جولة لـ«الشروق» تكشف استمرار السوق السوداء للسجائر.. والأسعار أعلى من «الرسمية» بـ28.5%
آخر تحديث: الإثنين 29 أبريل 2024 - 5:40 م بتوقيت القاهرة
محمد فوزي
كشفت جولة لـ "الشروق" في السوق المحلية عن استمرار وجود سوق سوداء للسجائر، يرتفع السعر فيها عن الرسمية بنسبة تدور حول 28.5%، رغم بعض الإجراءات التي نفذتها الحكومة للقضاء على تلك السوق. بدأت السوق السوداء للسجائر في النصف الثاني من العام الماضي، بسبب النقص الهائل في المعروض، وارتفاع الأسعار بنسبة 140% مقارنة بالأسعار الرسمية حينها.
وعلى سبيل المثال، سجلت علبة سجائر "البوكس" ما بين 55 و60 جنيها خلال أغسطس الماضي في السوق السوداء، مقابل 24 جنيها في الرسمية.
ورغم انخفاض الفجوة بين السعرين الرسمي والموازي للسجائر بنسبة كبيرة مؤخرا، إلا أن عدد من مستهلكي السجائر أكدوا على استمرار شراء السجائر بأسعار أعلى من السوق الرسمية. عدم وجود البديل يدفع المستهلكين للشراء رغم مغالاة الأسعار.
وقال إسلام فتحي، وهو مواطن ثلاثيني كان واقفا أمام أحد الأكشاك بالقاهرة: «لماذا عليّ أن أدفع 10 جنيهات إضافية لشراء علبة السجائر»، مضيفا أن التعديل الضريبي أتاح للشركات حساب تكلفة الإنتاج الجديدة، وبناء عليه تم رفع الأسعار الرسمية عدة مرات حتى يتم توفيرها بصورة منتظمة بالأسواق وعدم تكرار أزمة المعروض في العام الماضي.
وأضاف فتحي لـ«الشروق» أن السوق المحلية لا تعاني شحا حاليا من أي الأنواع، ورغم ذلك يبلغ سعر علبة السجائر "البوكس" 45 جنيها، مقابل سعر رسمي 34.5 جنيه، "وهذا الأمر لا يتوقف على نوع محدد".
ورغم ذلك لم يقرر فتحي تقديم شكوى لجهاز حماية المستهلك وقال: «أنا غير مسؤول عن مراقبة الأسواق، أنا فقط أريد شراء علبة سجائر».
رأي فتحي تشابه مع آراء أكثر من 10 مستهلكين تحدثت معهم «الشروق»، متفقين جميعا على معاناتهم من السوق السوداء للسجائر ولكن عدم وجود البديل يدفعهم في النهاية إلى الشراء رغم مغالاة الأسعار.
سوء التوزيع السبب الرئيسي لاستمرار أزمة الدخان
ويرى إبراهيم إمبابي، رئيس شعبة الدخان بغرفة الصناعات الغذائية باتحاد الصناعات، أن سوء التوزيع من قبل الشركات المنتجة هو السبب الرئيسي في استمرار السوق الموازية رغم محاولات الحكومة الرامية إلى القضاء عليها.
وأضاف إمبابي لـ«الشروق» أنه لا يوجد تراجع في إنتاج السجائر، كما أن الشركات حاليا تستطيع تدبير العملة الأجنبية من البنوك بسهولة شديدة لاستيراد التبغ، لافتا إلى أن الشركات تقوم بتوزيع إنتاجها على بعض الوكلاء وكبار التجار وهم الذين يتلاعبون بالسوق المحلية، على حد تعبيره.
وأشار إلى أنه لا بد من قلب الهرم التوزيعي للسجائر، موضحا أن الشركات يتعين عليها أن تعطي حصصا منتظمة من البضائع للأكشاك ومحلات التجزئة، مؤكدا أن تلك الخطوة ستقضي على السوق الموازية تماما.
وتابع أن الشركات كانت تتعرض لخسائر مالية بسبب ارتفاع تكلفة الإنتاج، وهو ما جعل الحكومة تقوم بتعديل ضريبي يسمح لها بزيادة أسعار منتجاتها بنسبة 12% سنويا، مضيفا أن تلك الخطوة ساهمت في زيادة الإنتاج مرة أخرى، ولكن تبقي الأزمة في حل مشكلة التوزيع بالنهاية.
وقررت شركات السجائر رفع أسعار منتجاتها في منتصف الشهر الجاري بقيمة تتراوح بين 4 و5 جنيهات، وذلك بعدما سمحت مصلحة الضرائب في مطلع الشهر نفسه بفتح الشرائح الخاصة بالسجائر بنسبة تقترب من 12%، حيث تم زيادة الحد الأقصى لأسعار السجائر من الفئة الأولي لتتراوح بين جنيه و34.7 جنيه، بدلا من جنيه إلى 31 جنيها.
كما تم زيادة الشرائح الخاصة بالسجائر في الفئة المتوسطة لتتراوح بين 34.8 و50.40 جنيه، مقابل 31 إلى 45 جنيها سابقا. وبحسب إمبابي، فإن زيادة شرائح السجائر جاءت تلبية لطلب الشركات المنتجة لوزير المالية، بعد زيادة أسعار الدولار الرسمية من 31 جنيها إلى مستويات 47 و48 جنيها، موضحا أن زيادة الشرائح تسمح للشركات بزيادة أسعارها إلى الحد الأقصى المسموح دون الدخول في شريحة أعلى ودفع الضرائب على أساسها.
وأوضح أن الشريحة الأولى تدفع 4.5 جنيه ضريبة على كل علبة سجائر، فإذا رفعت شركة الشرقية للدخان (شريحة أولى) أسعارها عن الحد الأقصى، ستحاسب ضريبيا وفقا للشريحة الثانية 7.5 جنيه على العلبة.
وهذا التعديل سمح للشركات بزيادة أسعار السجائر إلى الحد المسموح، حيث قررت شركة الشرقية للدخان، منتصف إبريل الجاري، رفع أسعار سجائر (بوكس وكليوباترا) إلى 34.5 جنيه، مقابل 30 جنيها، وفقا لإمبابي، لافتا إلى أن الزيادة الجديدة أقل من الحد الأقصى المسموح بـ20 قرشا.
وكانت الحكومة قررت في نوفمبر الماضي تعديل بعض أحكام قانون الضريبة على القيمة المضافة للسجائر الصادر بالقانون رقم 67 لسنة 2016، والتي تسمح بزيادة أسعار السجائر بنحو 12% سنويا، ويجوز لمجلس الوزراء، خفض هذه النسبة السنوية بشكل يتناسب مع تحليل وتقييم تطور تكلفة الإنتاج الفعلية المؤثرة على سعر بيع السجائر للمستهلك النهائي.
وعلى الرغم من أن رئيس شعبة الدخان قال في تصريحات خاصة، إن الشركات لا تعطي حصصا للأكشاك ومحلات التجزئة، إلا أن هناك 8 من 10 أكشاك في نطاق القليوبية والجيزة أكدوا لـ«الشروق» حصولهم على حصة سجائر من الشركات بالأسعار الرسمية المعلنة. يقول محمد عبدالرحمن، صاحب أحد الأكشاك في منطقة الدقي بمحافظة الجيزة، إن عبوة السجائر البوكس ( تحتوي على 10 علب سجائر) تسجل 342 جنيها بعد الزيادة الأخيرة، لافتا إلى أن هامش الربح للتاجر لا يتجاوز الـ4 جنيهات في العبوة كاملة، وفقا لسعر بيع المستهلك النهائي (34.5 جنيه للعلبة).
وتابع: «أنا لو بعت 10 عبوات في اليوم هكسب 40 جنيه.. هامش الربح للتاجر المحدد من قبل الشركة زهيد جدا، لذلك يبيع العلبة الواحدة بـ40 جنيها للمستهلك النهائي، أي أنه يضع هامش ربح إضافي 5.5 جنيه لكل علبة». تلك الآلية في زيادة الأسعار تنطبق على جميع أصناف السجائر، وفقا لصاحب الكشك، مضيفا أنه مازال يبيع بأسعار أقل من أكشاك أخرى تشتري السجائر من السوق الموازية.
وأضاف غاضبا أنه غير قادر على الاعتماد على ربح علبة السجائر المحدد من قبل الشركة عند 30 قرشا للعلبة، مشيرا إلى أن لديه تكاليف مرتفعة في دفع الإيجار والكهرباء والبائع الذي يعمله معه، بالإضافة إلى المصروفات اليومية.
الالتزام بالأسعار الرسمية مستحيل بسبب تدني هامش الربح للتاجر
من جانبه يقول وليد أحمد، صاحب أحد الأكشاك في أحد الشوارع الرئيسية المكتظة بالسكان في منطقة شبرا الخيمة بالقليوبية، إن حصته الرسمية من الشركة الشرقية للدخان لا تتجاوز الـ5 عبوات أسبوعيا، وعبوتين فقط من الشركات الأخرى مثل فليب مورس وجابان توباكو إنترناشيونال. وتسجل علبة السجائر "إل إم" لدى وليد 75 جنيها، مقارنة بالسعر الرسمي 64 جنيها، ويبيع "البوكس" بـ45 جنيها، بدلا من 34.5 جنيه، و"الوينستون" بـ63 جنيها بدلا من 55 جنيها.
ويبرر «وليد» تلك الأسعار التي يبيع بها إلى لجوئه للسوق الموازية بسبب عدم كفاية الحصة الرسمية لحجم الطلب اليومي لدى الكشك، متابعا أن متوسط حجم مبيعاته من السجائر قد يتجاوز الـ100 عبوة يوميا، بينما لا يحصل منهم إلا على 5 فقط طوال الأسبوع بالسعر الرسمي.
وأضاف لـ«الشروق» أنه طلب مرارا وتكرار زيادة حصته الرسمية من الشركات بناء على حجم مبيعاته، ولكن كل مرة يتم رفض الطلب، فيما يستطيع بعض التجار الحصول على شاحنات معبأة بآلاف العبوات يوميا بالسعر الرسمي، على حد قوله.
وبحسب وليد، فإن هؤلاء التجار هم الذين يبيعون السجائر بسعر أعلى من السعر الرسمي للأكشاك ومحلات التجزئة، لافتا إلى أن عبوة "البوكس" تسجل 430 جنيها، مقابل 342 جنيها من الشركة، والوينستون بـ610 جنيهات، بدلا من 546 جنيها، و«إل إم» تسجل في السوق الموازية 720 جنيها، مقارنة بـ646 جنيها. ولفت إلى أن رغم الأسعار المرتفعة التي يبيع بها السجائر إلا أن هامش الربح المحقق لا يتجاوز الـ2 جنيه في العلبة الواحدة، متابعا: «المسؤول الأول عن استمرار السوق السوداء هي الشركات التي تسمح لعدد معين من التجار باحتكار السلعة بينما تعطي حصصا زهيدة للأكشاك والمحلات، وهو ما يشير إلى احتمالية وجود فساد إداري في تلك الشركات».