نساء من عصر النبوة (6).. أميمة بنت صبيح.. أم أبي هريرة التي دعا لها النبي بالهدى فأسلمت

آخر تحديث: الثلاثاء 28 مارس 2023 - 10:48 ص بتوقيت القاهرة

منال الوراقي

تعد سير الصالحات تربية عملية للنفوس، وغَرْس للفضائل، وتدريب على التجمل بالآداب الإنسانية في ميادين الخُلُق والرضا وطاعة الله؛ ذلك لأن التربية بالاقتداء من خير الأساليب التربوية؛ لصقل الطباع، وتهذيب المشاعر، والسير قدما على طريق التقوى والاستقامة.

وفي عصر الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- برزت قصص عشرات النساء في حياة نبي الأمة، ممن كان لهن أثر عظيم في عصرهن والعصور التي تلته، أفرد لهن المؤلف والمترجم السوري أحمد خليل جمعة كتاب "نساء في عصر النبوة" الصادر عن دار نشر ابن كثير، ليركز على دورهن وما جرى لهن من أحداث ترتبط بالدعوة الإسلامية وبالرسول.

أميمة بنت صبيح.. أم أبي هريرة التي دعا لها النبي بالهدى فأسلمت

أُميمة بنت صبيح رضي الله عنها.. قال عنها ﷺ: اللهم اهدِ أم أبى هريرة. وقال عنها عليه الصلاة والسلام: اللهم حبب عُبيدك هذا ـ يعني أبا هريرة ـ وأمه إلى عبادك المؤمنين، وحبب إليهم المؤمنين.

أُمُّ سَيّد الحفاظ

هذه الصحابية أُميمة بنت صبيح أنجبت أَعْجَب رجال الدُّنيا في الحفظ بل كان حفظه الخارق من معجزات النبوة.

فهي والدة الإمام الفقيه المجتهد الحافظ صاحب رسول الله ﷺ أبو هريرة الدوسي اليماني، سيّد الحفاظ الأثبات، كان حافظ الصَّحابة، وأكثرهم رواية عن النبي ﷺ، بلغت مروياته 5374 حديثا، حيث قال عنه الشافعي رحمه الله: أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في دهره.

نشأ أبو هريرة يتيماً، فقد توفي أبوه وهو ما يزال صغيراً، وعاش في كنَفِ أمه أميمة بنتُ صُبيح بنِ الحارث؛ التي اشتهرت بكنيتها أم أبى هريرة.

هذه المرأة أصبحت إحدى شهيرات نساء الإسلام، من ذلك اليوم الذي أسلمت فيه ببركة دعاء النبي.

اللهمَّ اهدِ أم أبي هُرَيْرَةَ

تشير المصادر الوثيقة إلى أن أبا هريرة قدم على النبي ﷺ في المحرم سنة سبع وهو بخيبر، فأسلم راغباً مشتاقاً، وحمد الله الذي أخرجه من الظُّلمات إلى النُّور، ومن عبادة الحجارة والأصنام إلى الإيمان بالله الواحد القهار، وحدث أبو هريرة عن شعوره هذا فقال: لما قدمت على النبي ﷺ قلتُ في الطَّريق: يا ليلة من طولها وعنائها على أنَّها من دارة الكفر نجت.

قال أبو هريرة عنه ﷺ: وأبق لي غلام، فلما قدمت وبايعتُ، إذ طلع الغلام، فقال النبي ﷺ : «هذا غلامك يا أبا هريرة»، قلت، هو حر لوجه الله، فأعتقته.

ومنذ أن بايع أبو هريرة رسول الله لازمه، فلم يفارقه في حضر ولا سَفَرٍ، وكان أحرص شيءٍ على سماع الحديث منه، والتفقه عنه، وعندما أسلم أبو هريرة رضي الله عنه، ظهرت أمامه مشكلة طردت النوم من عينيه، وهذه المشكلة كانت نقطة الفَصْلِ في حياته، إنَّها أمه أميمة بنت صبيح، فقد رفضتُ أَنْ تُسْلِم وأن تنضوي تحت لواء المؤمنات وقتذاك، وظلت على شركها مدة، وكان أبو هريرة حريصاً على إسلامها حرصاً شديداً.

ولكنَّه كلّما دعاها إلى الإسلام أسمعته ما يغيظه وما يزعجه وتأبى عليه، ولم تتوقف عند هذا فحسب، بل كانت تسمعه في رسول الله ﷺ ما يكره، ولكنَّه لم يركن إلى القُنوط من إسلامها بل انطلق إلى حبيبه ومصطفاه رسول الله، يشكو إليه بثه وحزنه وما يؤلمه من عدم إسلام أمه، فحظي بدعوة مستجابة كانت برداً وسلاماً عليه.

وروى أبو هريرة قصة إسلام أمه، فقد أخرج الإمام مسلم رحمه الله في بسنده عن أبي كثير يزيد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة قال: كنت أدعو أمي إلى الإسلام - وهي مشركة - فدعوتها يوماً فأسمعتني في رسول الله ما أكره، فأتيت رسول الله له ولو أنا أبكي، قلتُ: يا رسول الله إني كنتُ أدعو أمي إلى الإسلام، فتأبى عليَّ، فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره، فادع الله أَنْ يهدي أمَّ أبي هريرة.

فقال رسول الله ﷺ: "اللهمَّ اهدِ أم أبي هريرة"، فخرجت مستبشراً بدعوة نبي الله، فلما جئتُ فصرتُ إلى الباب فإذا مجاف - مغلق ـ، فسمعت أمي خَشْفِ - صوت - قدمي، فقالت: مكانك هو يا أبا هريرة، وسمعتُ خَضْخَضَةَ الماء.

قال: فاغتسلت ولبست دِرْعَها وعجلتْ عن خمارها، ففتحت الباب ثم قالت: يا أبا هريرة أشهدُ أنْ لا إله إلا الله وأشهدُ أنَّ محمَّداً عبده ورسوله، قال: فرجعت إلى رسول الله، فأتيته وأنا أبكي من الفرح، قلتُ: يا رسول الله أبشر قد استجاب الله دعوتك، وهدى أم أبي هريرة. فحمد الله وأثنى عليه.

خيراً الحبيبان إلى المؤمنين

قرت عينا أبي هريرة بإسلام أمه وذهب عنه ما كان يجد من الهم والحزن، وسُرّ بهدايتها إلى الإيمان، وأحبَّ أن يستزيد من دعاء النبي ﷺ له ولأمه، فطلب منه أَنْ يدعو الله عزَّ وجلَّ بأَنْ يُلقي محبتهما في قلوب المؤمنين، فكان ذلك، ورد هذا في الصَّحيح أنه قال للنبي ﷺ: يا رسول الله ادْعُ اللهَ أَنْ يحببنَي أنا وأمي إلى عباده المؤمنين، ويحببهم إلينا.

فقال رسول الله ﷺ: "اللهم حبب عُبيدك هذا - يعني أبا هريرة ـ وأمه إلى عبادك المؤمنين وحبب إليهم المؤمنين"، قال أبو هريرة رضي الله عنه: فما خَلَقَ اللهُ مِنْ مؤمن يسمع بي ولا يراني، أو يرى أمي إلا وهو يحبني.

أبو هريرة ابنُ أُمَيْمَة

لأميمة رضي الله عنها أثر كبير في نفس ابنها، فقد كان يفخر بانتسابه إليها في جميع أحواله وأفعاله، وكان شديد البرّ بها، والرعاية لها، ومن أقواله في ذلك: أما والله لولا الحج والجهاد وبر أمي لتمنيتُ أن أموت وأنا عبد مملوك.

ومن وجوه فخره بأمه، ما رواه محمد بن سيرين رحمه الله عن أبي هريرة أَنَّ عمر بن الخطاب دعاه ليستعمله، فأبى أن يعمل له، فقال عمر: أتكره العمل وقد طلبه من هو خير منك؟، قال: من؟، قال: يوسف عليه السَّلام، فقال أبو هريرة: يوسف نبي ابن نبي ابن نبي وأنا أبو هريرة ابن أميمة وأخشى ثلاثاً واثنتين، فقال عمر: أفلا قلت خمساً؟، قال: أخشى أن أقول بغير علم، وأقضي بغير حلْمٍ، وأَنْ يُضرب ظهري، وينتزع مالي، ويُشْتَم عرضي.

أميمة بنت صبيح كَرَمُهَا وَجُودُهَا

في مجال الكرم، كانتْ أميمة رضي الله عنها من المشهورات، حيث كان أبو هريرة يكرم ضيوفه من طعامها، روى هذا حُميد بن مالك بن خثيم قال: كنت جالساً عند أبي هريرة بالعقيق، فأتاه قوم فنزلوا عنده، قال حميد: فقال - أي أبو هريرة - : اذهب إلى أُمّى فقل: إنَّ ابنك يقرئك السلام، ويقول: أطعمينا شيئاً، قال: فوضعت ثلاثة أقرص في الصحفة، وشيئاً من زيت وملح، ووضعتها على رأسي فحملتها إليهم، فلما وضعته بين أيديهم كبر أبو هريرة وقال: الحمد الله الذي أشبعنا من الخبز، بعد أن لم يكن طعامنا إلا الأسودين: التَّمر والماء.

وهكذا كانت أم أبي هريرة سباقة في فضيلة الكرم والجود، وسجلت هذا الأثر الطَّيب في قاموس الخالدات، فقد عاشت زمناً طويلاً، ربما عصر الخلافة الراشدة كاملة رضي الله عنها، ولكنا لا نملك تحديد زمن وفاتها والذي يبدو أنها توفيت في المدينة المنورة، والله أعلم.

اقرأ أيضا: نساء من عصر النبوة (5).. أم الدحداح التي صاغها الإسلام ونشأت في مدرسة النبوة

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved