فجر الإسلام (6).. كيف تأثر العرب بفلسفة وعلوم الحضارات الأخرى؟

آخر تحديث: الثلاثاء 28 مارس 2023 - 1:53 م بتوقيت القاهرة

محمد حسين

قبل نحو 15 قرنا من الزمن، قاد النبي محمد -صل الله عليه وسلم- رسالة الإسلام من قلب شبه الجزيرة العربية، وبدأ بلاغه بالأقربين من أهله وأبناء قبيلته ومجتمعه، ثم كانت الهجرة إلى المدينة المنورة بمثابة توسع لرسالة الإسلام، وتأسيس دولته بمكونات فكرية وحضارية.

ومع تمدد الدولة الإسلامية، زاد التأثر والتفاعل مع الثقافات والحضارات الأخرى، ووثقت الكتابات والمراجع التاريخية الأحداث التي جرت في تلك الحقب، وتناولها المفكرين بالتحليل، ومن بينهم كان الكاتب أحمد أمين حين أصدر كتابه "فجر الإسلام"، وأرخ من خلاله فترة حيوية من التاريخ الإسلامي، حيث يتعقب فيها الحياة العقلية منذ صدر الإسلام حتى نهاية الدولة الأموية.

ونتناول أجزاء منه في حلقات مسلسلة على مدار أيام الثلث الأول من شهر رمضان المبارك.

الحلقة السادسة...

تناولنا بالحلقة السابقة، مظهرا من مظاهر الحضارة الإسلامية وتطورها، من زاوية تمركز العلوم المختلفة في العواصم الإسلامية في عصر صدر الإسلام؛ حيث كانت بلاد الحجاز مركزا لعلوم الحديث، ونشطت حركات الفقه والمذاهب الدينية بالعراق، وكانت دمشق في العهد الأموي لها مجال واسع من انتشار الفن والآداب.

وستكمل حديثنا اليوم، ببعد آخر للحركة الفكرية، وهو تأثر المجتمع الإسلامي بغيره من الحضارات، ونعرض في ذلك "الفلسفة اليونانية" نموذجا.

• العلم ملك شائع

قال الكاتب والمفكر أحمد أمين، إنه من الخطأ البين الفكرة الشائعة أن العرب والمسلمين جميعًا كانوا بمعزل عما حولهم من الثقافات والأديان إلى العصر العباسي، وأن آراءهم وآدابهم وعلومهم نبتت وحدها من عقول عربية، من غير أن تُغَذَّى بغيرها، فقد رأينا أنهم حتى في جاهليتهم لم يكونوا بمعزل، وأنهم كانوا بعد الإسلام أكثر اتصالًا، ولا يقدح هذا في أية أمة، فالعلم ملك شائع، ومرفق مباح يغترف منه الناس جميعًا، وليس له حدود فاصلة كالتي ترسمها السياسة الدولية، وإنما الذي يقدح في الأمة حقا أن تغمض عيونها، وتسد آذانها عما حولها من نظريات وأفكار، أو أن يدفعها التعصب الأعمى أن تنسب لنفسها ما ليس لها، وتعزو إليها خلقا ما لم تخلق، وابتداع ما لم تبتدع.

• الطب من الفرس

في كتابه أخبار الحكماء يحدثنا: «أن الحارث بن كلَدَة كان من ثقيف من أهل الطائف، رحل إلى أرض فارس، وأخذ الطب عن أهل تلك الديار من أهل جنْدَيْسابور وغيرها في الجاهلية قبل الإسلام، وجاد في هذه الصناعة، وطبَّ بأرض فارس، وعالج، وشهد أهل بلد فارس — ممن رآه — بعلمه، واشتهر طبه بين العرب، وكان رسول الله يأمر من كانت به علة أن يأتيه فيسأله عن علته، وسُمَـيَّة مولاته هي أم زِياد بن أبيه».

• فلسفة اليونان

ويشير أمين في كتابه، إلى أن الثقافة اليونانية كانت منتشرة في العراق والشام والإسكندرية، وأن المدارس انتشرت فيها على يد السريانيين، وأن هذه المدارس وهذه التعاليم أصبحت تحت حكم المسلمين، وامتزج هؤلاء المحكومون بالحاكمين على الشرح الذي شرحته، فكان من نتائج هذا أن تشعَّت هذه التعاليم في المَلَكة الإسلامية، وتزاوجت العقول المختلفة، وتزاوجت الأجناس المختلفة، فنتج من هذا التزاوج الثقافة العربية أو الإسلامية، ونتجت المذاهب الدينية والفلسفة الإسلامية والحركات العلمية والفنون الأدبية.

اقرأ أيضا: فجر الإسلام (5)..كيف كانت العواصم الإسلامية مراكزا للعلم والفكر؟

وغدا نلتقي في حلقة جديدة..

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved