تعرّف على الرواية التاريخية الأشهر التي غزت اقتباساتها مواقع التواصل الاجتماعي في إيطاليا بعد تفشي وباء كورونا

آخر تحديث: السبت 28 مارس 2020 - 5:59 م بتوقيت القاهرة

منى غنيم

رواية تاريخية تعود للقرن الـ19 تتحدث عن تفشي وباء الطاعون تتشابه أحداثها مع ما يحدث في إيطاليا اليوم

رواية «المخطوبون» متأصلة بعمق في الثقافة الشعبية الإيطالية، وتأتي أهميتها في المرتبة الثانية بعد الكوميديا الآلهية لدانتي

الرواية جزء من المناهج الدراسية في إيطاليا.. وأشار إليها بابا الفاتيكان في بعض المواعظ الدينية

الرواية تدعو للمؤازرة والتحلي بالصبر في الأزمات والإيمان بقوة الحب في مواجهة الشر في هذا العالم
قارىء إيطالي: «الرواية بوصلة وسط الواقع المؤلم» وآخر: «الرواية تدعو للثقة في إرادة الله في أوقات المحن، ومحاولات التعلم من الوباء القديم»

قارىء إيطالي:« الرواية تؤكد أن المصاعب تحدث للجميع، حتى أولئك الذين لديهم قيم دينية قوية»

مدير إحدى المدارس الثانوية بإيطاليا: صفحات رواية «المخطوبون» تبدو وكأنها اقتصت من إحدى صحف اليوم

مُعلمة إيطالية: «إحدى شخصيات الرواية تذكرني بمن لجأوا للتفلسف وإنكار وجود الفيروس حتى حدثت الكارثة»
في ظل الظروف القومية الصعبة التي تشهدها إيطاليا حاليًا؛ مع التصاعد اليومي في عدد الوفيات جرّاء جائحة كورونا، وتطبيق العزل التام على كافة أرجاء المدن الإيطالية كونها الدولة الأوروبية الاكثر تضررًا من الفيروس المستجد، قرر الإيطاليون اللجوء الى الأدب بحثًا عن السلوان، وتشبثًا بالأمل في الغد الأفضل؛ عن طريق إعادة إحياء الرواية التاريخية الأكثر شهرة في إيطاليا؛ وهي رواية «المخطوبون» للكاتب الإيطالي ألساندرو مانزوني، والتي نشرت لأول مرة عام 1827 في ثلاثة مجلدات؛ حيث أقبلوا على إعادة قراءتها ومشاركة بعض الاقتباسات منها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لاسيما تلك التي تحُث على بعض القيم مثل: المؤازرة وقت الشدة، والتحلي بالصبر في الأزمات، والإيمان بقوة الحب في مواجهة الشر في هذا العالم.

وتروي رواية «المخطوبون» وقائع قصة الحب التي جمعت بين «رينزو» و«لوسيا»، اللذين وقعا في الحب، وتمت خطبتهما للزواج، حتى وقع الإقطاعي الثري صاحب النفوذ «دون رودريغو» في غرام «لوسيا» بدوره، وقرر محاربة الحبيبين، فواجها العديد من التحديات الصعبة كاختبار لحبهم الحقيقي، حتى وصل وباء الطاعون إلى مدينة ميلانو، ولقى بسببه «دون رودريغو» الشرير مصرعه، بينما انتصر الحبيبان وعاشا في سعادة.

وتُعد عودة الإيطاليين لقراءة تلك الرواية أمرًا منطقيًا؛ حيث أن رواية «المخطوبون» متأصلة بعمق في الثقافة الشعبية الإيطالية، ولها تأثير كبير على الوجدان الجمعي للإيطاليين، كما تأتي أهميتها في المرتبة الثانية بعد الكوميديا الآلهية لدانتي، بالإضافة لكونها مقررة في المناهج الدراسية، حتى أن هناك العديد من المدارس في إيطاليا قد سُميت تيمنًا باسم الكاتب «مانزوني»، وأصبحت شخصيات الرواية من الأعلام الشائعة جدًا في الثقافة الشعبية الإيطالية، حتى أن بابا الفاتيكان أشار إليها في بعض المواعظ الدينية.

وتشهد إيطاليا أوقاتًا صعبة منذ فرض العزل الكامل؛ حيث أضحت المدن هادئة للغاية حتى أنه يمكنك سماع صوت الطيور وحفيف أوراق الأشجار، الذي لم يكن يقطعه سوى أصوات الإيطاليين وهم يصفقون بأيديهم أو يغنون في شرفات منازلهم، بينما لم تزل حرب حقيقية تدور في المستشفيات بقيادة الأطباء الذين يبذلون قصارى جهودهم لإنقاذ حياة المرضى الوافدين بأعداد غفيرة ، حتى أن أحد الأطباء قال إن أعداد الوفيات في بلدة لومباردي تسببت في أزمة لدور الجنائز، كما قرر القساوسة قرع أجراس الكنسية مرة واحدة فقط في اليوم؛ حرصًا على عدم إثارة جذع المرضى في المستشفيات.

ولجأ الإيطاليون للتواصل مع ماضيهم عبر صفحات تلك الرواية؛ حيث قال أحد الإيطاليين الذين قاموا بمشاركة الاقتباسات من الرواية عبر صفحتهم على الفيسبوك: «كل الدلائل تشير على أنه في أوقات الأزمات ، لا يزال الناس يلجأون إلى السرد الأدبي الرائع في تلك الرواية، واستعمالها كبوصلة لإيجاد الطريق وسط الواقع المؤلم»، بينما صرّح آخر أن سبب عودة انتشار الرواية هو الجانب الأخلاقي الكاثوليكي المتغلغل فيها، الذي يعطي بعض التعزية للقارىء، والثقة في إرادة الله في أوقات المحن، ومحاولات التعلم من الوباء القديم، واسنخلاص العبر من الطريقة التي هُزِم بها الشر في الرواية، ومحاولة تطبيقها على أرض الواقع.

وقالت أستاذة الأدب المقارن في جامعة ميلانو، ماريا جابرييلا ريكوبونو، إن رواية «المخطوبون» كانت أول رواية مكتوبة للجمهور من كافة الشرائح الثقافية في إيطاليا؛ حيث كانت الروايات السابقة إما قليلة القيمة أدبيًا أو مُوجّهة فقط للنخبة الإيطالية، وأضافت :«من أجل تحقيق ذلك ، استخدم مانزوني أبطالًا ينتمون للطبقة الدنيا، ولغة سهلة يمكن فهمها للمتعلمين والغير متعلمين على حد سواء؛ خاصة أن معظم الإيطاليين كانوا لا يستطيعون القراءة في ذلك الوقت عندما نشرت الرواية لأول مرة عام 1827».

وعن أوجه التشابه بين وباء الطاعون الذي تفشى في إيطاليا في القرن الـ19، وعن وباء كورونا المتفشي حاليًا، قال معظم القراء أن الفصول التي تدور حول الطاعون ، تبدو الآن أكثر واقعية بالنسبة لهم؛ ففي الكتاب كما هو الحال الآن ، كانت مدينة لومباردي الإيطالية هي بؤرة تفشي المرض الأولي، وأيضًا أتى المرض إلى إيطاليا من الخارج ، كما كان السياسيون- من البلاط الأسباني الذي حكم ميلانو حينها- بطيئين في رد الفعل، وقد تجاهل السكان المشكلة و أنكروها أولاً ، ثم أصبحوا يتشككون في كل الأجانب الوافدين إلى البلاد بشكل مفرط ثانيًا ، ثم أصيبوا بالذعر العام أخيرًا، وهو ما يحدث الآن في إيطاليا، نقلًا عن موقع Lit Hub الأمريكي المعني بأخبار الأدب.

وقال لوكا نابوليتاني، وهو أحد القراء من مدينة تيرامو ، إن أكثر ما أذهله هو حقيقة أن نهاية الكتاب أظهرت كيف يمكن للأوبئة أن تساوي بين جميع الناس؛ فحين ضرب الطاعون إيطاليا في الرواية، تساوت كل الشرائح المجتمعية في مواجهة الأزمة بغض النظر عن ثروتها أوانتماءها لطبقة معينة، وأضاف أن حتى بطلة الرواية الفقيرة ذات الإيمان المسيحي القوي، «لوسيا» صلبتها الحياة بشكل أو بآخر في الرواية ، وهي علامة على أن المصاعب يمكن أن تحدث للجميع، حتى أولئك الذين لديهم قيم دينية قوية.

ووجّه مدير مدرسة فولتا الثانوية في ميلانو، دومينيكو سكويليس، لطلابه رسالة عندما قررت الحكومة تعليق المدارس في 24 فبراير الماضي، دعاهم فيها لقراءة الرواية في المنزل، واستخلاص العبر منها وقال: «في صفحات تلك الرواية، يوجد بالفعل كل شيء نعيشه اليوم؛ كاليقين من خطورة الأجانب الوافدين للبلاد، والصراع العنيف بين السلطات، والشائعات التي تتبدل كل يوم، والعلاجات غير الناجعة، وهجوم الناس على السلع الغذائية بمحال البقالة والسوبر ماركت، و أزمة الطوارئ الصحية»، وأضاف أن رواية «مانزوني» تبدو وكأنها «صفحات جاءت من إحدى صحف اليوم».

ووصف «سكويليس» مقارنة أحداث الرواية بما يحدث على أرض الواقع في المدن الإيطالية اليوم بـ «الأمر المفيد»؛ لأنه سيعلِّم الطلاب درسًا قيمًا حول ضرورة التحلي بالقيم الإنسانية، والاستمرار في التواصل الاجتماعي مع الأهل والأقارب -بدون مخالطة- في مواجهة الوباء الذي لا يبقي ولا يذر.

وصرحت تيزيانا بينيديتي، وهي معلمة للمرحلة الابتدائية بإحدى المدارس، أن أكثر شخصية واقعية في الرواية بالنسبة لها، هو الأرستقراطي والمفكر «دون فرانت» ، وهو الرجل الذي كان يكرس معظم وقته للدراسات الغامضة والتفلسف بلا داع؛ وعندما وصل وباء الطاعون لميلانو ،كان أول من أنكره، ولجأ عوضًا عن تحذير الناس بشأن خطورته لصياغة «النظريات الفلسفية غير ذات الجدوى» لتفسير ما يحدث، . وأضافت: «إنه يذكرني ببعض المفكرين اليوم المنفصلين عن الحياة الحقيقية، والذين ظلوا في حالة إنكار مجتمعي لفيروس كورونا المستجد الخطير حتى حدثت الكارثة».

وأكدت «بينيديتي» أن التلاميذ لازالوا يدرسون الرواية، بالإضافة لمناهجهم الدراسية الأخرى عبر المنازل.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved