قصور منسية (6).. قصر عمر طوسون.. المنفى الذي أبعد فيه عن السياسة

آخر تحديث: الثلاثاء 28 مارس 2023 - 10:32 ص بتوقيت القاهرة

منال الوراقي

القصور التاريخية في مصر ليست مجرد أمكنة وجدران وشوارع، إنما هي تاريخ لا يزال حيا، سجل يُخلد أسماء وشخوصا وأحداثا، رمز لنمط عمارة ساد، وظروف عصر خال، وثقافة مجتمع تقلبت عليها السنوات، لكنها ظلت تحمل شيئا من توقيعه، لا يزال محفورا في ومضة هنا أو أخرى هناك.

تلك القصور ما هي إلا تاريخ لم تطوه كتب أو مجلدات، فلا يزال حيا نابضا يثبت أنه أقوى من كل محاولات العبث التي بدأت بعشوائية المصادرات ومحو أسماء أصحاب القصور من فوق قصورهم، ولافتات الشوارع التي حملت يوما أسماءهم تخليدا لدور قدموه للوطن أو خدمة جليلة قاموا بها لنهضة مجتمعهم.

في سلسلة "قصور منسية"، تستعرض "الشروق" خلال شهر رمضان الكريم، قصصا لقصور مصر المنسية، استنادا إلى كتاب "قصور مصر" الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، للباحثة سهير عبدالحميد، والذي يتناول قصص وحكايات وراء أشهر القصور المصرية.

قصر عمر طوسون.. المنفى الذي أبعد فيه عن السياسة

كان الأمير عمر طوسون ابن محمد طوسون باشا ابن محمد سعید بن محمد علي ملء القلوب بفضل كرمه واستجابته لمطالب البسطاء وقضائه لحوائجهم؛ لذلك كان أميرًا عليهم لا بفرمان خديو أو ملكي وإنما بقرار شعبي.

عمر طوسون وعشق الإسكندرية

لقد كان عشق الأمير للإسكندرية له جذوره، فجده الأمير سعيد باشا الذي كان أميرالاً للبحرية، عاش ومات في الإسكندرية ودفن في المدافن التي أقامها محمد علي في شارع النبي دانيال لأبنائه الذين توفوا عقب ولادتهم أو في سن مبكرة، وهو قد عاش طفولته بالإسكندرية قبل أن يرحل إلى سويسرا لاستكمال دراسته وعاد إليها ثانية.

وفي الإسكندرية اعتاد الناس رؤيته وهو يقود عربته التي تجرها الخيول أو يسير على طول شاطئ ترعة المحمودية، وكلما مر من هنا أو هناك بادره الناس بتحية سلام أو استوقفه أحدهم حتى يؤدي له خدمة ما.

وطنية عمر طوسون

وزاد تقدير الناس له بمواقفه الوطنية ووقوفه في وجه الاحتلال فخلع عليه الناس ألقابًا عديدة؛ فهو أمير وادي النيل أو الأمير الديمقراطي، وهو الأمير العاشق للعلم، وهو أمير الإسكندرية، وهو الأمير المصري، وهو تقدير واعتراف بمصريته كهوية وتوجه، وهو أبو الفلاح؛ لأنه أحس بمعاناته وحاول التخفيف عنه.

وفي الإسكندرية قضى الأمير قسطًا من حياته عندما أراد الملك فؤاد إقصاءه عن السياسة خشية ميوله التركية.

عمر طوسون واسع الثراء

وفي الإسكندرية أيضا كان للأمير طوسون عدة أنشطة؛ فقد تولى الرئاسة الشرفية لفرقة الكشافة المصرية وتعهدها برعايته.

كان الأمير طوسون واسع الثراء ويمتلك عددًا من الأراضي الزراعية في الإسكندرية والبحيرة والغربية والجيزة، وكان له عدد من القصور والفيلات في القاهرة والإسكندرية، ففي القاهرة امتلك فيلا بالمعادي في 31 شارع عبد الوهاب، وقصرًا في شارع حسن صبري بالزمالك -مقر مركز المعلومات بمجلس الوزراء الآن- وهناك قصر بشبرا.

وفي الإسكندرية له قصر في منطقة الحرية تمتلكه الآن وزارة الثقافة وفيلًا بشارع علوي، وقصر في المحمودية، وفيلا في شارع سابا باشا بيعت عام 1960م، بالإضافة إلى قصره بباكوس الذي شغله في الستينيات المعهد العالي للتمريض، في حين بني على حديقته محطة إذاعة الإسكندرية والقناة الخامسة للتلفزيون.

قصر عمر طوسون الذي فقد هويته

وفي حديقة قصره بباكوس كانت تقام أحيانًا معارض الجمعية الزراعية الملكية، وقد تبرع بجزء من حديقة قصره هذا لبناء كنيسة الفاتيكان ومدرسة سان جوزيف بباكوس جنوب القصر، والفيلات التي كان يمتلكها بالقرب من القصر وهبها جميعًا لجمعية «العروة الوثقى» لاستعمالها في أغراض خيرية، ومنها إنشاء مدرسة عمر طوسون التحضيرية "الروضة حاليًّا"، وكان قصره بباكوس مفتوحًا لاستقبال السياسيين والباحثين.

وفي عام 2003 انتقلت كلية التمريض من القصر وظل مغلقًا حتى عام 2006؛ حيث حصلت عليها كلية الفنون الجميلة مؤخرًا.

كان القصر الواقع على ربوة أكثر ارتفاعًا من مستوى الشارع أمامه يرى البحر مباشرة قبل أن تحاصره المباني، وكانت حديقته ممتدة على مساحة هائلة قبل أن تقتطع منها عدة أجزاء لمحطة إذاعة وتلفزيون الإسكندرية، بل وانتزع اسم عمر طوسون من تلك اللافتة التي كانت تحمله من على الشارع الملاصق لقصره، لتمحو تاريخه.

اقرأ أيضا: قصور منسية (5).. قصر السكاكيني: الفئران صاحبة الفضل في تشييده

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved