ما مصير المقاتلين الأجانب في صفوف الجيش السوري؟

آخر تحديث: الأحد 27 أبريل 2025 - 7:49 ص بتوقيت القاهرة

رغم إعلان دمشق الصريح استعدادها لتلبية كل الشروط الأمريكية ومقايضة ذلك بتخفيف جزئي للعقوبات، إلا أن تحفظها وإن كان خجولا على التعاطي مع ملف المقاتلين الأجانب قد يجرها لعواقب كبيرة.

وهذه العواقب قد لا يكون أقلها امتناع واشنطن عن الإعتراف بشرعية حكومة دمشق و التشدد في فتح الآفاق أمامها لتأخذ تموضعا إقليميا تبدو بأمسّ الحاجة إليه في الفترة العصيبة التي تعيشها والتي تطبع البلاد بطابع شح الموارد وامتناع الحلفاء عن تقديم المساعدة التي وعدوا بها على كافة المستويات خوفا من الغضب الأمريكي، الذي قد تهدأ ثورته بمبادرة حكومة الشرع إلى التماهي المطلق مع طلبات واشنطن وخصوصا في ملف المقاتلين المتشددين الأجانب.

وهي وإن أبدت الكثير من المرونة تجاه جل هذه الطلبات فإن ملف المقاتلين الاجانب يبدو الأكثر حساسية وقلقا بالنسبة لحكومة رئيس المرحلة الإنتقالية أحمد الشرع لاعتبارات عديدة ترتبط بدور هؤلاء الأجانب في وصول السلطة الحالية إلى الحكم وقدرتهم على المشاغبة عليها إذا ما خشيوا منها تبدلا في المواقف تجاههم  فضلا عن الخوف من تمدد الحالة الجهادية إلى دول الجوار وبالأخص إسرائيل التي يبدو أن الشرع لم ينجح حتى اللحظة في تهدئة مخاوفها التي عادة ما تبرر مطامعها  سيما وأن الفكر الجهادي عابر للحدود ولن يستسيغ إلقاء السلاح في دمشق الفيحاء مهما تفيأ  أصحابه في ظلال غوطتها وتنسموا من عبير ياسمينها. 

مناورة محسوبة العواقب:
يرى الباحث في الجماعات الإسلامية عمر الكيلاني أن حكومة الرئيس الإنتقالي أحمد الشرع تحتاج إلى المزيد من الوقت لمعالجة ملف المقاتلين الأجانب المنضوين حاليا في صفوف الجيش السوري وأن التعامل مع هذا الملف الحساس يقتضي الكثير من الحكمة والتروي حتى لا ينتقض الوضع الداخلي على الحكومة بالتوازي مع مساعيها الحثيثة لطمأنة الخارج بأن هؤلاء لن يشكلوا أي خطر على المحيط الإقليمي والمجتمع الدولي.

وفي حديثه لروسيا اليوم، أكد الكيلاني أن الرئيس أحمد الشرع ألزم نفسه أخلاقيا بالتعاطي الإيجابي مع هؤلاء حين قال في تصريحات سابقة بأنهم يستحقون المكافأة نتيجة لجهودهم في إسقاط حكم الأسد، ومبررا الإعتماد عليهم بسبب من جرائم هذا الأخير وملمحا في الوقت نفسه إلى أن جوهر هذه المكافأة يتمثل في منحهم الجنسية السورية بعد أن تبوأ عدد منهم مناصب قيادية عليا في سوريا بالاضافة الى تعيين خمسين قياديا آخرين في إدارة العمليات العسكرية.

وأضاف، بأن كل ما تقدم لا يعني على الإطلاق بأن حكومة الرئيس الشرع لا تعي حساسية هذا الملف بالنسبة إلى واشنطن والدول الغربية، لكنها، وفي ردها على مطالب واشنطن أرادت كسب المزيد من الوقت من أجل إخراجه بالصورة التي ترضي الغرب وتحفظ التوازن الداخلي الذي لا يزال هشا ضمن مفاصل الحكم السوري الجديد، مشيرا إلى أن خطة دمشق في هذا الشأن تقول:  امنحوني الوقت وسترون كيف أخفف من شدة هواجسكم.

وشدد المختص في الجماعات الإسلامية على أن نسبة الأجانب في صفوف الجيش السوري الجديد تصل إلى 30%، وهو رقم كبير، يجعل هؤلاء قادرين على خلط الأوراق، إذا ما شعروا بأن هناك رغبة خارجية في تصفيتهم، تتلاقى مع تواطؤ داخلي في مكان ما فيتحدون في مواجهته على نحو غير مسبوق.

ورجّح الكيلاني، أن تنحو سياسة الحكومة السورية الحالية مع المقاتلين الأجانب في حال اقتنع الغرب بذلك باتجاه السيناريو البوسني، القائم على الدمج والتوطين في المجتمع السوري، بحيث يصبحون مواطنين عاديين لديهم حقوق وواجبات، شأنهم في ذلك شأن بقية السوريين الذين اعتادوا تاريخيا على استقبال الكثير من الأجانب واحتوائهم ضمن مجتمعهم على أساس من القوة الناعمة التي يملكها هذا المجتمع، شرط عدم قيامهم بممارسة أي نشاط يمكن أن يهدد علاقة سوريا بدول الجوار وعدم فرض رؤيتهم الدينية والمجتمعية الضيقة على السوريين المعروفين بأنهم شعب متحرر ومنفتح ويملكون مجتمعا مدنيا نشيطا. كما أن الحكومة السورية ستراقب التزامهم بالنظام والقانون وعدم تشكيل عصب داخل المجتمع.

ولفت المختص في الجماعات الإسلامية إلى أن تحفّظ الغرب المتوقع على خطوة كهذه قد يدفع الحكومة السورية إلى البحث عن سيناريو بديل بحيث يبدو السيناريو الأفغاني مرشحا بقوة وهو يقضي بعودة كل فرد من هؤلاء المقاتلين الأجانب إلى بلده بعد التنسيق مع حكومة هذا البلد التي ستعمل على إعادة استيعابهم وتأهيلهم في المجتمع في حال وجود برامج تأهيل لهم في مجتمعاتهم الأصلية لكن المشكلة كما يقول الكيلاني تتمثل في أن قسما كبيرا من هؤلاء ينحدرون من دول غير ديمقراطية تنتمي إلى العالم الثالث وتفضل معالجة قضايا كهذه بأسلوب أمني ينتمي إلى عالم السجون والمعتقلات وهو ما سيشكل مشكلة كبيرة بالنسبة لحكومة دمشق التي ستظهر وكأنها قد تركت هؤلاء لمصيرهم الأمر الذي سيدفع باتجاه تبني السيناريو الثالث بحيث يتم منح اللجوء السياسي لهؤلاء في دولة قد يكون لها مصلحة ما إيجاد قاعدة بيانات عن الجهاديين الرافضين للعودة إلى بلدانهم نتيجة مخاوفهم الأمنية شرط ألا يقدم هؤلاء على ممارسة أي نشاط يخل بأمن هذه الدولة. 

وشدد الكيلاني، على أن عدم إمكانية تطبيق أحد من هذه السيناريوهات الثلاث، قد يدفع حكومة دمشق إلى تبني السيناريو العراقي الرابع، بحيث تغض الطرف عن إنتقال هؤلاء إلى ساحة جهادية آخرى  يمارسون فيها نشاطهم المستند إلى عقيدة راسخة لا تعترف بالحدود، مشيرا إلى أن سيناريو كهذا قد يسمح بتخفيف الضغط عن حكومة دمشق ويحررها من أعباء العلاقة مع هؤلاء الجهاديين سيما إن كانت ساحة الجهاد الجديدة منزوية عن أمن ومصالح واشنطن وتل أبيب.

وختم الكيلاني حديثه لموقعنا بالاشارة إلى أن هذه السيناريوهات قد تتحقق مجتمعة، وقد يتحقق كل منها على حدة تبعا للظروف المحيطة والقادمة ولنوعية المقاتلين الأجانب واختلاف خلفياتهم وجنسياتهم، حيث ستبسط الحكومة السورية هذه المسائل للنقاش بهدف طمأنة الغرب إلى نواياها مع ترجيح الوصول إلى تسوية ما في هذا الشأن.

ثمة سيناريو خامس:
من جانبه يرى المحلل السياسي السوري أنور خليل أن ملف المقاتلين الأجانب في سوريا أعقد من أن تحله عملية توطين داخل المجتمع السوري نتيجة لإرثهم الجهادي البعيد عن حالة التسامح التي يكتنفها المجتمع السوري ورفض واشنطن وتل أبيب لأنصاف الحلول في معالجة مشكلتهم .

وفي حديثه لروسيا اليوم، أشار خليل إلى أبرز الجنسيات التي ينتمي إليها هؤلاء وهي "الأيغور" الصينيون الذين يقدر عددهم بالآلاف وهم في معظمهم ينتمون إلى هيئة تحرير الشام و"الشيشان" الذين يتمتعون بخبرات قتالية كبيرة والعرب الذين ينحدرون من دول الخليج والأردن ومصر وشمالي إفريقيا والأوروبيين من فرنسا وبريطانيا وألمانيا وعدد هؤلاء قليل لأن قسما منهم عاد إلى بلده كما يوجد مقاتلون من اوزباكستان وطاجيكستان وتركيا والبانيا وعدد من الدول الأخرى.

وأضاف بأن قرار دمشق بتعليق إصدار الرتب العسكرية عقب قرارها السابق بترقية ستة أفراد في قيادة القوات المسلحة بينهم إيغور وتركي وأردني يراد منه الإشارة إلى أن كل شيء قابل للنقاش قبل أي تصعيد محتمل في وجهها، في الوقت الذي كانت دمشق وفق خليل، قد استعجلت هذه الخطوة حتى تصبح أمرا واقعا يصعب ثنيها عنه، لافتا إلى أن طلب واشنطن من الحكومة السورية الموافقة على السماح للطيران الغربي باستهداف متطرفين في سوريا هو من باب العلم بالشيء ليس أكثر لأن الإعتراض السوري لن يغير من المعادلة في شيء حيث قام سلاح الجو التابع للتحالف الدولي لمكافحة الإرهاب الذي تقوده واشنطن في سوريا خلال المدة الماضية باستهداف جهاديين في إدلب من دون أن يشاور أحدا في ذلك.

وشدد المحلل السياسي على أن حكومة الشرع تعلم أن مجازها لنيل الرضا الأمريكي يمر عبر بوابة إسرائيل وهذا ما دفع الرئيس أحمد الشرع لإظهار نية أولية في الإنضمام إلى الاتفاقيات الإبراهيمية، مشيرا إلى أنه وعبر هذه البوابة نفسها يمكن أن تحل مشكلة الجهاديين الأجانب أي على النحو الذي ستقرره إسرائيل في نهاية المطاف.

وختم خليل حديثه لموقعنا بالإشارة إلى أن سيناريو استهداف المقاتلين الأجانب في سوريا مرشح لأن يكون حاضرا بقوة بصرف النظر عن طلب دمشق من الأمريكيين فتح حوار في هذا الشأن ولعله وفق خليل يكون بطلب سري من القيادة السورية التي قد تجد في قيام طيران التحالف الغربي باستهداف هؤلاء الفرصة المواتية لها من أجل التخلص منهم ومن تبعات حضورهم في الساحة السورية على العلاقة المتوخاة مع الغرب مشيرا إلى أن هذا السيناريو قد يوكل للتحالف الغربي أو إلى إسرائيل آلتي كانت قد استهدفت هؤلاء غير مرة خلال الأشهر القليلة التي تلت سقوط نظام بشار الأسد.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved