سمير فؤاد يكتب عن إدوارد مويبريدج المولع بالحركة

آخر تحديث: الجمعة 29 مايو 2020 - 6:32 م بتوقيت القاهرة

أمضى مويبريدج طفولته فى كينجستون.. وعندما بلغ الخامسة والعشرين من عمره هاجر إلى الولايات المتحدة واستقر فى سان فرانسيسكو وعمل فى بيع الكتب.. وفى عام 1860 تعرض مويبريدج لحادث كاد يودى بحياته وعاد بعدها إلى إنجلترا وبعد فترة نقاهة قرر التحول إلى التصوير الفوتوغرافى.. وكانت عملية التصوير الفوتوغرافى فى هذا الوقت قد تطورت فى خطى سريعة على يد الرعيل الأول من المخترعين وتحسنت بشكل ملحوظ دقة الصورة بعد أن تم تطوير الكاميرا ذات المنفاخ.. كما تم تطوير الصورة السلبية أو النيجاتيف التى يمكن منها طباعة عدد من النسخ.. وتم تقليل زمن التعريض للفيلم فأصبح يحسب بالثوانى بعد أن كان يحسب بالدقائق.
فى عام 1867 عاد مويبريدج إلى سان فرانسيسكو مصورا محترفا وتأكدت مكانته كمصور ذى قدرات تقنية عالية فى أساليب التصوير.. وأثناء بناء دار سك النقود بسان فرانسيسكو بين عامى 1870 و1872 سجل مويبريدج مراحل البناء والتغيرات التى حدثت للموقع عبر الزمن.. وكانت هذه هى المرة الأولى التى يستعمل فيها مويبريدج التقنية التى تسمى التصوير بالفواصل الزمنية.. أى تصوير نفس اللقطة فى أزمنة متتابعة لتسجيل التغيير الذى يحدث للمشهد عبر الزمن.
وفى عام 1878 التقط مويبريدج صورة بانورامية بزاوية رؤية 360 درجة لمدينة سان فرانسيسكو.. وقد كونها من ثلاث عشرة لقطة من زوايا متتابعة.. وكان هذا إنجازا غير مسبوق فى هذا الوقت.
فى هذا العام بدأ مويبريدج أول أعماله فى دراسة الحركة عبر التقاط متوالية من الصور الفوتوغرافية عندما استأجره عمدة سان فرانسيسكو المتقاعد ليلاند ستانفورد لحل معضلة حركة الركض لحصان السباق.. ولكى يستطيع مويبريدج تحقيق هذا طور أسلوب يعتمد على وضع مجموعة كبيرة من الكاميرات بمحاذاة الحلبة التى سيركض بها الحصان.. ووضع خلف الحلبة ستارا من القماش الأبيض ليحصل على أكبر قدر من الضوء المنعكس.. وجهز الكاميرات بأبواب منزلقة تعمل يدويا بواسطة عامل خلف كل كاميرا لكى يرفع الباب عند مرور الحصان أمام الكاميرا.. وقد طوّر هذه الآلية فيما بعد ليصبح فتح الباب يتم بطريقة ميكانيكية.. وقد نجح مويبريدج فى تسجيل متوالية من الصور لحصان يركض.. وقد أخذ متوالية الصور هذه وطبعها على قرص معدنى واستخدمه فى جهاز إخترعه يمكن للرائى من النظر إلى القرص ويديره بسرعة محددة ليبدو الحصان وهو يركض وكانت هذه هى البذرة الأولى لاختراع السينما.
فى عام 1880 مولت جامعة بنسيفانيا مويبريدج لكى ينفذ مجموعة من اللقطات لأشخاص يؤدون حركات مختلفة وكذلك لمجموعة من الحيوانات الموجودة فى حديقة حيوان فيلاديلفيا.. وقد عمل مويبريدج على هذا المشروع الضخم وأنتج آلاف اللقطات وفيها حلل كمًّا كبيرا من حركات الرجال والنساء وهم يسيرون أو يهبطون السلم.. أو يتصارعون أو يتبارزون.. والنساء وهن يرقصن أو يعتنين بأولادهن.. وأطفال وهم يمرحون أو يؤدون ألعابا مختلفة.. كما أنتج كمّا كبيرا من الصور لعدد كبير من الحيوانات وهى تسير أو تعدو أو تؤدى حركات مختلفة.. وكذلك الطيور فى سيرها وإقلاعها وطيرانها وحطها.
وقد طبع مويبريدج خلاصة تحليلاته الفوتوغرافية فى مجلدين ضخمين أحدهما لحركات الإنسان والثانى للحيوانات والطيور.. وقد ساهمت أعمال مويبريدج على تطوير الكثير من المجالات المهتمة بتحليل الحركة مثل ألعاب القوى وسباق الحيوانات.. كما ساهمت فى إطلاق علم البيوميكانيكا المعنى بتحليل حركات المخلوقات.
كان تأثير صور مويبريدج على الفن والفنانين تأثيرا كبيرا فقد ساهم بشكل حاسم فى إعطاء الفنانين المعنيين بتمثيل الحركة الأساس العلمى الملموس الذى جعلهم يستطيعون تمثيل الحركات المختلفة للإنسان والحيوانات فى أعمالهم بشكل أكثر واقعية.. ولكن تأثير مويبريدج تعدى هذا، فقد أصبحت الصور المأخوذه بالأبيض والأسود لجسم الإنسان وهو غارق فى ضوء الشمس وهو يؤدى عملا ماو التضاد بين ديناميكية وحيوية جسده وبين خلفية الصورة الساكنة الباردة مصدر إلهام للعديد من فنانى القرن العشرين.
احتار المؤرخين فى تصنيف مويبريدج.. هل كان عالما مأخوذا بظاهرة الزمن والحركة فى العالم الذى نعيش فيه ويحاول فك أسرارها.. أم كان فنانا بالدرجة الأولى يريد أن يعبر عن حركة الإنسان والحيوان كما كان يعايشها وينفعل بها.. والحقيقة أن مويبريدج مثل كل العظماء الذين أثّروا فى مسيرة الإنسان وأضافوا إلى التراكمات الثقافية والحضارية عبر التاريخكان مزيجا من صفات وعوامل كثيرة، مما انعكس على هذا التراث الضخم من الإنجازات التى تركها لنا والتى جعلتنا أكثر دراية وفهما لأنفسنا وللعالم الذى نعيش فيه.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved