فجر الإسلام (5)..كيف كانت العواصم الإسلامية مراكزا للعلم والفكر؟

آخر تحديث: الإثنين 27 مارس 2023 - 11:49 ص بتوقيت القاهرة

محمد حسين

قبل نحو 15 قرنا من الزمن، قاد النبي محمد -صل الله عليه وسلم- رسالة الإسلام من قلب شبه الجزيرة العربية، وبدأ بلاغه بالأقربين من أهله وأبناء قبيلته ومجتمعه، ثم كانت الهجرة للمدينة المنورة بمثابة توسع لرسالة الإسلام، وتأسيس دولته بمكونات فكرية وحضارية.

ومع تمدد الدولة الإسلامية، زاد التأثر والتفاعل مع الثقافات والحضارات الأخرى، ووثقت الكتابات والمراجع التاريخية الأحداث التي جرت في تلك الحقب، وتناولها المفكرين بالتحليل.

ومن بينهم كان الكاتب أحمد أمين حين أصدر كتابه "فجر الإسلام"، وأرّخ من خلاله فترة حيوية من التاريخ الإسلامي، حيث يتعقب فيها الحياة العقلية منذ صدر الإسلام حتى نهاية الدولة الأموية، ونتناول أجزاء منه في حلقات مسلسلة على مدار أيام الثلث الأول من شهر رمضان المبارك.

وإلى الحلقة الخامسة..

تناولنا بالحلقة السابقة، صفحة من التاريخ الإسلامي في مهده، تبيّن لنا من خلالها شغف المسلمين في صدر الإسلام بتطوير معارفهم وزيادتها، لذا كان السعي لتفسير القرآن الكريم وتحليل معانيه.

ونستكمل الحديث اليوم بملمح آخر من تطور الفكر، بزاوية على اتساع أكبر؛ حيث نستعرض المدن والعواصم الإسلامية القديمة وحركة تطور العلوم بها.

* الحجاز وعلم الحديث

يقول أحمد أمين بكتابه، إن الحديث مثلًا ونوعًا من التاريخ الإسلامي كان يكثر في الحجاز في ذلك العصر.

ويوضح سبب ذلك، أن الحجاز قطر فقير خلا من الأنهار، وكُسيت أرضه غالبًا بالصخور والرمال، واشتدت حرارته فلم تسمح للنبات أن ينمو إلا في وديان بُعثرت هنا وهناك، يعيش أكثر أهله عيشة بدوية، لم يتصلوا بالعالم الذي حولهم إلا بالقدر الذي أبنَّاه — من قبل — ولم تتعاقب عليهم مدنيات مختلفة تورثهم حضارة وعلمًا.

ويكمل: جاء الإسلام فكان لمدينتي الحجاز — أعني مكة والمدينة — شأن علمي كبير، ولكنه العلم الديني المطبوع بالطبع العربي؛ فأما مكة فلأنها كانت منبع الإسلام وبها كانت نشأة محمد، وبها كانت الأحداث الأولى من دعوة قريش إلى الإسلام ومناهضتهم الدعوة، وبها كان التشريع المكي، وهو لا يُفهم فهمًا حقًّا حتى يُفهم ما كان يحيط به من ظروف مكية.

* العراق

أما عن المذاهب الدينية نبع أكثرها في العراق، وأن النحو نبع في البصرة، فلا تظن أن ذلك كان مجرد اتفاق، بل الواقع أن هناك أسبابًا اجتماعية أنتجت ذلك؛ فالعراق هو الجزء الجنوبي من وادي دجلة، تعاقبت عليه الأمم المتحضرة من نحو ثلاثين قرنًا قبل الميلاد؛ فالبابليون والآشوريون والكلدانيون والفرس واليونان، كل هؤلاء أنشئوا في العراق ممالك تختلف صبغتها، وكانت مدنيتهم منارًا يلقي أشعته على ما حوله من البلدان.

*دمشق الفن والآداب

كانت دمشق مركز الخلافة في عهد الدولة الأموية، فكان طبيعيًّا أن يقصدها العلماء من كل صقع، ولكن خلفاء بني أمية لم يشجعوا الحركة العلمية — لما بينا قبل — إنما شجعوا الشعر والخَطابة وفنون الأدب، فكانت الحركات العلمية الأخرى تنمو من نفسها، وأهم هذه الحركات الحركة الدينية، وكان الباعث على نموها الحماسة الدينية، وحاجة الناس إلى معرفة الحلال والحرام، وخاصة فيما يُعرض من الحوادث التي لم تكن تُعرض في صدر الإسلام.

اقرأ أيضا: فجر الإسلام (4).. كيف بدأت تجارب تفسير القرآن؟

غدا نلتقي بحلقة جديدة..

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved