حكايات عن «مبارك وزمانه».. بعيون هيكل.. كيف «تقدم مبارك من الصفوف فجأة إلى قمة السلطة»؟

آخر تحديث: السبت 29 فبراير 2020 - 10:12 ص بتوقيت القاهرة

كتب ــ حسام شورى:

- مبارك لم يفضل الإجازات خلال دراسته.. وكان على استعداد للاستمرار نوبتجيًا

- أحد معاونى مبارك: انبهاره كان بالغِنى وبالأغنياء.. وكان شغوفًا بسماع تفاصيل حياة الآخرين


- السلام والطيران والمنوفية ضمن أسباب اختيار السادات لمبارك نائبًا


بعد تحرك الجماهير الكبيرة فى يناير 2011 للتظاهر اعتراضا على سياسة حكم الرئيس الأسبق الراحل محمد حسنى مبارك، ونجاحهم فى إرغامه على اختيار التنحى عن الحكم، وإسناد مهمة إدارة البلاد إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة، انهالت الكتابات المعارضة لمبارك أغلبها المشكك فيه وفى مسيرته وتحميله كل صغيرة وكبيرة، دون منطق أو عقل، أو حتى شواهد واضحة يعتمدون عليها.


ولكن الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، فى هذه الأثناء، حاول «البحث عن الرجل ــ مبارك ــ ذاته»، وكذلك «البحث عن لغز رجل حكم مصر ثلاثين سنه تغيرت فيها الدنيا وبقى هو لا يتأثر»، ليخرج لنا كتاب «مبارك وزمانه.. من المنصة إلى الميدان»، الصادر فى عام 2012 عن دار الشروق.


يروى الكاتب الكبير فى كتابه كثيرا من الوقائع والحكايات ارتبطت بـ«رجل تقدم من بين الصفوف فجأة إلى قمة السلطة، وقد يقبله الناس لظروف، لكن «الظروف» ــ فى العادة ــ لا تطول إلى ثلاثين سنة!!»، حتى إنه «على الرغم من خلعه عن السلطة..فإنه لم يترك دائرة الضوء»، فيشير هيكل إلى أن «تلك كلها ليست أمورا سهلة، تؤخذ بظواهرها. وإنما لابد أن يكون وراءها شىء لم تلمحه الأوصاف، ولم تحسبه التقديرات».


وفى السطور التالية نستعرض بعض الحكايات والمواقف الخاصة بالرئيس الراحل، وبعصره الممتد، حسبما أوردها هيكل فى كتابها، لعلها تفسر شيئا من الذى «لم تلمحه الأوصاف»...

لمحات عن شخصية مبارك


يروى هيكل أنه عند العودة إلى ملفاته وأوراقه، فى رحلة البحث عن مبارك، لمح مصادفة قصاصة لمقال منشور بجريدة «الواشنطن بوست» فى يوم 7 أكتوبر 1981، بدأ بجملة «إنه حتى هؤلاء الذين يُقال إنهم يعرفون «مبارك» هم فى الحقيقة لا يعرفون عنه شيئا»، وأنه قد توقف عند تلك القصاصة بنفس الشعور الذى جعله يحتفظ بها قبل ثلاثين سنة، لأننا بالفعل أمام رجل رأيناه كل يوم وكل ساعة، وسمعناه صباح مساء، واستعرضنا الملايين من صوره على امتداد ثلاثين سنة، لكننا لم نكن نعرفه ولا نزال!!» بحسب تعبيره.


ويقول هيكل فى كتابه إنه وخلال سنوات طويلة سمع ــ دون قصد ــ آراء كثيرين ممن عرفوه، فـ«بعض من عرفوا أسرته فى كفر المصيلحة» وكثير من الحكايات التى سمعها من شقيقه سامى مبارك و«بعض زملائه فى الكلية الحربية، وفى كلية الطيران ــ يجيبون إذا سُئلوا بأنه «لم يعط سره لأحد» على حد تعبير أحدهم، وهم يعرفون أنه يحب سماع الحكايات وروايتها، ويحب إطلاق النكات وتكرارها، لكنه وراء ذلك كتوم!!.


وبعضهم أضافوا أنه رجل يثابر أكثر من كونه رجلا يفكر، وهو مستعد أن يعوض بالنشاط العضلى ما يفوت عليه بالنشاط العقلى، وهو جاهز لذلك طول الوقت.


وأنه كان شديد الطاعة لرؤسائه، يكرس جهده دائما لإرضائهم مهما كانت المهام التى يطلبونها منه، وأثناء الدراسة فى كلية الطيران لم يخرج فى الإجازات، وإنما كان على استعداد باستمرار للبقاء فى الكلية نوبتجيا، بينما غيره ينتظر الإجازات ويتشوق لها».


كما عبر أحد معاونى مبارك الذين خالطوه عن قُرب فى بعض مراحل عمره بالقول: «إن انبهاره الأكبر كان بالغِنى وبالأغنياء، والثروة والأثرياء، وعندما يعرف أن أحد زملائه ينتمى إلى أسرة غنية، فإن سؤاله باستمرار كان طلب ترجمة الأوصاف إلى أرقام بسؤال «يعنى يطلع عنده كام؟!». فقد كان شغوفا بكل ما يستطيع أن يسمع من تفاصيل عن حياة الآخرين، وأن تلك كانت من خصاله، منذ كان ضابطا صغيرا حتى أصبح رئيسا.


ويشير هيكل إلى صفة ركز عليها من عرفوا «مبارك» عن قُرب وهى «أنه لا يحب أن يسمع كلمة طيبة عن غيره» وأضاف أنه لمح ذلك من موقف رواه له رئيس الوزراء اللبنانى «رفيق الحريرى»، فى أول زيارة رسمية له إلى مصر بعد توليه منصب رئيس الوزراء، بأنه عندما التقى مبارك وضعه فى حرج شديد مع وزير الخارجية وقتها، عمرو موسى، الذى حضر الدقائق الأخيرة من اللقاء، وقد أراد الحريرى مجاملة الرئيس المصرى بمدح وزير خارجيته، فقال له: «سيادة الرئيس اسمح لى أن أهنئك على نشاط وزير خارجيتك»، وعندها توقف «مبارك» فى مكانه، وقد بدا عدم ارتياحه قائلا لرفيق الحريرى، «إيه.. وزير الخارجية لا يرسم سياسة.. رئيس الدولة يرسمها»!! وأن مبارك لم يكتف بذلك بل التفت إلى عمرو موسى قائلا له: «عمرو.. اشرح للأخ «رفيق» أن وزراء الخارجية لا يرسمون السياسة، ولكن ينفذونها فقط!».


وبالرغم من كل ما سرده هيكل بطول كتابه من أوصاف بكل ما تقدمه من دلالات وإيماءات، إلا أنها لا تكفى بنظره لتفسير «مبارك»، ولا لتقييم شخصيته، فهو «رجل مشى فى عمله الوظيفى من أصغر رتبة إلى أعلى رتبة، ومشى على خط متواصل دون عقبات أو عثرات تعترض طريقه أو تعطِله، وتساقط خصومه ومنافسوه أمامه واحدا بعد الآخر، وبقى هو بعد الجميع، وتلك استمرارية تحتاج إلى تفسير أكثر اتساعا وعمقا من كل ما هو شائع وذائع من الحكايات والروايات».

لماذا اختاره السادات نائبا له؟
يحكى هيكل أنه تكررت اللقاءات والاتصالات بينه وبين الرئيس الأسبق محمد أنو السادات، فى السنوات الأولى من حكمه، وفى مارس 1975 حدث لقاء بينهما، فى استراحة القناطر من الساعة العاشرة إلى الساعة الثالثة بعد الظهر.


حيث كان «السادات» حائرا بشأن منصب نائب الرئيس فى العهد الجديد بعد أكتوبر، وكان يرى أن الرئاسة تحتاج إلى دماء جديدة وعبر عن ذلك قائلا: «جيل يوليو لم يعد يصلح، والدور الآن على جيل أكتوبر، ولابد أن يكون منه ومن قادته اختيارى لنائب الرئيس الجديد».


وعندما سأله «هيكل» عن لماذا يحصر الرئيس اختيارته فى جيل أكتوبر فقط!، رد «السادات» بطريقته حين يريد إظهار الحسم: «أنت تعرف أن الرئيس فى هذا البلد لخمسين سنة مقبلة لا بد أن يكون عسكريا، وإذا كان كذلك، فقادة الحرب لهم أسبقية على غيرهم!».


وسأل السادات هيكل: ما رأيك فى «حسنى مبارك»؟.. فرد عليه «هيكل» بأن هناك قادة قاموا بأدوار أكثر تأثيرا من «مبارك» فى الحرب، فاقترح عليه أسماء مثل «الجمسى» وزير الدفاع، والذى كان مديرا للعمليات، أو محمد على فهمى، قائد الدفاع الجوى، وهو السلاح الذى قام بالدور الأكثر تأثيرا فى المعركة بحائط الصواريخ، ولكن لحقه «السادات» ورد: «لا، لا أحد من هؤلاء يصلح، «مبارك» أحسن منهم، خصوصا فى هذه الظروف».


وكان تبريره لاختيار «مبارك»، أن هناك قيادات فى الجيش لم تفهم بعد سياسته فى «عملية السلام» ومقتضياتها، وأن هناك عناصر فى الجيش لا تزال مشايعة لـ«مراكز القوى» أو متعاطفة مع «سعد الشاذلى».


وكانت قضية تأمين النظام فى ظروف تحولات حساسة أحد أبرز النقاط التى ارتكز عليها «السادات» فى اختياره لـ«مبارك»، وعبر عن ذلك مستشهدا بتجربة شاه إيران محمد رضا بهلوى بوصفه «سياسى عقر» عندما اختار زوج شقيقته الجنرال محمد فاطمى، قائدا للطيران عنده حكمة؛ لأن الطيران يستطيع أن يتدخل بسرعة، وبقوة نيران كثيفة لمواجهة أى تمرد أو عصيان، أو حتى محاولة انقلاب!.


وقال «السادات»: «التأمين قضية مهمة فى المرحلة المقبلة بكل ما فيها من تحولات قد لا يستوعبها كل الناس بالسرعة الواجبة».


فأخبره «هيكل» بأن «الشاه» عين زوج شقيقته قائدا للطيران، وليس نائبا لرئيس الدولة، و«مبارك» لا خبرة له بشئون الحكم فى سياسة كل يوم، خصوصا ما يتعلق منها بمطالب الناس ومشكلاتهم!.


فاقترح «هيكل» أن تُتاح فرصة مختلفة لـ«مبارك» بأن يكون وزيرا لإحدى وزارات الإنتاج أو الخدمات، حتى يتفهم أحوال الإدارة المدنية، وحتى يحتك بمطالب الناس وحاجاتهم، وكان رد «السادات»: «لا، لو فعلت ما تقترحه، فسوف أحرقه، الإنجاز السريع فى الوزارات التنفيذية مسألة فى منتهى الصعوبة».


وكان من أبرز ما رآه «السادات» فى «مبارك» هو أنه ابن بلدته وهو ما عبر عنه ضاحكا: «إن «مبارك» منوفى «مثلى»!».


كيف سأل زعماء العالم مبارك عن «مشروع التوريث».. وماهو رده؟
فى الفترة الأخيرة من حقبة حكم مبارك، راجت أحاديث عن خطط تُرسم، وسيناريوهات تُعد من أجل «التوريث»، وأن رجال نظام «مبارك» والحزب الوطنى كانوا ينتظرون اللحظة المناسبة لطرح جمال مبارك، الابن الأصغر للرئيس، بديلا عن والده لرئاسة الجمهورية.


وظلت التكهنات حول الموضوع حائرة على الأفق باستمرار، وتكاثر السؤال عن «التوريث» بمناسبة وبغير مناسبة، وقد كان السلطان «قابوس»، سلطان سلطنة عُمان الراحل، أول من سأل «مبارك» عن مشروعه لابنه، وكان «جمال»، قد عاش خمس سنوات تقريبا فى بيت يملكه أحد رجال الأعمال من حاشية السلطان فى حى «كينسنجتون» فى لندن، وبالتالى فإن سلطان عمان، أصبح بين أوائل من عرفوا بخطط انتقال الابن من بيت «كينسنجتون» فى لندن إلى بيت الرئاسة فى القاهرة.


وكان رد «مبارك» على السلطان، بأن قرينته، سوزان مبارك، قلقة من أن تطول إقامة ابنها فى لندن، ومن ثم تصعب عليه العودة إلى مصر، ثم إن بقاءه فى لندن ربما ينتهى بزواجه من إنجليزية أو أجنبية، وهى لا تريد ذلك، وأنها بحثت فى أوساط العائلات المصرية التى تعيش فى لندن عن عروس مناسبة لابنها، ولم تعثر على مرشحة تتوافر لها المواصفات التى تطلبها!.


وكان السائل الثانى عن «مشروع التوريث»، هو الزعيم الليبى «معمر القذافى»، الذى لاحظ ظهور «جمال» بشكل منتظم على الساحة السياسية المصرية، وجاء سؤاله مباشرا لـ«مبارك»، عما إذا كان هناك تفكير فى التوريث على طريقة «بشار»!.


لكن «مبارك» استنكر، وفاجأ «القذافى» بقوله: «إن تجربة «بشار الأسد» غير قابلة للتكرار فى مصر، وأن مصر ليست سوريا، وأيضا فإن النظام فى مصر جمهورى، والنظام الجمهورى لا يعرف توريثا للحكم!».


وأضاف «مبارك» لـ«القذافى»، أنهم فى رغبتهم لاستعجال عودة الابن ــ رأوا إغراءه بشاغل جديد يستهويه، وأنهم أعطوه بعض المهام السياسية «يتسلى بها»، كى لا يفاجئهم ذات يوم بأنه عائد إلى لندن، ثم يسمعوا أنه تزوج واستقر هناك.


وكان السائل الثالث أجنبيا، هو الرئيس الفرنسى «چاك شيراك»، وجاء سؤاله فى أثناء لقائه مع «مبارك»، فى قصر «الإليزيه» فى باريس، فبراير سنة 2004، وجاء رد «مبارك»، بأن كل الذى يتردد فى هذا الصدد شائعات ينشرها بعض الصحفيين، وهدفها الإساءة إليه، بينما كل ما حدث أنه يستعين بابنه فى إدارة مكتبه كما يفعل الرئيس «شيراك» نفسه مع ابنته.


ويومها وافقه «شيراك»، على أنه بالفعل يستعين بابنته «كلود»، واختارها فعلا مساعدة له، مختصة بالعلاقات العامة.


وكان من ضمن المتسائلين أيضا الرئيس الأمريكى الأسبق «چورچ بوش»، عندما كان «مبارك» فى واشنطن، ورد عليه «مبارك» ضاحكا: «ألم يكن والدك رئيسا ثم جئت أنت هنا بعده؟!!»، ورد «بوش»: «إن ذلك كان بالانتخاب الحر، وأن هناك فاصلا مدته ثمانى سنوات من إدارة «كلينتون»، باعدت بين رئاسة الأب ورئاسة الابن».

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved