فرنسا تستهدف «التطرف الإسلامي» وسط خلاف مع تركيا

آخر تحديث: الأربعاء 28 أكتوبر 2020 - 6:08 ص بتوقيت القاهرة

بي بي سي

كان المسجد في بانتان، شمال شرقي باريس، من بين أولى العلامات على أن شيئا ما مختلف هذه المرة.
المبنى، على شكل حظيرة طائرات به نوافذ صغيرة على ارتفاع عالٍ في جدرانه المموجة، يقف فارغا ومغلقا.
في الخارج يوجد إشعار رسمي، تم تسجيله على شريط من البلاستيك ضد المطر، يعلن إغلاق المسجد قسريا من قبل الحكومة "لإشتراكه في الحركة الإسلامية"، ولمشاركة مقطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي يستهدف المعلم صمويل باتي.

جاءت حملة الحكومة الفرنسية على "الإسلاميين المتطرفين"، رداً على قطع رأس مدرس التاريخ صمويل باتي خارج باريس هذا الشهر، سريعة وقاسية واستتبعت عاصفة من الاستفسارات، الإغلاقات، الخطط، والمقترحات التي كان من الصعب أحيانا تتبعها.

نُقل على نطاق واسع عن الرئيس إيمانويل ماكرون قوله لمجلس دفاعه الأسبوع الماضي: "الخوف سيغير المواقف".

وأعلنت الحكومة عن أكثر من 120 عملية تفتيش لمنازل مملوكة لأفراد، وحل جمعيات متهمة بنشر خطاب إسلامي، وخطط لاستهداف تمويل الإرهاب، ودعم جديد للمعلمين، وضغوط جديدة على شركات التواصل الاجتماعي لمراقبة المحتوى بشكل أكثر كفاءة.
لم يحدث شيء بهذا الحجم عقب هجمات أخرى مشابهة حدثت في عهد الرئيس ماكرون، على الرغم من القتل العنيف لنحو 20 شخصا خلال فترة ولايته، من بينهم ضباط شرطة وشابة في محطة قطارات، ومتسوقون في سوق عيد الميلاد. إذن ما الفرق الآن؟.
مراقبة أوسع
جيروم فوركيه محلل سياسي ومدير وكالة استطلاع الرأي IFOP يعتقد أن هذا الهجوم كان مختلفا، سواء في استهداف المعلم أو في وحشيته، وأنه كان هناك "تحول في السرعة" داخل الحكومة.
وقال: "لم نعد نتعامل مع شبكات جهادية منظمة، بل مع إرهابي جاء من بلدنا، فرد منعزل أصبح متطرفا".
"تعتقد الحكومة أن الرد لا يمكن أن يكون فقط عن طريق تطبيق القانون. هناك حاجة أيضا إلى إدارة الشبكات الاجتماعية والجمعيات، لأن هذه الحالة المأساوية تلقي الضوء على شبكة كاملة، تنشر خطابات الكراهية بين السكان. يحتاج النظام إلى تغيير".
وقال إن دراسة استقصائية أجرتها وكالة IFOP قبل عامين، أشارت إلى أن ثلث المعلمين قد "خضعوا لرقابة ذاتية"، لتجنب النزاعات حول العلمانية. ويعتقد أن الحكومة محقة، في تحدي ما يقول إنها تهديدات أيديولوجية لقوانين الجمهورية، إلى جانب التهديدات الأمنية.
لكن لوران موتشيلي، عالم الاجتماع في المركز الوطني الفرنسي للبحوث العلمية، يقول إن الرئيس ماكرون وحكومته "بالغوا في رد الفعل" لأسباب سياسية. على وجه التحديد، الانتخابات الرئاسية في عام 2022.
وقال موتشيلي: "ماكرون يصب الزيت على النار. إنه لا يريد الظهور في الخلف، مقارنة باليمين وأقصى اليمين. هدفه الرئيسي هو إعادة انتخابه في عام 2022 ، (لذلك) يحتاج إلى احتلال أرض أقصى اليمين. وقد كانت قضاياهم الرئيسية منذ نهاية القرن التاسع عشر هي الهجرة والأمن ".
أظهر استطلاع للرأي الأسبوع الماضي أن الزعيمة اليمينية المتطرفة، مارين لوبان، هي الزعيمة السياسية الأكثر ثقة في فرنسا في الحرب ضد الإرهاب، يعقبها ماكرون بأربع نقاط. وقد يجد الزعيمان نفسيهما في مواجهة بعضهما البعض، في جولة الإعادة الرئاسية في غضون 18 شهرا.
يُنظر إلى الأمن على نطاق واسع على أنه نقطة الضعف في درع الرئيس ماكرون، بعد صورته القوية في الخارج والإصلاحات الاقتصادية القوية في الداخل. لكن مارين لوبان وصفت أيضا التعبير العلني السلمي عن الإسلام باعتباره تهديدا للهوية الوطنية الفرنسية.

توترات ثقافية
خلال الفترة التي قضاها في المنصب، اهتم ماكرون كثيرا بالتمييز بين التهديدات الأمنية والعلمانية.
لفترة طويلة، كان غالبا ما كان يتجنب الأسئلة حول الحجاب، أو ملابس السباحة البوركيني أو الوجبات المدرسية الحلال. لكن السياسات المحمومة حول التعبير الديني في فرنسا جعلت الكياسة تبدو أحيانا وكأنها ترف.
في سبتمبر / أيلول الماضي، انسحبت آن كريستين لانغ، عضو البرلمان عن حزب "الجمهورية إلى الأمام" الليبرالي الذي يتزعمه ماكرون، من الجمعية الوطنية بعد أن طُلب منها الاستماع إلى شهادة امراة ترتدي الحجاب الإسلامي.
وقالت: "لا يمكنني قبول أنه داخل الجمعية الوطنية، القلب النابض للديمقراطية، سوف نقبل شخصا يرتدي الحجاب".
وفي فرنسا يُطلب من الموظفين العموميين - مثل المدرسين ورؤساء البلديات - عدم إظهار أي علامات علنية تدل على معتقداتهم الدينية، لكن أفراد الجمهور لا يواجهون مثل هذا القيد بموجب القانون، حتى داخل المباني العامة.
لم يوقف ذلك الخلافات الغاضبة حول ما إذا كان بإمكان الأمهات، اللائي يرتدين الحجاب، مرافقة فصول أطفالهن في الرحلات المدرسية، أو ما إذا كان يمكن للسابحات على الشاطئ ارتداء البوركيني. هذه المناقشات عادة ما تكون مصحوبة باتهامات باسترضاء المسلمين من جانب اليمين، واتهامات بكراهية الإسلام من جانب اليسار.
في هذا الجو السياسي، يأتي جنون النشاط الحالي بعد مقتل صموئيل باتي، الذي استُهدف لعرضه رسوما كاريكاتورية للنبي محمد على فصل دراسي.
بعد دولي
وسواء اجتذب رد الحكومة أنصار الرئيس ماكرون في الداخل أم لا، فمن المؤكد أنه أثار منتقديه في الخارج.

ثارت احتجاجات في ليبيا وبنغلاديش وقطاع غزة، إلى جانب دعوات لمقاطعة المنتجات الفرنسية، وحرب كلامية متصاعدة مع تركيا.
دعم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان دعوات المقاطعة، وشكك علانية في صحة ماكرون العقلية ، بعد أن دافع الرئيس الفرنسي عن القيم العلمانية لفرنسا الأسبوع الماضي، قائلاً إن بلاده "لن تتخلى أبدا عن رسومها الكارتونية".
استدعت فرنسا الآن سفيرها لدى أنقرة.
ولكن مثل العديد من العلاقات المعقدة، فإن هذه العلاقة لها تاريخ طويل. يعدد ماكرون بالفعل قائمة طويلة من الشكاوى ضد نظيره التركي، بما في ذلك عمليات تركيا ضد الميليشيات الكردية في سوريا، والتنقيب عن الغاز في شرق البحر المتوسط، وخرق حظر الأسلحة على ليبيا.
الآن، أثارت جريمة القتل المروعة ورد فعل فرنسا عليها خلافات جديدة - داخل فرنسا وخارجها - حول الحدود بين الدين والسياسة، وكيف يستخدمها من هم في السلطة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved