بعد رحيله.. كيف تدبر المفكر الإسلامي محمد عمارة آيات القرآن الكريم بشكل أعمق ؟

آخر تحديث: السبت 29 فبراير 2020 - 8:01 م بتوقيت القاهرة

توفي الدكتور محمد عمارة، المفكر الإسلامي وعضو هيئة كبار العلماء، مساء أمس الجمعة، عن عمر يناهز 89 عاما.

ويعد عمارة واحدا من الأسماء البارزة بين المفكرين الإسلاميين كما أنه قدم إسهامات بحثية كثيرة، إضافة لعضويته بمجمع البحوث الإسلامية وهيئة كبار العلماء، وهو أحد القلائل الذين حملوا على عاتقهم مهمة مواجهة منتقدي الإسلام، مستندًا إلى العقل والمنطق.

وكان آخر ما نُشر لعمارة سلسلة مقالات تحت عنوان «نحو تدبر أعمق لآيات القرآن الكريم»، في رمضان 2019، في مجلة «الأزهر» التي رأس تحريرها لمدة 4 سنوات بداية من 2011 حتي 2015. حاول خلالها قراءة القرآن بمزيد من التدبر والتفكير، والتركيز على المعاني الغريبة فــي الثقافة العامة المنتشرة بين الناس، والتي تضع عقل القارئ أمام آفاق من الإعجاز، اللغوي المبهر للقرآن الكريم، مستعينا في ذلك بكتاب (المفــردات في غريب القرآن) للراغب الأصفهاني.

فيقول عمارة في التمهيد لما سيطرحه: «إن قارئ القرآن قراءة التدبر لن يكتشــف، آفاق هذا التدبر إلا إذا وقف إزاء كل كلمة من المفردات الغريبة، فاكتشــف الأسرار الغائبة عن المعاني الشائعة لهذه المفــردات.. وعند ذلك سيعرف معنى أن هذا الكتاب لا تنقضي عجائبه».

وفي السطور التالية نستعرض بعض المفردات التي حاول عمارة قراءتها وتدبرها بشكل أعمق:

1- فإن كلمة (البرهان) في الثقافة العامة إنما تعني (مطلق الدليل).. لكنها في القرآن الكريم تعني (أوكد الأدلة) وليس مطلق الدليل..
والأدلة إنما تأتي على خمسة أنواع:
أ- دلالة تقتضي الصدق ً أبدا، وهي البرهان.. كما هو في آية (قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ) (البقرة: ١١١)
ب- ودلالة تقتضي الكذب أبدا.
جـ- ودلالة هي إلى الصدق أقرب.
د- ودلالة هي إلى الكذب أقرب.
هـ- ودلالة هي إليهما سواء.

٢ -وكلمة (الظن) تطلق في القرآن على درجات متعددة تبدأ من (الوهم) وتتدرج ـ صعودا ـ حتى تصل إلى (العلم).. فالظن اسم لما يحصل عن أمــارة، ومتى قويت هذه الأمارة أدت إلى (العلم) ومتى ضعفت جدا لم تتجاوز (الوهــم) وإذا استعمل مع لفظ (الظن) (أن) المشــددة أو (أن) الســاكنة دل على القوة.. فالظن في (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ) (البقرة : ٤٦) معناه (اليقين)، وكذلك في: (وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ) (الأنبياء: ٨٧).

٣- والناس لا يميزون بين معنى (النبأ) ومعنى (الخبر).. ووكالات (الأنباء) هي وكالات (الأخبار).. وكذلك الحال مع وســائل الإعلام...
بينما يتفرد القرآن الكريم بتمييز معنى (النبأ) عن معنى (الخبر).. (فكل نبأ هو خبر.. وليس كل خبر يسمى نبأ)، ذلك أن النبأ هو الجامع لعدة شروط:
أـ أن يكون ذا فائدة عظيمة.
ب ـ أن يحصل به علم.
جـ ـ أو غلبة ظن.
فاجتماع هذه الشروط الثلاثة في الخبر يجعله، نبأ وإلا كان مجرد خبر من الأخبار.

٤- والناس يعتقدون أن (اللمم) هي صغائر الذنوب التي لم يرد فيها حد من الحدود (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ ۚ) (النجم: ٣٢) بينما المعنى القرآني لهذا (اللمم) هو مقاربة الذنب دون ارتكابه ومواقعته.

٥ -والشائع في الثقافــة العامة أن (الجهل) هو المقابل (للعلم) بينما يكشــف القرآن الكريم عن أن للجهل مستويات ثلاث:
أ- خلو النفس من العلم.
ب- واعتقاد الشيء بخلاف ما هو عليه.
ج- وفعل الشيء بخلاف ما حقه أن يفعل سواء اعتقد فيه اعتقادا صحيحا أو فاسدا.

٦ -ومصطلح (الحق) يعني في الثقافة العربية العامــة: المطابقة للواقع.. بينما نجد لهذا المصطلح في القرآن الكريم أربع تنوعات ودرجات:

أ- فهو يقال لموجد الشيء بسبب ما تقتضيه الحكمة فيكون اسما من أسماء الله سبحانه وتعالى: (ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ ۚ ) (الأنعام: ٦٢)

ب- ويطلق علــى الشيء الموجود بحسب مقتضى الحكمة: (مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلا بِالْحَقِّ) (يونس: ٥)

جـ- ويقال في الاعتقاد للشيء المطابق لما عليه ذلك الشيء في نفسه: (فَهَدَى الله الذين آمَنُواْ لِمَا اختلفوا فِيهِ مِنَ الحق بِإِذْنِهِ) (البقرة: ٢١٣)

د- ويقال للفعل والقول الواقع بحســب ما يجب، وبقدر ما يجب، وفي الوقت الذي يجب: (كَذَٰلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ) (يونس: 33)

٧ -وفي الثقافة العربية العامة تطلق كلمة (الزبور) على الكتاب الذي أوحاه الله إلى النبي داود، بينما يكشف المعنى القرآني لهذه الكلمة عن أن المراد بها هو الكتاب الذي تضمن (الحكمة) وخلا من (الأحكام).

٨ -وفي الثقافة العربية العامة تسوية بين (العقل) وبين (اللب) فذوو العقول هم أولو الألباب.. أما في معاني مفردات غريب القرآن فـإن اللب أخص من العقل.. فالعقل هو مطلق فعل التعقل، بينما اللب هو العقل الخالص من الشوائب، فكل لب عقل وليس كل عقل لبا: (إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) (الزمر: ٩).

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved