كان 2019 - «حدث في هوليوود» شغف ترانتينو الكبير.. ورسالة حب إلى زمن الستينيات

آخر تحديث: الإثنين 27 يناير 2020 - 3:06 م بتوقيت القاهرة

رسالة كان ــ خالد محمود:

"الشروق" تعيد نشر هذه الرسالة، وسبق ونُشرت لأول مرة في تغطية مهرجان كان السينمائي في دورته 72 في مايو 2019

 

• جمهور «كان» يصفق له 6 دقائق وطوابير العشاق تصطف لمشاهدته قبل العرض بساعة
• أداء ساحر لدى كابريو وبراد بيت.. وصورة مفعمة بالحيوية تلتقط نبض الرحلة بين الحياة والسينما رغم مشهد النهاية المثير
• المخرج يعترف: العمل كان فى الأصل رواية.. وأردت أن أعمل نسختى من «روما»

«عندما يسألنى البعض هل تعلمت السينما فى الجامعة؟ كنت أجيبهم كلا.. بل كنت أذهب إلى السينما».. من تلك الكلمات أدركت كيف ولد الشغف الكبير لدى المخرج كوينتين تارانتينو، وأنه لولا هذا الشغف والعشق للسينما لما كان يقدم هذا الرجل عددا من التحف السينمائية التى توجته كأحد أبرز صناع السينما المدهشة فى العالم، فقد ترك المدرسة مبكرا ليتعلم أصول المهنة فى الواقع بالتحاقه فى متجر للأفلام.. عاش معها وتشبع بها، وأراد أن ننهل منه كل الخيال وكل المتعة التى توهجت لاحقا عندما وقف خلف الكاميرا على مدى ربع قرن، وكان منهجه «يكفى أن تخوضوا هذا المجال بشغف لتصنعوا فيلما جيدا».

ترانتينو «56 عاما» يعود هذا العام إلى مهرجان كان السينمائى بعد ربع قرن على فوزه بالسعفة الذهبية عن فيلم «بالب فيكشن»؛ حيث عرض فيلمه التاسع «حدث ذات مرة فى هوليوود» المشارك بالمسابقة الرسمية، وسط ترحيب وإعجاب جماهيرى ونقدى كبير، وطابور طويل من الصحفيين اصطف قبل العرض بساعة، وتصفيق استمر نحو ٦ دقائق، وهو الفيلم الذى يعد بمثابة انقلاب فى رحلة ترانتينو ورحلة أبطاله الأساسيين أيضا «براد بيت وليوناردو دى كابريو، بالإضافة إلى آل باتشينو ومارجوت روبى وداكوتا فانينج وتيم روث وجيمس مارسدن وتيموثى أوليفانت فى أدوار داعمة، العمل بحق ممتع وساحر فى رؤيته ومفرداته وحدثه وزمنه وحنينه إلى الماضى؛ حيث يقف عند لحظة تاريخية بهوليوود، كرسالة حب من تارانتينو إلى الستينيات من القرن الماضى، وإن كان لا يحمل نفس قدر أفلامه الأخرى من حيث العمق الفكرى والقضية، لكنه توليفة مشوقة وممتعة، وواحد من أعظم ما قدم مخرجنا.

«حدث فى هوليوود» تدور أحداثه عام 1969؛ حيث نتتبع حياة ورحلة ريك دالاتون «دى كابريو» ممثل تليفزيونى خفتت سنوات نجوميته، يحاول استعادة بريقه بمساعدة صديقه الدوبلير كليف بوث «براد بيت» الذى يساعده فى المشاهد الخطرة، ويسعيان لتحقيق شىء من الشهرة والنجاح فى عالم صناعة السينما خلال عصرها الذهبى بلوس أنجلوس، وذلك الخط الدرامى يسير بالتزامن مع بدء نشاط القاتل الشهير تشارلز مانسون، والذى كان فى الرمق الأخير من العمل وفق سيناريو تارانتينو المشوق الذى وصل إلى ذروته بنهاية مشهد محاولة قتل براد بيت، وخروج طلقات رصاص، وهى روح نلمسها فى أفلام تارانتينو، إذ يثيرنا غالبا بعنصر المفاجأة والخدعة الذى ينشده على طريقة الويسترن المثيرة والخيالية وتقودنا إلى النهاية «المذهلة والاستفزازية والعنيفة»، والتى ربما تنقسم حولها الآراء، ولكنه يلمح إلى تلك النهاية لأنها التسلسل الأكثر إثارة فى فيلم تارانتين، لكنها فى كل الأحوال تحمل تشويقا لا يمكن إنكاره، بينما جاءت طريقة السرد لتداخل مشاهد العمل بين أحداث حقيقية ولقطات من أفلام قديمة، كرحلة وعى للذهاب والإياب بين السينما والحياة وبين خطاب ترانتينو الحنينى إلى عصر ذهبى على مدى 165 دقيقة لا تشعر بمرورها.

تراشق حوارات الفيلم الغزيرة والشيقة بين شخصياته تسير بسلاسة لا تخلو طوال الوقت من روح الدعابة والطرافة والمرح وهى ذكية للغاية ولماحة، أجواء تشع طوال الوقت إلهاما وسخرية، صورة مفعمة بالألوان والحيوية من قبل المصور السينمائى روبى ريتشاردسون، تلتقط نبض الحياة لشخصياتها، وخاصة الثنائى دى كابريو وبراد بيت؛ حيث نراهما يعانيان من واقع جديد وتغيير فى الساحة السينمائية، ويقاومان من أجل مسايرة العصر والبقاء فى الأجواء، فدالتون الذى عرف بمسلسلاته التليفزيونية يريد أن يثبت وجوده فى السينما، ولم يجد سوى أفلام الويسترن، ونرى المخرج يصور مغامرات بطلينا بالحياة والسينما لفترة تسكن بطفولته، ومع ظهور شخصيات أخرى مثل شارون تيت «مارجوت روبى، زوجة المخرج رومان بولانسكى، وهى فى الحقيقة الممثلة التى قتلتها جماعة المجرم مانسون عام 1969، والتى ظهرت فى مشاهد بديعة.

المشهد البصرى لأداء دى كابريو وبراد بيت كان ساحرا وله مزاجه الخاص؛ حيث قدم دى كابريو تعبيرات ولمحات مدهشة باعتباره ممثلا محبطا يسعى للمجد من جديد، وكذلك نمط أداء بأستاذية لبراد بيت من حيث تعبير الحركات والصوت، ويشعر بسعادة غامرة للاعتراف بأن وظيفته الحقيقية هى مجرد قيادة ريك حولها؛ وحضور طاغى لآل باتشينو باعتباره وكيل شخصيات دى كابريو، وكذلك مارجوت روبى.
ويكون الأكثر إثارة للاهتمام هو حقيقة أن تارانتينو يعترف بأن «ذات مرة فى هوليوود» بدأت باعتبارها رواية محتملة يكتبها ومع ذلك، على مر السنين، تحولت القصة والفكرة إلى عملها فيلم وأصبحت أكثر وضوحا، وقال «لفترة طويلة، لم أكن أرغب فى قبولها كفيلم ثم فعلت».

وعلى ما يبدو أصبح «ذات مرة فى هوليوود» هو الفيلم الأكثر ذاتية فى فيلم غرافيا تارانتينو، والذى قال «أفكر فى الأمر مثل قطعة من ذاكرتى، فألفونسو كوارون كان له «روما» ورصد ذكرياته وشهادته بمكسيكو سيتى عام 1970.

وبالنسبة لى فسنة 1969، هى التى شكلت وعيى وكنت فى السادسة من عمرى وأصبح الآن عالمى.

قد يكون الفيلم ليس الأكثر عمقا، لكنه الأكثر ثراء وشغفا فى حياة ترانتينو، ودعونا نحتفل بهذا الفيلم، ولكن دعونا أكثر نحتفل بالمخرجين الذين ما زالوا متمسكين بمهارة صناعة الأفلام، ودعونا نأمل أن يظل هذا النوع من صناعة الأفلام فى تلك المرحلة فهناك بعض العصور المظلمة القادمة بشأن حرمان جمهور دور العرض من مشاهدة أعمال عظيمة بفضل شبكة مثل نت فليكس وأخواتها القادمة، مثلما ألمح النجم براد بيت والذى قال إن لديه أيضا أفكارا حول مستقبل الصناعة، وهو قلق حول مسألة حضور. الجماهير أكثر من تراجع الاستوديوهات، وأشار بيت: «سمعت من الأجيال الجديدة أنهم أصبحوا معتادون على قفزة أقصر وأسرع وكبيرة خلال المشاهدة، وخدمات البث الجديدة تعمل بهذه الطريقة، حيث يمكنك التنقل بين الأحداث وقتما تشاء.

وتابع: «ما أحببته دائما فى الذهاب إلى السينما هو ترك شىء يتكشف ببطء، دون التلاعب فى تلك القصة خلال مشاهدتها، أشعر بالفضول لمعرفة ما إذا كان هذا الشكل الكامل من مشاهدة الأفلام باقى مع الأجيال الشابة، لا أعتقد ذلك تماما».

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved