في ذكرى رحيل ثروت عكاشة.. رجال في ذاكرة الصِبا أثروا فيه وشكلوا فكره

آخر تحديث: الخميس 27 فبراير 2020 - 4:48 م بتوقيت القاهرة

الشيماء أحمد فاروق

في مثل هذا اليوم 27 فبراير، رحل أحد أعمدة الثقافة المصرية الدكتور ثروت عكاشة عام 2012، الذي التحق بالكلية الحربية ثم درس الصحافة في كلية الآداب وتدرج في الوظائف الصحفية والدبلوماسية، وأصبح وزيرًا للثقافة مرتين في الستينيات والسبعينيات، ورئيسا للمجلس الأعلى للآداب والفنون.

ترك ثروت عكاشة عددًا كبيرًا من المؤلفات عن الفنون وعصورها المختلفة ومنها "القيم الجمالية في العمارة الإسلامية" و"تاريخ الفن الروماني" و"الفن الإغريقي بين الأسطورة والإبداع" و"فنون العصور الوسطى" و"إنسان العصر يتوج رمسيس" وغيرها من المؤلفات في الموسيقى والفن التشكيلي.

وفي ذكرى رحيله الثامنة، نتذكر صفحات من حياة الراحل ثروت عكاشة، التي تركها للتاريخ وللأجيال القادمة، وهي بعنوان "مذكراتي في السياسة والثقافة"، وقد عايش ثروت عكاشة حقبة شائكة في مصر وهي الفترة التي تلت ثورة 23 يوليو 1952، واختلط بأغلب ما فيها من حوادث وتفاعلات، وكان رجلا من رجال دولة يوليو.

ويقول عكاشة في مقدمة كتابه: "أنا هنا لا أؤرخ للثورة بل أذكر ما كان مني مشاركة أو ما جرى تحت سمعي وبصري فإن ثمة أحداثا كثيرة قد لا يلاحظ القارئ إشارة إليها ولا إفصاحا عنها وذلك لأنها لم تكن مما شهدت"، لا يؤرخ عكاشة في الكتاب لثورة يوليو فقط ولكنه أراد التأكيد على أنه سيروي ما رأى ولا يخوض في أي شيء آخر، وهو ما مدحه عليه الكاتب صلاح حافظ في مقدمة الطبعة الثانية من الكتاب.

أسماء في ذاكرة الصبا

نركز في تلك السطور على الحياة الأولى للراحل ثروت عكاشة وأسماء ذكرها في مرحلة صباه من الطفولة وحتى السلاح الأول الذي عمل داخله في الجيش، وقد اهتم الكاتب في التركيز على حبه للقراءة منذ الصغر وأنها جعلته يتوحد وينعزل مع نفسه كثيرا وأنها كانت عالمه لفترات طويلة لا يخرج منها.

الأب وحب القراءة

ويقول عنه عكاشة: "منذ سنوات سني الأولى كان أبي هو مناط حبي وإعجابي وكان أشوق ما يصبو إليه أن يراني رجلا من رجال القانون، من أجل هذا مال بي إلى كلية الحقوق ولم تكن بي رغبة إلى تلك الدراسة ولم تكن الشهور الستة التي قضيتها بتلك الكلية كفيلة بأن تجذبني إليها، غير أنه لم يكن بعيدا عن ناظري أيضا ما كان عليه جدي وأبي فلقد كان كل منهما عسكريا لهذا نزعت نفسي ودون علم أبي ألتحق بالكلية الحربية".

ويحكي عن صباه ويقول: "لقد كنت في صباي شديد الميل إلى القراءة رعي في هذا الميل أبي فلقد كان هو الآخر قارئا وكان يحب أن ينشأ ابنه على ميوله نفسها، كان يشجعني على القراءة ويجزيني عليها كلما رآني حافظا لما قرأت، وكان شغوفا بمؤلفات طه حسين وخاصة كتاب على هامش السيرة وأحب لي أن أقرأه، ويجازيني عن كل فصل أحفظه من هذا الكتاب جزاءً ماديا، وقد شجعني هذا التحفيز إلى أن أحدو حدو أبي فأكون صاحب مكتبة على غراره، فأخذت أجمع من مصروفي ما عن لي من كتب، وساهم أبي في تزويد مكتبتي الناشئة بالكتب".

رجال في الجيش

ويصف بداية انتقاله إلى حياة الجيش ويقول: "كانت تجربتي في الانتقال من حياة مدنية إلى حياة عسكرية صارمة تفيض بالمشاق، كانت ولا شك تجربة حافلة بالدروس البناءة في تنشئة الشخصية العسكرية من اعتماد على النفس واحترام للقوانين وطاعة للرؤساء ومنافسة شريفة".

ويذكر بإجلال وتقدير في سطوره التالية من علقوا في ذهنه من قادته في الدراسة، ويقول: "حتى أني ما أزال أذكر بتقدير كبير اللواء عمر الطنطاوي رحمه الله الذي تخرج على يديه جيل بعد جيل أعتقد أن رجالا منهم مازالو مشاركين في الحياة العامة متأثرين بما فيهم من قيم رفيعة وتغليب للنفع العام، ولقد كنا جميعا نهاب فيه صرامته وشدته محبين له مطيعين لأوامره إذا كنا نحس أن وراء هذه القسوة حرصا على تنشئتنا تنشئة سوية صلبة لا تلين".

وأكمل: "كما لا أنسى اللواء محمد كامل الرحماني قائد السرية التي كنت أنتمي إليها والذي كانت له مثاليته خلقا وعلما ونزاهة، وكانت له الكثير من الوقفات في الدفاع عن الشرف العسكري".

ثم ينتقل للحديث عن رجل آخر من الأسماء البارزة في الجيش المصري وهو الشهيد أحمد عبدالعزيز، الذي استشهد في حرب فلسطين عام 1948، وقال: "في أعماقي تحيا دائما ذكرى البطل أحمد عبدالعزيز الذي كان يدرس لنا مادة التاريخ العسكري، فقد كنا نترقب محاضرته متلهفين لما كنا نفوز به من خلالها من معلومات شائقة وخلاصاتها المفيدة ونصغي إليها مبهورين، وكم كانت له من لمحات في خلايا حديثه تؤجج فينا العزيمة وتحفزنا على التضحية والفداء، وكان يبدوا لنا في قاعة المحاضرات غيره في ساحة التدريب، ففي حين كان في الأولى لينا رقيقا كان في الثانية حازما شديد الصرامة فما كان يغفر لمخطئ خطأه، ورأيت فيه دوما التزاما بالرأي الذي يدين به فلا يحيد عنه مهما كلفه ذلك من صعاب وتضحيات حتى بات قدوتي العسكرية التي أتمثلها".

لم يكن الشهيد أحمد عبدالعزيز فقط من المؤثرين فيه، ولكنه التقى بعد تخرجه وفق ما يروي في السلاح الذي عمل فيه بصديق جديد وصفه بأنه شريف ومجاهد عاش ومات محبا للوطن، ورحل هو أيضا في معركة من معارك فلسطين عام 1948، وعن سبب وفاته يقول: "كان ذلك حين رأى زميلا له هو كمال بشارة ميخائيل سقط جريحا على الأسلاك الشائكة التي تفصل بيننا وبين إحدى المستعمرات الصهيونية وعز عليه أن يترك زميله مطرحا كذلك، وإذا هو ينطلق نحوه في جرأة خارقة ويحمله على كتفه ويضعه فوق الحاملة المدرعة وما كاد يقفز إليه حتى أصيب برصاصات العدو فسقط شهيدا".

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved