دكتور بهاء فراج سليم يكتب عن تطوير سلالات الماشية: حُلم الرئيس بين المتاح والمأمول

آخر تحديث: السبت 28 مايو 2022 - 6:23 م بتوقيت القاهرة

السيد رئيس الجمهورية وكعادته دائماً يأمل أن تكون مصر في مصاف الدول المتقدمة، يحذوه أمل أن تحتل مصر مكانة مرموقة بين الدول، يضع نصب عينية تحقيق مقولة من لا يملك قوته لا يملك قرارة، ولا حرية لجائع ولا كرامة لعريان، فقد قَالَ النَّبِيَّ (صَلَّى) " مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهاَ".
من هنا جاء حلم السيد الرئيس في تحقيق الإكتفاء الذاتي من الإحتياجات الأساسية وخاصة الزراعية والحيوانية لتوفير إحتياجات شعبة دون اللجوء الى الإستيراد وكلفتة الباهظة خاصة مع مستجدات الأحداث على الساحة العالمية من إنتشار جائحة كورونا والحرب الأكرانية، وهو أمر محمود ومشكور لسيادته ويمكن تحقيقه بإسناد الأمر لأهله وهم الخبراء والباحثين والمنتجين الزراعين والمهتمين بالشأن الزراعى والحيوانى في مصر لأن من مهامهم توفير الحاجات الأساسية للشعوب وتعزيز الأمن الغذائى وتحسين التغذية والمساهمة فى توطين التنمية المتوازنة والمستدامة. وفي مجال الإنتاج الحيوانى مثلاً نمت على الساحة في الوقت الراهن نظرية "إستجلاب السلالات الأجنبية بديلاً للسلالات المحلية" أي إستيراد سلالات الماشية الأجنبية من دول المنشأ وإحلالها محل السلالات المصرية والتي سيتم التخلص منها عن طريق الذبح، السبب في ذلك الإعتقاد بتدنى إنتاجية السلالات المحلية المصرية عن نظيرتها المستوردة، والتصور في ذلك هو أنهما (السلالات الأجنبية والمحلية) لها نفس الاحتياج من متطلبات الغذاء والماء والهدف من ذلك هو إستيراد سلالات من الخارج متخصصة في إنتاج اللحوم والالبان لرفع القدرة الإنتاجية وسد الفجوه بين إنتاجية اللحوم الحمراء والالبان وبين معدل الإستهلاك.
في هذا الإطار يوجد إتجاهين يمكن للمختصين بالأمر سلوكهم وإن إختلفت مدارسهم، هنا نتبع مدرسة ترى أن السلالات المحلية المصرية المتأقلمة للظروف المصرية منذ قرون عديدة بريئة من هذا الإدعاء، فالسلالات المحلية المصرية ليست السبب الوحيد في منظومة ضعف الإنتاجية حتى يتم التخلص منها في لحظة من الزمن بدون أن تأخذ فرصها لتعبر عن نفسها، فالكل مشارك في وصول الموارد الوراثية للسلالات المحلية المصرية الى هذه المستوى غير المأمول، فلم يكن هناك تحسين وراثى بالشكل المؤسسى الذى إنتهجته بعض الدول بعد الحرب العالمية الثانية (المانيا) وهى الأن تجنى ثمارة، وهذا شأنه شأن الكثير من الملفات التي تأخرت فيها الدوله خلال الـ 70 عاما الماضية، تفتت الحيازه الحيوانية (85% من الثروة الحيوانية في يد المزارع الصغير)، وعدم وصول الدعم الفني واللوجستى والمادى من الحكومات السابقة الى الفلاح والمربى، خلق نوعاً من أنواع الهزالة الإنتاجية للسلالات المحلية والإدعاء بأنها سبب عدم الكفاية الإنتاجية، وإذا كان الرعيل الأول من الخبراء المصريين في مجال الإنتاج الحيوانى لم يألوا جهدا في سبيل رفع إنتاجية الثروة الحيوانية المصرية، وكذا الحال بالنسبة لألاف الأطروحات التي سهر عليها الباحثين الزراعيين عشرات السنين وهى حبيسة الأدراج في أرفف المكتبات بالجامعات والمراكز البحثية، شكل فيه عدم إهتمام الحكومات المتتابعة بهذا الملف سبباً رئيسياً بما اَلت إليه الأمور في هذا الشأن.
في الماضى كان لدينا الكثير من الدروس والعبر، حيث كانت زيادة الإنتاجية الحيوانية تجري في المقام الأول عن طريق جلب سلالات أجنبية عالية الإنتاجية وهى في الغالب تأتى من بلدان معتدلة المناخ إلى مناطق جافة وشبة جافة ومنها مصر. ولم يكن ذلك يلقى النجاح في جميع الأحيان حيث كانت تلك السلالات أكثرعرضة للأمراض مقارنة بالحيوانات المحلية وكانت ضعيفة القدرة على التكيُّف مع البيئات المحلية. ومع الأمل في الحصول على إنتاجية أكبر على المدى القصير، يفضل العديد من المربين في المناطق الريفية السلالات الأجنبية بدلاً من السلالات المحلية، لكن الحيوانات غير الأهلية تموت في أغلب الأحيان لأنها غير قادرة على التكيف بالقدر الكافي مع المناخ المحلي، وهي عرضة أكثر من غيرها للأمراض المحلية المتوطنة.
أما (عمليات الخلط) وفيها ما يعرف لدى المختصين بقوة الهجين وهو الظاهرة التي تصاحب دائماً خلط السلالات الحيوانية من نفس الجنس لإنتاج سلالة أفضل إنتاجياً وإقتصادياً للحصول على حيوانات قوية عالية الإنتاج لأغراض الإنتاج التجاري وبالتالي الحصول على عائد إقتصادي جيد. مثل ما حدث عند تلقيح الأبقار المحلية المصرية بذكور من سلالات أجنبية عالية الإنتاجية مثل الفريزيان والشارولية، وفيها تفوق كل الهجن عن الأبقار المصرية سواء في الوزن عند الولادة أو الوزن عند الذبح أو كمية اللحم المنتجة أو كمية اللبن، كما أن هذه الهجن تفاوتت فيما بينها في مقدار تقدمها عن الأبقار المصرية البلدية.

- الانتخاب والخلط والتهجين لتحسين الثروة الحيوانية

ويقصد بالانتخاب اختيار نسبة من الحيوانات لتميزها بصفة ما عن باقي حيوانات القطيع ثم يتم تزاوج الحيوانات المنتخبة للحصول على أفراد جيل ثاني. وهو يؤدي في الغالب الى جعل الصفات أكثر نقاوة للصفة المنتخب لها ويعتبر هذا من أهم الطرق لتغيير التراكيب الوراثية للحيوانات.
أما الخلط بين السلالات فهو عبارة عن تلقيح حيوانين أصيلين كل منهما ينتمي الى سلالة مختلفة ولكن يشترط أن تكون سلالة الذكر متفوقة على سلالة الأنثى المستخدمة في التلقيح.
ومن المتعارف عليه عند إستيراد سلالات أجنبية للتربية تحت الظروف البيئية المحلية فإن إنتاجها يتدهور نظراً لعدم ملائمة الظروف البيئية المحلية لهذه السلالات. ولذا يلزم أقلمة هذه السلالات للظروف البيئية المغايرة لها وهذا يستلزم جهداً ووقتاً كبيراَ. لذا ينصح بإستخدام الخلط بين السلالات المحلية والأجنبية، حيث أن النتاج يحمل في تركيبه نصف العوامل الوراثية من الأب المحلي مما يمكنه من تحمل الطروف البيئية، وكذلك النصف الآخر من الأب الأجنبي الذي يعطيه صفة الإنتاج الجيد سواء لبن أو لحم. مع الوضع في الإعتبار الحصول على الجيل الأول الخليط فقط، حيث أن تزاوج هذه الأفراد الخليطة معاً يـؤدي إلى إنعزال العوامل الوراثية على حسب الوراثة المندلية مما يؤدي إلى تدهور الإنتاج. والأفضل أن يتم إستيراد سائل منوي من الخـارج وأتبـاع طـرق التلقيح الأصطناعي بدلاً من التلقيح الطبيعي نظراً لصعوبة إستيراد الطلائق من الخارج وصعوبة رعايتها تحت الظروف المحلية.
كما يعد تكثيف نظم الإنتاج الحيواني شرطاً أساسيا لتلبية الطلب المتزايد على المنتجات الحيوانية ويدعم الإنتقاء الجيني والتكنولوجيات المساعدة على التناسل وإنتاج حيوانات ذات إنتاجية أعلى مع إحتفاظها في الوقت نفسه بقدرتها على التكيُّف في البيئات القاسية. ويُعد تحسين السلالات المحلية عن طريق الإنتقاء الجيني، بحيث تحتفظ بتكيفها مع البيئات المحلية وتحملها الفطري في كثير من الأحيان للأمراض المحلية، عنصراً حاسماً في التصدي للتحدي المتمثل في توفير الإمدادات اللازمة لتلبية الطلب المتزايد على اللحوم والألبان وتحقيق الإستفادة المثلى من الموارد الطبيعية.

تتركز 45% من الصفات الوراثية للحيوانات التي يربيها المزارعون على الإنتاج، بينما تتركز 55% على حالة الحيوانات.

يبقى لنا الإجابة عن هذا التساؤل، هل يمكن إحلال السلالات الأجنبية محل السلالات المحلية المصرية؟ هل تستطيع السلالات الأجنبية التأقلم مع الظروف المناخية المصرية والتحديات البيئية المتصاعدة وهى تختلف تماماً عن الظروف المناخية لبلد المنشأ من حيث التعرض للإحتباس والإجهاد الحرارى؟ هل تستطيع السلالات الأجنبية من إستيفاء إحتياجاتها الغذائية اللامحدودة من المتوفر من الأعلاف المصرية المحدودة (أم ستتخذ الدوله قراراً يسمح بالتنافس بين المحاصيل العلفية والمحاصيل الإستراتيجية كالقمح!)؟ هل تستطيع السلالات الأجنبية التصدي للأمراض والأوبئة المتوطنة في مصر والتي كونت السلالات المحليه مناعة ضدها؟ هل تستطيع السلالات الأجنبية التي تعيش تحت أنظمة إنتاجية مترفة أقل ما يمكن القول عنها بأنها ظروف أفضل مما يعيشة الفلاح المصرى نفسه وليس حيواناته؟ هل تستطيع السلالات الأجنبية عند إقامتها معززة مكرمة في الأجواء المصرية ومع ما تعانيه من التغيرات المناخية الصعبة أن تستمر على نفس إنتاجيتها في بلد المنشأ، حينها سنقول أهلا وسهلا بالسلالات الأجنبية في مصر.
يمكننا القول أن توفير الغذاء الكافى والجيد والتحسين الوراثى وتوفير الظروف والتجهيزات العالية لمواكبة الإنتاج العالى للقطعان الحيوانية المحلية المصرية تجعل إنتاجية السلالات المحلية المصرية في خانة المتاح والمأمول، ويمكننا القول أيضاً أن السلالات المحلية المصرية هي قيّمة للغاية نظراً لمخاطر التغيرات المستقبلية على مستوى البيئة، فهذه السلالات عادة ما تكون قوية للغاية وربما يكون من بين جيناتها ما يمكنها من التعايش مع تحديات بيئية جديدة مقبلون عليها.
وتعتبر إنتاجية القطعان محصلة لتداخل تأثير الكثير من العوامل (كالبيئة والموارد العلفية والخدمات) على الحيوان ومعدلاته الإنتاجية. وتتميز معظم السلالات المحلية بمقدرتها الفائقة على التأقلم مع العوامل البيئية بالمقارنة مع السلالات الأجنبية التي قد لا تستطيع مجرد العيش تحت ظروف قوة البيئة والترحال المستمر عند بعض المربين ونقص الأعلاف والإفتقار إلى الخدمات ويعتمد نجاح تربيتها محليا على توفير نظم الإنتاج المكثف التي تتميز بإحتياجها إلى إستثمارات ضخمة. وتتميز السلالات المحلية بمقدرتها على الإستجابة لتحسين الظروف البيئية مما يسمح بظهور طاقاتها الوراثية الكامنة كما دلت التجارب العلمية على أن العديد من السلالات المحلية قادرة على الإستجابة للتحسين الوراثي.

- وتعود عوامل تراجع إنتاجية السلالات المحلية المصرية إلى ما يلي:-
1- ضعف الإنتاجية نتيجة لإنتشار التربية الداخليه في القطعان الحيوانية.
2- الفجوه الكبيرة بين الموارد العلفية المتاحة وبين إحتياجات الثروة الحيوانية في مصر من الأعلاف.
3- تفشى الأوبئة والأفات والعديد من الأمراض الحيوانية المتوطنة والوافدة.
4- إنتشار أنظمة إنتاجية ذات مدخلات ضعيفة تفتقر الى توظيف المهارات والمعارف المتطورة تحول دون إستخدام التقانات الحديثة ووسائل تطوير الإنتاج.
5- عدم وجود خبرة حديثة كافية وإعتماد جزء كبير من مربى الحيوانات على التربية التقليدية وعدم إستخدام الأساليب الحديثة في الإنتاج الحيوانى.
خارطة طريق إنقاذ الثروة الحيوانية المصرية:
1- إستخدام التلقيح الاصطناعى وتجنب الإفراط في إستعمال التلقيح الطبيعى عن طريق الطلائق حيث وجد أن الإفراط في إستعمال الطلوقة يسبب الهزال والضعف وإنتشار الأمراض التناسلية بسهولة من الذكر المصاب الى الإناث والعكس وكذلك عدم القدرة على التغلب على إختلاف الحجم والوزن بين الذكر والانثى كما أن الطلائق غير المختبرة (وهى منتشرة على نطاق واسع بين صغار المربين) لها تاثير سلبى على النسل الناتج.
2- التوسع في إستخدام برامج التلقيح الإصطناعى لتعزيز فعالية التناسل وتحسين الصفات الوراثية ونشر التحسين الوراثي في آلاف المواليد بكفاية عالية وسرعة كبيرة
3- تطبيق ممارسات إدارية جيدة في مزارع الإنتاج الحيوانى
4- التحسين الوراثى المستمر للسلالات المحلية
5- تطبيق نُظم الإنتاج التي تتناسب والظروف المناخية لجمهورية مصر العربية خاصة مع التغيرات المناخية في الأونه الأخيرة.
6- إستيراد سوائل منويه مجمدة لطلائق أجنبية مختبرة وراثيا عالية الإنتاجية يمكن إستخدامها لعديد السنين.
7- العمل على تحسين طرق تحديد الجنس في السائل المنوي في الطلائق المختبرة مما يمكن من التوسع في إنتاج الإناث من ماشية الحليب والذكور من ماشية اللحم.
8- مشاركة القطاع الخاص في إنشاء المزارع المتطورة والتي تلائم السلالات الأجنبية عالية الإنتاجية من اللحوم والالبان.
9- التوسع في برامج تطوير مصادر الأعلاف وتغذية الحيوان.
10- مراقبة الأمراض المعدية والأمراض العابرة للحدود ورسم خرائطها للسيطرة عليها، وتشخيص الأمراض ومعالجتها.

في النهاية.. فإن السلالة المثلى هي تلك التي تتكيف بشكل جيد مع الظروف المحلية ، وتكون قادرة على الإستفادة من الغذاء المتاح، وتكون لها إنتاجية ذات جودة جيدة.

*أستاذ فسيولوجيا التناسل المساعد مركز بحوث الصحراء

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved