«مصر والمصريون فى عهد مبارك».. جلال أمين يستخدم الـ«فلاش باك» لحياة المصريين خلال 30 عاما

آخر تحديث: السبت 29 فبراير 2020 - 12:43 ص بتوقيت القاهرة

كتبت ــ شيماء شناوى:

ــ «خليهم يتسلوا» و«الشعب المصرى ليس مؤهلًا للديمقراطية» مقولات دعمت سقوط حكم مبارك


بموضوعية شديدة وتشريح مدهش وتحليل دقيق للمجتمع، يتناول الكاتب والمفكر وعالم الاقتصاد الدكتور جلال أمين، فى كتابه «مصر والمصريون فى عهد مبارك»، الصادر عن دار الشروق، الأوضاع السياسية والاجتماعية لمصر والمصريين فى عهد الرئيس الراحل محمد حسنى مبارك، ليقدم من خلال صفحاته تصويرا دقيقا لحال المجتمع على جميع الأصعدة، «الاقتصادية والسياسية والثقافية والإعلامية».


وفيما يشبه تقنية «الفلاش باك»، المعروفة سينمائيا والمعتمدة على الانتقال بالمشاهد بين الحاضر والماضى، تمر صفحات الكتاب فى مشاهد متتالية سريعة، يبدؤها «أمين» بمشهد ثورة المصريين فى 25 يناير، وخروجهم ضد ما أسماه نظام «يخاف ولا يستحى»، ليعود إلى تحليل الدوافع «السياسية والاقتصادية والاجتماعية» التى أدت إلى خروجهم على نظام مبارك، معبرين عن سخطهم على تدهور الأوضاع فى عهده، والمطالبة بالخبز مع الكرامة، والاحتجاج على ارتفاع الأسعار وعلى التوريث فى نفس الوقت، بالإضافة إلى المطالبة بالحريات السياسية، وتغيير نظام الحكم، وإجراء انتخابات نزيهة، فضلا عن القضاء على الفساد، والمطالبة بسياسة اقتصادية تراعى مصالح الجماهير وتضييق الفجوة بين الطبقات.


يروى «أمين»، أن أبرز الأسباب التى أدت إلى سقوط نظام مبارك تتعلق بـ «ارتفاع الأسعار ومستويات الدخول والبطالة، والظلم والفساد والدكتاتورية، وغطرسة رجال النظام وتعاملهم مع الشعب وكأنه قُصر وعديمى الأهلية وشديدى الغباوة، ومن ثم يستحقون ما هم فيه من فقر ومهانة»، بحسب وصفه. لافتا إلى أن أبرز مثال على ذلك هو تصريح رئيس الوزراء أحمد نظيف: «الشعب المصرى ليس مؤهلا للديمقراطية»، ثم واقعة تزوير الانتخابات فى نوفمبر 2010، وموقف الرئيس مبارك الساخر من فكرة بعض رجال المعارضة فى تكوين برلمان مواز، معلقا بجملته الساخرة الشهيرة «خليهم يتسلوا».


وبين ثنايا الكتاب يبرهن عالم الاقتصاد الراحل الدكتور جلال أمين، على أن مصر فى عهد الرئيس الأسبق مبارك، كانت أقرب إلى مفهوم «الدولة الرخوة» لعالم الاجتماع السويدى جنار ميردال، ويعنى بها: «الدولة التى تُصدر القوانين ولا تُطبقها، ليس فقط لما فيها من ثغرات، ولكن لأنه لا أحد يحترم القانون: الكبار لا يبالون به لأن لديهم من المال والسلطة ما يحميهم منه، والصغار يتلقون الرشاوى لغض البصر عنه، وتصبح الرخص والتصريحات معروضة للبيع، والمناصب يلهث الناس للحصول عليها لما تجلبه من مغانم مادية، والإمضاءات تُباع أو تُوهب للمحاسيب والأقارب والأنصار، والعملات الأجنبية وبدلات السفر توزع بلا حساب على أصحاب السلطة والمقربين، وقروض البنوك تمنح بفوائد رمزية، والفساد ينتشر من السلطة التنفيذية والسياسية إلى التشريعية، حتى يصل إلى القضاء والجامعات. مشيرا إلى أن تلك العوامل تنطبق على مصر إذ قال: «كان كل يوم منذ بداية عهد مبارك يأتينا بدليل على رخاوة الدولة المصرية؛ لقد بدأت الحقبة باعتداءات إسرائيل على صبرا وشاتيلا، التى وقفت منها الدولة المصرية موقف المتفرج، ثم حادث الباخرة «اكيلو لاورو»، وخطف الطائرة المصرية فى 1986، ثم غرق الباخرة «سالم إكسبرس» والتراخى الذى أبدته الدولة المصرية فى إنقاذ الركاب من الغرق، أو من حوادث احتراق القطارات، ثم صمتها على الفضائح المذهلة فى وزارة البترول التى انتهت بخروج الوزير بلا محاكمة، تلاها فضيحة شركات توظيف الأموال، ثم جثث العمال المصريين العائدين بالطائرات من العراق، وغير ذلك.
فى الكتاب لا يكتفى جلال أمين بإلقاء الضوء على المشكلات السياسية والاقتصادية والخارجية لمصر، بل يكشف عن حجم التدهور الأخلاقى والدينى الذى شهدته مصر خلال حكم مبارك، بما فى ذلك ما انتشر من مظاهر لـ«الغش الجماعى» بالمدارس؛ وإمساك أولياء الأمور بمكبرات الصوت يذيعون خلالها الإجابات الصحيحة لأبنائهم، تحت سمع وبصر الدولة، وكأن الدولة لم تعد تخيف أحدا، فضلا عن عدم تحركها أمام ظاهرة الرشوة، وبيع الفقراء لكليتهم للأثرياء من الخليج، وغياب الأخلاق فى حادثة الاعتداء على «فتاة ميدان العتبة»، من أربعة أشخاص، حيث لم يتصدى لهم إلا أمين شرطة كان مارا بطريق الصدفة، لافتا إلى أن بداية الدولة الرخوة جاء مع بداية تطبيق سياسة الانفتاح، فى أوائل عهد «السادات» وزادت رخاوتها فى عهد مبارك، وعلى الأخص فى العشرين سنة الأخيرة.
وفى الفصل الذى حمل عنوان «التوريث» سعى جلال أمين لتوضيح ملامح الصورة الكلية للمشهد المصرى فى السنوات الأخيرة لعهد «مبارك»، وهى السنوات التى شكلت فى ذهن المصريين ما عُرف لاحقا بنية الرئيس الأسبق لتوريث نجله حكم البلاد، مشيرا إلى أن الفكرة بدأت فى صيف 2004، بقرار تعيين الدكتور أحمد نظيف رئيسا للوزراء. وهو التعيين الذى يتشكك فيه مفكر الاقتصاد قائلا: «إنى لا أشك فى أن فكرة تعيين د. نظيف وهذا النوع من الوزراء الذين جاءوا معه قد نبتت فى مكان ما خارج القاهرة، ثم بُلغت بها القاهرة فجر تنفيذها، ذلك أن من المفيد أن يتولى رئاسة الوزارة والوزارات وثيقة الصلة بالاقتصاد ــ كالاقتصاد والصناعة والسياحة والنقل والإسكان ــ رجال يمكن أن يفهموا تمام الفهم المطالب الأمريكية فى المرحلة الجديدة ولهم علاقات قديمة ووثيقة بالشركات الأجنبية وهو ما يجعل من السهل عليهم أيضا أن يتفاهموا مع المستثمرين الأجانب.. وهم رجال ليس من طبعهم أن يشعروا بالضيق إزاء ما تفعله أمريكا وإسرائيل تجاه العراق ولبنان.. ويرحبون بشدة بأى نوع من من السلام يضمن لهم الاستمرار فى تحقيق الأرباح من مشروعاتهم الخاصة بصرف النظر عن الخسائر السياسية لمصر.
ويستبعد صاحب كتاب «مصر والمصريون فى عهد مبارك» أن تكون فكرة التوريث قد نشأت فى الأصل فى ذهن الرئيس مبارك أو قرينته، أو نجلهما، وأنها جاءت من خلال «الوسطاء»، والأشخاص المحيطين بالرئيس ممن يديرون دفة الحكم فى الحقيقة، بحسب وصفه، مضيفا: «بدأ هؤلاء بالتفكير على النحو التالى: مبارك على وشك أن يبلغ الثمانين، وقد بدأت تظهر عليه علامات اعتلال الصحة، وأصبح من الصعب إخفاؤها على الناس، كما حدث حال إصابته بالإغماء أثناء إلقائه لخطاب بمجلس الشعب. فإذا حل القضاء فجأة فمن الذى يمكن أن يحل محله؟ وماذا يحدث لو اختار الناس رئيسا معاديا لنا أو على الأقل لا يخضع لإرادتنا؟ لا بد إذا من اختيار شخص نتفق عليه، ونطمئن إلى أنه سيستمر فى تنفيذ ما نريد، ولا يحتاج الأمر إلى تفكير طويل لكى نعرف أن أحد نجلى الرئيس هو الشخص المطلوب، واستبعاد الابن الأكبر لأسباب تتعلق بالاستعداد النفسى، لا يبقى إلا الابن الأصغر، وإقناعه بأن المصريين يحبون أسرته ويشعرون بالامتنان العظيم لأبويه، وبأن القاعدة الجديدة فى المنطقة بل فى أمريكا نفسها؛ «أن يخلف الولد أباه». وبذلك لا يبقى أمام هؤلاء المستفيدين سوى الحصول على الموافقة الأمريكية، مقابل فتح الأسواق المصرية أمام السلع والخدمات والاستثمارات الأمريكية، واستعداد مصر لتنفيذ الطلبات الإسرائيلية الأمريكية. وأخيرا تبليع هذا التوريث للمصريين»، وهو المخطط الذى تم إحباطه على يد الثورة.
والكتاب يُعد مرجعا مهما لا غنى عنه لمن أراد التعرف على وجه الحياة الاجتماعية لمصر إبان عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك؛ حيث لم يترك الدكتور جلال أمين، من ملامح تلك الحقبة شاردة أو واردة إلا وتناولها بالشرح والتحليل والتفسير، متناولا أحوال المثقفين والصحافة وتطور الخطاب الدينى، وكذلك ما طرأ من تغير على العلاقات بين مصر والعرب، وبين مصر والولايات المتحدة، كما يلقى فى النهاية نظرة على المستقبل.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved