مراقبون: طاقم الأمن القومي في إدارة بايدن يبشر بدور عالمي أكبر للولايات المتحدة

آخر تحديث: الخميس 26 نوفمبر 2020 - 11:45 ص بتوقيت القاهرة

أ ش أ

تعكس اختيارات طاقم الأمن القومي في إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن ومن برزت أسماؤهم في عضويته هذا الأسبوع عمق التحول الإيجابي في السياسات الأمريكية المرتقبة من الإدارة الجديدة ومغايرتها لنهج " أمريكا أولا " الذي سارت عليه إدارة ترامب طويلة الأعوام الستة الماضية، ففضلا عما تعنيه خيارات بايدن لقادة إدارته الجدد من تصميم أكيد لرئيس الولايات المتحدة القادم على إعادة ترميم النسيج الاجتماعي الأمريكي.

و تعد وزارات الخارجية ومكتب مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض ووزارة الأمن الداخلي والبنتاجون على راس قائمة مؤسسات الأمن القومى الأمريكية التي تشمل كذلك مكتب التحقيقات الفيدرالي واستخبارات الدفاع وكالة الأمن القومى الأمريكية المعنية بالتجسس الإلكتروني ووزارة الخزانة.

وحتى الآن، جاءت الأسماء التي أعلن الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن عزمه إسناد الوزارات المرتبطة بالعمل الخارجي والأمن القومى للولايات المتحدة إليها لتحيي الأمل لدى قطاعات واسعه من الرأي العام الأمريكي في بدء مرحلة جديدة يتعزز فيها الدور العالمي للولايات المتحدة وللقيم الأمريكية التي تنتصر للحق والعدل والتكافؤ، وتعكس في الوقت ذاته ثراء تنوع المجتمع الأمريكي واتاحته الفرصة لكل مكوناته وأطيافه بروح من التحضر والتسامح واحترام القانون وانعدام التمييز.

فعلى سبيل المثال اختار بايدن كبير مستشاري حملته الانتخابية أنتوني بلينكين كوزير للخارجية الأمريكية خلفا لمايك بومبيو، واختار المحامي اليخاندرو مايوكاس ليكون وزيرا للأمن الداخلي، واختار بايدن كذلك ليندا توماس جرينفيلد سفيرة للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة ومندوبة دائمة وثلاثتهم بحسب ما تصفهم وسائل الإعلام الأمريكية مثال للتنوع العرقى الثرى في المجتمع الأمريكي، إذ تعد السيدة جرينفيلد من الأمريكيين ذوي الأصول الإفريقية، أما اليخاندرو مايوكاس فهو أمريكي ينتمى لأصول كوبيه وسيكون أول أمريكي من أصول لاتينيه يشغل منصب وزير الأمن الداخلي في تاريخ الولايات المتحدة والمسئول الأول عن ملف المهاجرين، أما أنتوني بلينكين البالغ من العمر 58 عاما فيمثل النمط الأمريكي السائد لشاغلي السلك الدبلوماسي ممن وصفهم ترامب " أبناء الدولة العميقة " وذلك بحكم عمله كنائب لوزير الخارجية الحالي وكذلك عمل بلينكين في إدارة اوباما كنائب لمستشار الأمن القومى الأمريكي في البيت الأبيض، وسيكون بلينكين حال موافقه الكونجرس على شغله المنصب هو وزير الخارجية الحادي والسبعين في تاريخ الولايات المتحدة.

ومن الشباب، شملت ترشيحات الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن كذلك جاك سوليفان المتخرج من جامعة هارفارد الأمريكية كمستشار لشئون الأمن القومى للبيت الأبيض وهو يبلغ من العمر 43 عاما وفي حالة موافقة الكونجرس على شغله للمنصب سيكون سوليفان أصغر من جلس على مقعد مستشار الأمن القومى في تاريخ الولايات المتحدة، وقد سبق له العمل كمساعد لوزيره الخارجية الأمريكية السابقة هيلارى كلينتون ثم عمل مستشارا لبايدن لشئون الأمن القومى وكان بايدن آنذاك نائبا للرئيس الأمريكي أوباما، ويلقى اختيار سوليفان في هذا المنصب استحسانا في أوساط شباب السياسيين في الولايات المتحدة لا سيما أن جاك سوليفان يعد من أشد المتحمسين للدفاع عن الأمن القومى الأمريكي من منظور عالمي واسع لمكافحة الإرهاب الدولي.

وعلى صعيد تمكين المرأة. سمى بايدن السيده ميتشيل فلورنى كوزيره للدفاع، وفي حالة إقرار ترشحها لهذا المنصب ستدخل السيدة فلورنى التاريخ كأول سيدة تتولى حقيبة الدفاع في تاريخ الولايات المتحدة رغم أن الأمريكيات يشغلن تقريبا نصف وظائف البنتاجون، والسيدة فلورنى مصنفه من جانب التيارات التقدمية في الحزب الديمقراطي الأمريكي على أنها من "الصقور" كما لها علاقات جيدة بالمجمع الصناعي العسكري الأمريكي ومؤسساته ولها كذلك تاريخ حافل من العمل في أجهزة الأمن الوطني الأمريكية، كما عملت مستشارة للبنتاجون في الفترة من 2009 وحتى 2011، وسبق للسيدة فلورنى العمل كرئيسة لقسم السياسات في وزارة الدفاع الأمريكية وهو ثالث أرفع منصب في هيكل البنتاجون بعد رئيس الأركان شغلته حتى العام 2016.

وفي العام 2017 شاركت السيدة فلورنى في تأسيس شركة استشارت أمن قومى بمسمى WestExec Advisors وكان شريكها هو انتونى بلنكين نائب وزير الخارجية الأمريكي والمرشح لمنصب وزير الخارجية في إدارة بايدن القادمة، واللافت للنظر أن السيدة ميتشيل فلورنى كانت أيضا مرشحه لتولى منصب وزيرة الدفاع الأمريكية في إدارة هيلارى كلينتون التي خسرت انتخابات 2016 أمام المرشح الجمهوري دونالد ترامب الذي عين جيمس ماتيس وزيرا للدفاع في أدارته الجديدة وبرغم ذلك سعى ترامب – بحسب تقارير لشبكة أن بى سى الأمريكية – إلى إقناع السيدة فلورنى لكى تصبح نائبة لوزير الدفاع جيمس ماتيس لكنها رفضت عرض ترامب لاختلافها مع سياساته.

واختار بايدن كذلك ايرفريل هاريس – المتخرج من هارفارد – لمنصب رئيس مجلس الاستخبارات الوطنية وكانت تشغل منصب نائب رئيس المخابرات المركزية "سي أي ايه" ويعد هذا المجلس مركزا لتنظيم التعاون بين أجهزة الأمن الأمريكية ونقطة اتصال بينها وبين الرئيس الأمريكي، كما تصب لدى رئيس مجلس الاستخبارات الوطنية مختلف التقارير الأمنية وعلى عاتق شاغل هذا المنصب ومعاونوه اقتراح البدائل والأفكار المتعلقة بأمن الولايات المتحدة الوطني ومصالحها الخارجية على الرئيس الأمريكي لاتخاذ ما يراه من قرارات على ضوء تلك التقديرات.

و من بين الوجوه الجديدة أيضا في طاقم الأمن القومى الأمريكي في إدارة بايدن السيدة ريما دودين وهي خبيرة قانونية أمريكية ومحامية من أصول فلسطينية ستتولى منصب نائب مدير الشئون التشريعية في البيت الأبيض، والسيدة دودين ستكون بذلك أول سيدة أمريكية عربية مسلمه تعمل في البيت الأبيض وهي تنتمى لعائلة تقطن منطقة الدورا قضاء الخليل بالضفة الغربية، عاشت في الأردن وانتقلت إلى واشنطن بحكم عمل والدها في الخارجية الأردنية، وأكملت دراساتها العليا في كلية القانون بجامعة كاليفورنيا عام 2002، وقد سبق لها العمل كمساعد باحث للسيناتور الديمقراطي مايك دولفين رئيس اللجنة التشريعية والقانونية في الكونجرس الأمريكي، كما أن لها نشاط متميز على صعيد مجلس العلاقات العامة لمسلمي أمريكا المعنى بالتعايش المشترك بين الجالية المسلمة في المجتمع الأمريكي.

ومن الوزراء السابقين في إدارة اوباما فضل بايدن اختيار وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيرى كمبعوث خاص للرئيس الأمريكي لشئون التغير المناخي وقضاياه وهو أيضا من أبناء مدرسة العمل الدبلوماسي، وليس دخيلا عليها ويصنفه منافسوه الجمهوريون لهذا السبب على أنه أحد أبناء " الدولة الأمريكية العميقة " واليه سيسند بايدن مهمة ترميم علاقات واشنطن مع المنظمات الدولية المعنية بالتغير المناخي.

ويرى المراقبون أن القاسم المشترك لترشيحات أسماء فريق الأمن القومى الأمريكي القادم هو انتماءاتهم الوظيفية السابقة جميعا لإدارة رئيس الولايات المتحدة الديمقراطي السابق باراك اوباما وما يعنيه ذلك من احتمالية انخراط الولايات المتحدة بصورة أكبر في المراحلة القادمة في قضايا العالم ومشاكله كبديل عن سياسة " الانسحاب من مشكلات العالم " التي سار عليها ترامب باستثناء تلك المشكلات التي تحقق المكسب المالي المباشر للاقتصاد الأمريكي مهما كانت كلفته البديلة.

وباستطلاع ما يتم تداوله في الصحافة ووسائل الإعلام الأمريكية. تعكس ترشيحات أسماء طاقم الأمن القومى الأمريكي الذي سيعاون بايدن في المرحلة القادمة صدق وفائه بما تعهد به للناخبين من العودة إلى نهج التنوع عند انتقاء طاقم إدارة الدولة بما يعكس ثراء المجتمع الأمريكي المتعدد الأعراق وهو بحسب المراقبين أهم ما يميز نهج الإدارة القادمة عن إدارة ترامب الحالية التي اعتبرتها قطاعات واسعه من الشعب الأمريكي " مجحفه بهم " لا سيما إذا كانوا من المهاجرين أو أصحاب البشرة السمراء في مواجهة العنصر الأبيض وهو ما عبرت عنه انتفاضة ذوي الأصول الإفريقية من الأمريكيين عقب مقتل أحدهم على يد شرطي أبيض في نيويورك واتساع نطاق غضبة الأمريكيين إلى الكثير من الولايات الأمريكية بصورة كادت أن تهدد وحدة الولايات الأمريكية.

ويتهم الديمقراطيون إدارة ترامب بانتهاج سياسات تمييزيه أثرت سلبا على صورة الولايات المتحدة دوليا كأرض للمهاجرين الحالمين بالمساواة الإنسانية بغض النظر عن أعراقهم، ولذلك ضربت سياسات ترامب في مقتل فكرة التعددية والتنوع التي طالما عاش عليها المجتمع الأمريكي وربما أعادت إلى الأذهان عقود التمييز العنصري.

و بحسب تقارير أمريكية بدا بوضوح أن بايدن في اختياراته لشاغلي المناصب القيادية في مجال السياسة الخارجية والأمن القومى يرسم خطا مغايرا عن النهج الذي سارت عليه إدارة ترامب لتحجيم من أطلق عليهم ترامب " الدولة العميقة " وهو النهج الذي ترتب عليه إسناد الأمر لغير أهله في كثير من مناصب الدولة الأمريكية وأطاح بكفاءات مهمة عديدة في مجال صنع السياسة الخارجية الأمريكية من أبناء المهنة الإصلاء الذين فضلوا ترك مناصبهم ليحل محلهم آخرون قادمون من عوالم مغايره كالتجارة والأعمال والشركات الكبرى وأصحاب الصفقات.

وبشكل عام سيقع العبء الأعظم في مهمة إعادة صياغه علاقات الولايات المتحدة مع العالم الخارجي ومنظماته الدولية وإعادة رسم صورة الولايات المتحدة دوليا على عاتق وزير الخارجية الجديد أنتوني بلينكن وهو دبلوماسي مخضرم قضى جانبا من حياته في فرنسا ودرس المحاماة كما عمل بالصحافة قبل التحاقه بالسلك الدبلوماسي الأمريكي ومعروف عنه التشبث بالقيم الأمريكية وبالتعددية في مجال العلاقات الدولية.

لذلك يتوقع المحللون الأمريكيون أن يقود بلينكين جهدا دبلوماسيا خارقا في السنوات القادمة لتطوير العلاقات الأمريكية مع العالم الخارجي وذلك ما إذا تمت الموافقة على تعيينه في هذا المنصب من الكونجرس الأمريكي، كذلك اكتسب بلينكين بحكم عمله كنائب لوزير الخارجية السابق القادم من عالم البترول ريكس تيليرسون ثم كنائب لوزير الخارجية الحالي القادم من عالم الاستخبارات مايك بومبيو دراية واسعه بما يتعين عليه عمله سريعا على صعيد علاقة الولايات المتحدة مع العالم الخارجي دونما إضاعة للوقت في دراسه ملفات السياسة الخارجية الأمريكية في حالة إسناد هذا المنصب لوجوه جديدة قادمة من خارجها.

ويقول المراقبون أن تطوير عمل وزارة الخارجية الأمريكية سيكون على رأس أولويات الإدارة الأمريكية الجديدة بعد سنوات من تقليص موازنتها بنسبة بلغت 30 في المائة إبان إدارة ترامب مما دفع كثير من قادة العمل المخضرمين فيها إلى ترك وظائفهم، وفي هذا الصدد يؤكد أنتوني بلينكين المرشح لمنصب وزير الخارجية في إدارة بايدن وخريج مدرسة القانون في جامعة هارفارد الأمريكية أنه من مؤيدي الاستثمار في العمل الدبلوماسي والانخراط الدولي للولايات المتحدة تعزيزا لمكانتها العالمية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved