العلمانية الفرنسية.. هل تحقق المساواة وفصل الدين عن الدولة حقا؟

آخر تحديث: الأربعاء 28 أكتوبر 2020 - 6:01 م بتوقيت القاهرة

الشيماء أحمد فاروق

مصطلح العلمانية أحد المفردات التي ربما ستسمعها كثيراً إذا ما تتبعت خطابات المسئولين الفرنسين، خاصة الرئيس إيمانويل ماكرون كذلك العديد من المسئولين، حيث تعرف فرنسا نفسها، وغالبًا ما يتم وصفها بأنها دولة علمانية بارزة تفصل تمامًا بين الدين والدولة، ففي عام 1905 فصل القانون رسمياً بين الكنيسة عن باقي المؤسسات الفرنسية.

هل تتبع فرنسا نظاماً علمانياً متشدداً؟

يقول المؤرخ البريطاني، سودهير هازار سينج، على الرغم من الفخر بأن العلمانية هي عنصر دائم في التقليد الثوري الفرنسي، إلا أن أصوله في القانون العام حديثة نسبيًا، وعلى الرغم من تقديم العلمانية في الوقت الحاضر كقيمة فرنسية عالمية، إلا أن هذا غير صحيح، ولا ينطبق قانون 1905 في منطقة الألزاس - موزيل، حيث المدارس ليست علمانية ولا يزال المسؤولون الدينيون يتلقون رواتب حكومية.

كان المقصود من العلمانية في الأصل أن تكون مبدأ محايدًا، من خلال سحب تمويل الدولة من جميع المعتقدات الدينية، ووضعهم على قدم المساواة، وتمكين المواطنين من ممارسة معتقداتهم الدينية دون تدخل، ولكن الوضع لم يصبح كذلك، على حد قول هازار سينج لموقع فينانشيال تايمز.

يوضح هازار سينج أن العلمانية أصبحت وسيلة لرصد السلوك والقيم الاجتماعية للأقليات، خاصة المسلمة في البلاد، مشيرًا إلى أن الآونة الأخيرة كثر فيها الاستشهاد بالعلمانية كمبرر لحظر النقاب، ورفض توفير بدائل لحم الخنزير في المدارس، وحظر ارتداء الحجاب عام 2004، وغيرها من الممارسات.

وأشار إلى أنه كان الدافع وراء تلك التصرفات هو القلق المتزايد لدى الفرنسين بشأن هويتهم، خاصة بعد أن أصبح الإسلام ثاني أكبر ديانة في فرنسا، وحاولت العلمانية توفير الإطار القانوني والسياسي لإدارة عملية الاندماج.

وأضاف أن العلمانية ليست حلاً مناسبًا للمشاكل التي يواجهها العديد من المسلمين والأقليات الأخرى في فرنسا، مثل البطالة والتمييز العنصري والنفي في الضواحي البعيدة للمدن الكبرى، وضعف التحصيل في نظام التعليم، الذي يعد أقل دول العالم الغربي مساواة، وفقًا لتقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

هل العلمانية الفرنسية أسطورة غير حقيقية؟

تقول مايانثي فيرناندو، الأستاذ الأنثربولوجيا المشارك في جامعة كاليفورنيا، إنه تنبع المشكلة التي تعيشها فرنسا من تناقضات العلمانية والمواطنة وعجز الأغلبية عن تصور المسلمين كفرنسيين أصليين حتى المولودين على أرضها.

ويعد المسلمون الفرنسيون عالقون بين مجموعة من تناقضات نموذج المواطنة الفرنسي، حيث تعترف الدولة الفرنسية ظاهريًا بالأفراد كأفراد وليس كأعضاء في جماعة، لكنها أيضًا تتعامل بتمييز مع الأقليات، لأن فرنسا ترفض الاعتراف بالهويات الطائفية، وفق لما ذكرته فيرناندو لموقع "ذا كونفيرزيشن".

وتظهر أبحاث العلوم الاجتماعية أن المهاجرين غير البيض، من أصل غير فرنسي، وأحفادهم كمجموعة يعانون من التمييز المنهجي على أساس العرق والثقافة والدين.

أوضحت فيرناندو أيضاً أن المواطنون والمقيمون المسلمون يعانون من مستويات عالية بشكل غير متناسب من البطالة ويواجهون التمييز في عملية التوظيف، ويُسجن المسلمون بشكل غير متناسب، ويرجع ذلك جزئيًا إلى التنميط العنصري والمعاملة التفاضلية في نظام العدالة الجنائية، كما يلتحق الأطفال المسلمون بمدارس عامة مكتظة وتعاني من نقص التمويل .

ومن المفارقات الأخرى المرتبطة بالتمييز، يحتوي قانون 1905، المرجع الأساسي للعلمانية في فرنسا، على عدد من الاستثناءات، منها أنه يحظر تمويل الحكومة للمباني الدينية الجديدة، فإنه يسمح للحكومة بدفع تكاليف صيانة المباني الدينية التي بنيت قبل عام 1905، كما تدعم الدولة أيضًا المدارس الدينية الخاصة، ومعظمها كاثوليكي وبعضها يهودي.

ومع ذلك عندما يطلب المسلمون الفرنسيون نفس النوع من التسهيلات المقدمة للمجتمعات الدينية الأخرى في فرنسا، يتم تذكيرهم بأن فرنسا دولة علمانية تتطلب المواطنة الصحيحة فيها فصل الدين عن الحياة العامة، على حد قول فرناندو والتي أكدت على أن مطالب المسلمين تقع ضمن حقوقهم ضمن معايير العلمانية، ولكن يتم تفسيرها من المسئولين على نحو متناقض، وأصبحت الأساس للتشكيك في لياقة المسلمين كمواطنين فرنسيين حقيقيين، من قبل الكاثوليك الفرنسيين ذوي الميول اليمينية والعلمانيين الفرنسيين اليساريين.

هل هذا المستهدف من الجمهورية العلمانية؟
يقول روبرت زاريتسكي، أستاذ التاريخ في جامعة هيوستن، إنه إذا كانت فرنسا في حالة حرب مع الإرهاب، فهي أيضًا في حالة حرب متزايدة مع نفسها حول معنى العلمانية الحقيقي، مشيرًا إلى أن الصراعين متشابكين بشدة مع بعضهما البعض، ما يعيد تشكيل شعور فرنسا بالهوية الوطنية بشكل كبير، مؤكدًا أن مصطلح الفرنسي للعلمانية قد اكتسب الكثير من الغموض.

وعندما سنت الجمهورية الفرنسية الثالثة الفصل بين الكنيسة والدولة، قدمت تعريفًا بسيطًا للمصطلح، جاء فيه أن العلمانية تضمن حرية الضمير لجميع المواطنين الفرنسيين، وتم توضيح هذا القانون بمزيد من التفصيل في دستور الجمهورية الخامسة، ويضمن المساواة بين جميع المواطنين أمام القانون، دون تمييز بسبب أصلهم أو عرقهم أو دينهم.

ويوضح زاريتسكي، أنه لما يقرب من قرن من الزمان عملت العلمانية بشكل جيد، ووفرت مساحة عامة ليس فقط الكاثوليك والبروتستانت، ولليهود أيضًا، ولكن مع الثمانينيات والتسعينيات جاء عدد متزايد من المهاجرين، ومعظمهم من المسلمين، من شمال إفريقي، وهكذا بدأ يتشكل نوع مختلف من الصراع بين الدولة الفرنسية والدين.

ووصف العلمانية الفرنسية الحالية بالأصولية العدوانية، بناء على آراء خبراء مختلفين، مؤكدًا أن هذا ساهم في تطرف الشباب، الذين يحولون أنفسهم بعد ذلك إلى إرهابيين.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved