قصته دون متاجرة بالمشاعر، كما أن الغرب الذى نريد أن يصله صوتنا، لا يعترف بالشعارات، ولكن يحترم القصة التى يتم تناولها، وأتمنى أن يكون ذلك متحققا فى «200 متر» أول فيلم روائى أقدمه، وأتمنى أيضا أن يصل لأكبر عدد من الجمهور حول العالم، ليرى ماذا يحدث فى فلسطين وشعبها.

> هل الفيلم قادر على ترك أثر فى الغرب عن الواقع الذى تعيشه فلسطين؟

ــ تفاصيل الحياة اليومية الموجودة فى 200 متر، لا تصل للغرب ولا أحد يتحدث عنها أو ينقلها إليهم، وهنا تكمن أهميته، فقنوات الأخبار الدولية لا تهتم بالانتهاكات الإسرائيلية اليومية ضد الفلسطينيين وممتلكاتهم، وإنما تسلط الضوء فقط على الأحداث الكبيرة مثل تفجير أو قتل جماعى، وبالتالى الانتهاكات اليومية لا تصل.

> هل تعمدت إظهار الانقسام الداخلى من خلال مشهد ابتزاز فلسطينى للبطل حتى يسمح له بعبور الجدار؟

ــ خلال أحداث الفيلم حاولت أن أكون حقيقيا قدر الإمكان، وأعكس الواضح دون أن أجمله، فرغم أننا عشنا كشعب فلسطينى هذا الظلم التاريخى منذ عام 48، ولكن هذا لا يعنى أن جميعنا ملائكة، فهناك الصالح والطالح، وهناك من يعيش على مأساة غيره، وهذا المشهد بالفعل لديه رمزية على الحال الفلسطينى، فالكل يلعب على مأساة الناس.

> كيف رأيت الجدل الذى أثير حول تكريم الفرنسى جيرارد ديبارديو بمهرجان الجونة بعد حملة اتهامه بدعم إسرائيل خاصة أنك شاركت فى نفس الدورة بفيلمك «200 متر»؟

ــ ليس من حقى الحكم على مهرجان الجونة، أو أتدخل فى إذا كان يستضيف فنانا أعلن حبه لإسرائيل أو لا يستضيفه، فما يشغلنى فى النهاية، أن أجد منصة أعرض من خلالها فيلمى ليصل للناس.

> أخيرا.. هل سلاح المقاطعة لا يزال فعالا ومؤثرا على الكيان الصهيونى؟
ــ ما أراه، أن كل وسائل المقاومة تقريبا لم تعد تحقق نتائج، باستثناء المقاطعة ثقافيا واقتصاديا، فهى أكثر سلاح فعال اليوم ضد الكيان الإسرائيلى المحتل.

ونحن كفلسطينيين لا نريد أكثر من أن يعرف الناس كيف نعيش، فإسرائيل تسوق نفسها عالميا بأنها الديمقراطية الوحيدة فى الشرق الأوسط ودولة الحريات، ولا أعرف كيف تكون دولة حريات وحقوق وهى تدهس الفلسطينيين، وبالتالى المقاطعة ضرورية جدا، لأنها كما أشرت السلاح الوحيد الذى يؤثر فى هذا الكيان اليوم، فقد يرى البعض أن إلغاء مباراة ودية بين الأرجنتين وإسرائيل، بسبب حملة مقاطعة أمر بسيط، ولكن مثل هذه الأمور فى الحقيقة تكون ضربة قوية للكيان الإسرائيلى.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved