اللي بنى مصر (6).. عبدالرازق السنهوري.. صاغ بيان تنازل فاروق عن العرش واتهم عبدالناصر بتدبير اعتداء عليه

آخر تحديث: الثلاثاء 28 مارس 2023 - 11:17 ص بتوقيت القاهرة

محمد حسين

بتاريخ حضارتها الممتد لآلاف السنين، واحتضانها وتفاعلها مع الثقافات المحيطة الأخرى، أصبحت مصر أشبه بلوحة فنية بديعة من مكونات عمرانية وعادات أصبحت تشكل تراثا ثريا وأصيلا، وراء ذلك عقول بشرية صنعتها؛ ليكون من الجدير بها أن يطلق عليها لقب "اللي بنى مصر".

وتحت هذا العنوان، سنعرض في حلقات مسلسلة بعض ملامح سيرة من شكلوا لمصر وجهها الحضاري العظيم، وتراثها الملهم، على مدار أيام شهر رمضان المبارك، للعام الثاني على التوالي.

الحلقة السادسة...

لا شك أن القانون يشكل ركنا أساسيا في تكوين وبينة المجتمعات منذ بداية التاريخ، بوصفه ضامنا لاستقرار البشر وأمانهم، وكافلا للحقوق، ومنظما للواجبات.

- السنهوري.. علامة قانونية

ومع تطور حركة الحضارة والمدنية، بدت الإسهامات الفكرية في تشكيل صورة أكثر تنظيما لمفهوم القانون من خلال نصوص وقواعد مكتوبة، وعند الحديث عن النخبة القانونية المصرية، لا يغيب ذكر عبد الرازق السنهوري باشا، أحد أعلام القانون بمصر، وإن كان القانون المدني والدستوري أخذا نصيبا أكبر، فقد صاغ السنهوري القانون المدني المصري في منتصف الأربعينيات بدقة شديدة، وما يدلل على ذلك أن القانون منذ وقت صدوره ظل باقيا وطالته فقط تعديلات قليلة.

- وثيقة الإطاحة بفاروق

وإلى جانب دوره القانوني الكبير، شارك "السنهوري" في صناعة اللحظات الفارقة في تاريخ مصر الحديث، بصياغة وثيقة تنازل الملك فاروق الأول عن عرش مصر؛ استجابة لمطالب حركة الضباط الأحرار في يوليو 1952.

ويروري المستشار محمد عبد الوهاب خفاجي أحد قضاة مجلس الدولة، تفاصيل تلك القصة، في دراسة أجراها عن الدور التاريخي لمجلس الدولة.

وقال "خفاجي"، إن وثيقة التنازل عن عرش مصر صيغت بغرفة رئيس مجلس الدولة السنهوري باشا، مع وكيلي المجلس المستشار سليمان حافظ وعبده محرم.

وأضاف: "والحاصل أن حكومة وزارة علي ماهر باشا الرابعة التي تولاها يوم 26 يوليو 1952 حتى 7 سبتمبر 1952، والكائنة ببولكلي في الإسكندرية، كلفت المستشار سليمان حافظ وكيل مجلس الدولة، والذي كان يعمل حينذاك مستشار الرأي للحاكم العسكري العام، بأن يتولى مجلس الدولة وثيقة التنازل عن عرش مصر، فذهب المستشار سليمان حافظ وكيل المجلس بهذا التكليف - الذي ينم عن تقدير الدولة المصرية لفكر ووطنية رجاله وقضاته من الرعيل الأول- إلى المستشار عبدالرزاق السنهوري باشا رئيس مجلس الدولة، وشكلت لجنة ثلاثية من وكيلي مجلس الدولة سليمان حافظ وعبده محرم برئاسة الدكتور عبدالرزاق السنهوري باشا رئيس مجلس الدولة".

- واقعة مؤسفة بالاعتداء عليه

وبعد أقل من عامين على إعداد "السنهوري" للصيغة التي أطاحت بفاروق، لم يستمر الوفاق بينه وبين الضباط الأحرار ونظام حكمهم، والمواقف المبينة لذلك الشقاق ذكرها المؤرخ عمرو الشلقاني في كتابه "ازدهار وانهيار النخبة القانونية"، والصادر عن دار الشروق.

وقال الشلقاني: "شهدت القاهرة ظهيرة يوم 29 مارس 1954 مظاهرات لا نعلم في تاريخ الثورات الحديثة أعجب منها، مجموعات من المواطنين تغمر شوارع المدينة، وتهتف في طرقاتها، تارة بحياة الجيش والثورة وعبدالناصر، وتارة أخرى تنادي بسقوط الأحزاب والنقابات والرجعية، بل وبسقوط الدستور ومعه الحرية والديمقراطية كذلك".

وعن الصدام مع "السنوري" بشكل مباشر، أكمل الشلقاني: "ما إن وصلت إحدى هذه المجموعات إلى مقر مجلس الدولة بالجيزة، حتى علا الهتاف ليشمل الدكتور عبدالرزاق باشا السنهوري رئيس مجلس الدولة حينئذ، والذي ما لبث المتظاهرون ينادونه بالجاهل والخائن، ويطالبون بسقوطه هو الآخر".

وواصل: "توقفت المسيرة خارج بوابة المجلس المغلقة بسلاسل الحديد، فدخل أحد الضباط إلى مكتب السنهوري، وطلب منه الخروج إلى حديقة المحكمة؛ لمخاطبة المتواجدين بها والتهدئة من روعهم، وحينئذ اقتحمت جموع المتظاهرين فناء المجلس وانقض بعضهم على السنهوري بالسب والضرب، وحينئذ فقط يبدو السنهوري وفطن أخيرا بأن الأمر لم يكن "مظاهرة أخاطب فيها المتظاهرين ــ كما ادعى الضابط ــ بل أمر اعتداء مبيت عليه، وما لبث المتظاهرون أن دفعوني دفعا إلى الحديقة وتوالى الاعتداء".

وتابع: "بموقف مؤثر، بأنه يقال إن المتظاهرين كادوا يفتكون بالسنهورب ذلك اليوم، لولا أن تلقى الضربة أحد السعاة بمجلس الدولة، كما يحكب أن السنهورب لم يتمكن من مغادرة مكان الاعتداء إلا بعد قدوم صلاح سالم، والذب اصطحبه إلى الخارج، والسنهورب ــ وفق إحدى الروايات مدثر بسجادة من مكاتب المجلس".

- اتهام صريح لعبد الناصر

ثم كان اليوم التالب للاعتداء، فأدلى "السنهوري"، بأقواله إلى النيابة العامة من على فراشه بالمستشفى، موجها الاتهام صراحة إلى جمال عبدالناصر بتدبير الاعتداء عليه يوم 29 مارس، ثم طالبا من زوجته عدم السماح بدخول ناصر عليه الغرفة عندما قدم الأخير لزيارته والاطمئنان عليه فى المستشفى.

وتؤكد الوثائق المتاحة لنا، صدق حدس السنهوري، فالمظاهرات كانت مأجورة، والمتظاهرون خرجوا من هيئة التحرير الخاضعة لسلطة الضباط الأحرار، وبأمر من رئيس البوليس الحربي ــ أو الشرطة العسكرية كما تعرف اليوم ــ وذلك وفق خطة كان الأستاذ أحمد حمروش عقلها المدبر، بالتعاون مع إبراهيم الطحاوي، وأحمد طعيمة زملائه في التنظيم.

اقرأ أيضا: اللي بنى مصر (5).. رحلة سيد النقشبندي شيخ المبتهلين الذي تنبأ بموعد وفاته

وغدا نلتقي بحلقة جديدة..

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved