تربع على قائمة أمازون لأفضل الكتب مبيعا هذا الأسبوع.. أستاذ علم نفس بهارفارد يرصد معضلة المعرفة المشتركة في المال والسلطة والحياة اليومية
آخر تحديث: السبت 27 سبتمبر 2025 - 4:15 م بتوقيت القاهرة
منى غنيم
صدر لأستاذ علم النفس بجامعة هارفارد، ستيفن بينكر ، كتاب جديد بعنوان "حين يعرف الجميع أن الجميع يعرفون" رصد من خلاله طبيعة المعرفة المشتركة بين البشر؛ حيث قال إن الأمر لا يقتصر على أن يعرف الناس شيئًا بعينه، بل أن يدرك كل فرد أن الآخرين جميعًا يعرفونه أيضًا.
وضرب "بينكر" مثلاً بحكاية "ثياب الإمبراطور الجديدة"، وهي قصة للكاتب الدنماركي هانس كريستيان أندرسن، وجاء خلالها أن أحد الأباطرة المغرورين انخدع بخدعة الخياطين الذين أقنعوه أنهم خاطوا له ثوبًا لا يراه سوى الحكماء، بينما هو في الحقيقة عارٍ تمامًا، وحين سار الإمبراطور عاريًا أمام شعبه، كان كل فرد يدرك الحقيقة، لكنه في الوقت ذاته يظن أن الآخرين ربما يرون شيئًا مختلفًا عما يراه، وفي نهاية الأمر صرخ طفل ببراءة: "الإمبراطور عارٍ!"، وحينها فقط تحولت المعرفة الفردية إلى معرفة مشتركة علنية.
ومن هنا تتضح قوة هذا المفهوم، فلو تخيلنا نظامًا قمعيًا ما بدلاً من الإمبراطور، تصبح لحظة إدراك الجميع أن الجميع يعلم بفساد النظام نقطة تحول محتملة تؤدي إلى مقاومة جماعية، أو كما قال "بينكر": "حين ينهار سدالجهل المتبادل، يتعملق الاحتجاج العلني حتى ليشمل المنشقين الذين كانوا يخفون ولاءهم للسلطة".
ولكن أثر المعرفة المشتركة لا يقتصر على السياسة، بل اعتبرها المؤلف ركيزة أساسية لفهم العالم الاجتماعي، ولذلك قدم في الجزء الأول من كتابه عرضًا موسعًا للأبحاث التي تناولت المفهوم خلال العقود الخمسة الماضية في علم النفس والرياضيات والاقتصاد ونظرية الألعاب.
وانطلق المؤلف من أشهر تجارب نظرية الألعاب؛ ألا وهي معضلة السجين. إذ يواجه شريكان في الجريمة خيارات مختلفة بعد اعتقالهما: إن صمتا معًا فالعقوبة ستة أشهر فقط، وإن خان أحدهما الآخر خرج حرًا بينما يقضي الثاني عشرة أعوام، أما إذا وشى كل منهما بالآخر فستكون العقوبة ستة أعوام لكل واحد، وفي حين أن الخيانة تبدو الخيار الأمثل في تجربة واحدة، فإن تكرار اللعبة داخل مجتمع يتذكر أفراده سلوك بعضهم بعضًا، ويعرفون أن الآخرين يراقبونهم، يؤدي إلى بروز استراتيجيات مبهرة للتعاون واستبعاد الغشاشين.
واستعرض "بينكر" عبر صفحات الكتاب - الذي تربع على قائمة أمازون لأفضل الكتب مبيعًا فور صدوره هذا الأسبوع - سلسلة من الألعاب الفكرية والتجارب التي أجراها مع طلابه في جامعة هارفارد؛ مثل إلزام المشاركين بالغناء العلني لمقطع من أغنية «رولنج إن ذا ديب» للمغنية أديل، لتحليل الاستجابات العاطفية، كما اقترح أن التنسيق الاجتماعي أسهم في تطور إشارات غير لغوية كالاحمرار خجلًا والضحك والبكاء، فالاحمرار خجلًا مثلًا إشارة فسيولوجية أكثر صدقًا من الاعتذار اللفظي.
وتميز الكتاب بترتيب مادته وتوضيح أفكاره، وناقش المؤلف مسألة التبرع العلني مقابل التبرع المجهول، مشيرًا إلى التبرع المجهول قد يجعل الشخص يبدو "أكثر إحسانًا وعطفًا" برغم أن المتبرع العلني قد يفوقه في المبالغ أو الخدمات المتبرع بها، وضرب مثال في ذلك بالمفارقة بين المللياردير ومؤسس شركة "مايكروسوفت"، بيل جيتس، الذي قدّم مبالغ طائلة معلنة، والمخترع الأمريكي، ستيف جوبز، الذي ارتبط اسمه بالمنح السرية رغم صِغَر حجمها، كما واصل نقده لأسلوب السجال في المنتديات الثقافية الرفيعة، واصفًا إياه بـ"المصارعة الجدلية" التي قد تكون مسلية لكنها ليست بالضرورة وسيلة مثلى للوصول إلى الحقيقة.
وفي المجمل، قدم الكتاب عرضًا واسعًا لمفهوم المعرفة المشتركة بوصفه أداة لفهم السياسة والعلاقات الاجتماعية والتفاعلات اليومية.