تاريخ الطعام (22) رحلة الكنافة.. من «سد جوع» الأمراء إلى زينة رمضان و«التقاليع» الجديدة

آخر تحديث: الإثنين 27 مايو 2019 - 1:59 م بتوقيت القاهرة

حسام شورى:

عندما يوضع أمامك طبق من الطعام الشهي الذي تفضله وتبدأ في التهامه، هل فكرت أن وراء هذا الطبق حكاية طويلة تضرب بجذورها أحيانا عبر آلاف السنين؟ فوراء كل نوع طعام يتناوله الإنسان الآن في مصر والعالم قصة لا تقتصر على تطور أدوات وأساليب الصيد والقنص والطهي، بل يتأثر في محطات عديدة بالتاريخ السياسي والاجتماعي والديني للشعوب.

وفي هذه السلسلة «تاريخ الطعام» الممتدة طوال شهر رمضان المبارك، تستعرض «الشروق» معكم حكايات أنواع مختلفة من الأطعمة المحلية والإقليمية والعالمية، وتنشر الحلقة يوميا الساعة 12 ظهرا بتوقيت القاهرة.

«الكنافة».. إن لم تأكلها في يوم من أيام باقي السنة فبالتأكيد ستأكلها في شهر رمضان، فهي اشتهرت فيه وارتبطت به على مدار السنوات، حتى أصبحت أفران الكنافة -ذات البنيان أبيض اللون الموضوع عليه «طاسة» يسكب عليها «الكنفاني» عجين الكنافة- تبنى مخصوص في هذا الشهر.

• أصل الكنافة:

لأصلها عدة روايات جميعها ترتبط بشهر رمضان الكريم، وتقول أشهر رواية عن تاريخ الكنافة إن صانعي الحلويات في الشام هم من اخترعوها وابتكروها وقدموها خصيصًا إلى الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان، كطعام يأكله في رمضان حتى تمنع عنه الإحساس بالجوع بالنهار، إذ كان معاوية يحب الطعام ويجد مشقة كبيرة في الصيام، فشكا إلى طبيبه أن يجد له حلًا لهذا الأمر، فوصف له الطبيب الكنافة باعتبارها طعاما خفيفا ذي سعرات حرارية عالية تمنحه الطاقة طوال اليوم وتجعله لا يشعر بالجوع، وقيل بعدها إن معاوية بن أبي سفيان أول من صنع الكنافة من العرب، حتى أن اسمها ارتبط به وأصبحت تعرف بـ«كنافة معاوية».

وهناك رواية أخرى عن أصل الكنافة تعود للخليفة الأموي سليمان بن عبدالملك، أشبه بالرواية الأولى، وترجع أن سبب عمل هذه الحلوى للخليفة كانت لنفس السبب السابق في رواية معاوية، وتؤكد هذه الرواية أن سليمان بن عبدالملك هو من سماها كنافة إذ اشتق مسماها من كلمة «كنف» أي رعاية الخليفة.

وقيل إن الكنافة أصلها تركي، وإن كلمة كنافة هي كلمة شركسية وهي «تشنافة» بحيث تم استبدال حرفي (ت – ش ) بحرف (ك) وكلمة تشنافة تتكون من كلمتين في اللغة الشركسية (تشنا) ومعناها البلبل و(فه) والذي يقود البلبل وهو الخيط، بحيث عندما نلف الخيط على البلبل تصبح الخيوط وكأنها فوق بعض (أي مثل الكنافة المبرومة في دوائر صغيرة جدا وتكبر حتى تملأ الصينية تماما مثل خيط البلبل دائرة صغيرة من الأسفل وحتى تكبر الدائرة على آخر حد لقمة البلبل).

إلا أن الشعر العربي المذكور فيه الكنافة يؤكد أن أصلها عربي، فيقول الشاعر المصري ابن رفاعة نائب الأمير ناصر الدولة:
وافي الصيام فوافتنا كنافته .. كما تسنمت الكثبان من كثب

ويقول الشاعر سعد بن العربي وقد تأتى له ذلك:
وقطائف مقرونة بكنافة .. من فوقهن السكر المدرور
هاتيك تطربني بنظم رائق .. ويروقني من هذه المنشور

كما يقول الشاعر أبا الحسن يحيى الجزار الذي كان محبا للكنافة:
ومالي أرى وجه الكنافة مغضبا .. ولولا رضاها لم أرد رمضانها

ثم قال داعيا:
سقى الله أكناف الكنافة بالقطر .. وجاد عليها سكرا دائم الدرِّ

كما قيل إن تاريخ الكنافة يرجع إلى الفاطميين، إذ أعدها المصريون لاستقبال الخليفة المعز لدين الله الفاطمي في أثناء دخوله القاهرة، وكان وقتها شهر رمضان، فخرج الأهالي لاستقباله بعد الإفطار وهم يتسارعون في تقديم الهدايا له ومن بين ما قدموه كانت الكنافة على أنها مظهر من مظاهر التكريم، لذلك ارتبط صنعها بشهر رمضان، ثم إنها انتقلت بعد ذلك إلى بلاد الشام عن طريق التجار.

• الكنافة النابلسية:

برع أهل نابلس في صناعة الكنافة بالجبن حتى اشتهرت وعرفت فيما بعد بـ«الكنافة النابلسية»، إذ يعود تاريخها إلى عام 1850، عندما أتى مواطن سوري إلى فلسطين بهدف إنشاء محل للكنافة، في نابلس تحديدا، وكانت الكنافة في ذلك الوقت تُحشى بالمكسّرات واللوزيات.

وقد عرض على أحد أبناء مدينة نابلس أن يشاركه في المحل مقابل دعمه ماديا، وبعد مرور سنتين من تأسيس المحل ترك المواطن السوري نابلس وعاد إلى بلاده، لكن بقي المحل الذي عُرف حينها باسم «حلويات غرناطة».

وبسبب عدم توفر المكسّرات التي تُحشى بها الكنافة، استُبدلت بالجبنة النابلسية، وكانت أول مرة تُوضع الجبنة داخل الكنافة، وكان طعمها شهيا جدا، ولهذا فقد بدأ العديد من أبناء نابلس بالتوافد إلى المحل لتعلّم مهنة صناعة هذا النوع من الكنافة، وهكذا بدأ انتشار «الكنافة النابلسية» وبدأت شهرتها تنتشر في البلاد المجاورة حتى باتت تعرف بهذا الاسم.

• تطورات الكنافة:

غالبا ما كانت الكنافة تُحشى، سواء في الشام أو في مصر، بالمكسرات التقليدية والزبيب، وكان أهل الشام يحشونها بالقشطة، وأهل مكة المكرمة يحشونها جبنا بدون ملح، وكنافة الجبن المفضلة لديهم على باقي الأنواع، وأهل نابلس برعوا في كنافة الجبن حتى اشتهرت وعرفت بالكنافة النابلسية، كما ذكرنا.

وتبقى بلاد الشام هي الأشهر في صنع أشكال مختلفة للكنافة، فهناك المبرومة والبللورية والعثمالية والمفروكة والمدلوقة، إلا أن المصريين في السنوات الأخيرة تفننوا في طرق تقديمها وفي الإضافات التي تضاف لها، لتخرج لنا الكنافة بالمانجو، وبالنوتيلا، وبالريد فيلفت، وبالآيس كريم، وبالخروب، وبأسعار عالية وكأن الكنافة عادت لتكون أكلة «ملوكي» وليست مجرد أكلة شعبية أحبها المصريون وأقبلوا عليها.

وغدا حكاية طبق جديد..

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved