مهاب عادل يكتب: محاكمة نتنياهو ووهم الديمقراطية الإسرائيلية

آخر تحديث: الجمعة 29 مايو 2020 - 9:41 م بتوقيت القاهرة

لطالما أدّعت إسرائيل وتغنت بكونها النموذج الديمقراطي الأوحد في منطقة الشرق الأوسط بل وتعاملت مع ذلك الوصف باعتباره ضمن مقومات قدرة الدولة التي تجعلها تتفوق على نظرائها من الدول المجاورة على المستوى الكلي لصورة الدولة في المحيط الإقليمي والدولي.
ومع مثول رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو في الجلسة الأولى لمحاكمته جنائيًا في ثلاث قضايا فساد تحمل اسماء (4000 – 1000 – 2000)، في سابقة هي الأولى في تاريخ الدولة العبرية، تسعى إسرائيل مرة أخرى إلى توظيف ذلك المشهد من أجل الترويج لنموذجها الديمقراطي الذي يمثل فيه رأس السلطة السياسية للمحاكمة في محاولة للتغطية على رماد ما اسفل البركان الذي سيعصف بالنظام السياسي الإسرائيلي إن عاجلاً أو أجلاً وكانت أبرز تجلياته الجولات الانتخابية الثلاثة التي شهدتها إسرائيل لأول مرة في مدة تقل عن العام ونصف.
فالمتابع لمشهد اليوم من ناحية مثول رئيس الوزراء نتنياهو سينظر بإعجاب لتلك المحاكمة التي في ظاهرها الشفافية وتطبيق مبدأ المساءلة أحد ركائز الحكم الديمقراطي إلا أن في باطنها العديد من التفاصيل التي جرت في مياه الأزمة السياسية وحالة الجمود التي عاشتها إسرائيل لمدة تجاوزت العام ونصف منذ حل الكنيست للمرة الأولى في ديسمبر 2018.
فمثول نتنياهو الاخير للمحاكمة جاء عقب ثلاث جولات انتخابية كانت مرشحة لمرة رابعة نظرًا لتعثر المفاوضات السياسية التي كان تساوم فيها الأحزاب الأخرى نتنياهو زعيم حزب الليكود (الحزب الحاكم لمدة قاربت الـ 14 عامًا) مستغلة في ذلك اتهامات الفساد التي تلاحقه وأضعفت من موقفه. وكانت المعادلة السياسية التي سعى نتنياهو لتغليبها مرتكزة بالأساس على المكون الشخصي لتحصين موقعه وتعديل قانون المحكمة العليا لضمان عدم محاكمته أو على الأقل تمرير المحاكمة مع تحصين موقعه من أية إجراءات قانونية محتملة ضده. وهو ما ناورت على أساسه الأحزاب الأخرى من أجل الضغط على حزب الليكود للإطاحة بنتنياهو إلا أن الخبرة السياسية وعدم وجود البديل الذي يملأ الفراغ السياسي لنتنياهو حال دون خيار الإطاحة.
وتمكن نتنياهو بالفعل من لملمة أوراقه داخل تكتل اليمين معولاً على أحزاب الحريديم المتطرفة (شاس، يهودات هتوراه) واستطاع تعزيز مساحة الحركة لديه في مواجهة حزب غريمه السياسي وزير الخارجية الأسبق أفغيدور ليبرمان زعيم حزب "إسرائيل بيتنا" من أجل تجاوز الموقف السياسي المتعنت للأخير ضد قوانين التجنيد الإجباري لشباب الحريديم. بالإضافة إلى مناورته بورقة ضم المستوطنات لاستمالة موقف تكتل أحزاب المستوطنين. وكذا تمكن من إضعاف موقف التكتل الأقوى في مواجهته وهو "كاحول لافان" أو "أبيض أزرق" برئاسة بيني غانتس، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق. والذي حاول استغلال ضعف موقف نتنياهو على خلفية قضايا الفساد التي تلاحقه وتأكيده الدائم بعدم مشاركته في حكومة يكون على رأسها مسؤول تلاحقه قضايا فساد (في إشارة لنتنياهو) إلا أنه لم يتمكن من تطوير هذه المناورة للقضاء على فرص نتنياهو لتشكيل الحكومة، ورضخ في الأخير أمام الخبرة السياسية لنتنياهو وتحكمه الفعلي في مجريات المشهد السياسي بحكم موقعه كرئيس للوزراء أمام الناخب الإسرائيلي.
وتحت وطأة الضغط الذي عاشته الأحزاب الرئيسة (الليكود وكاحول لافان) أمام الرأي العام الإسرائيلي نظرًا لإعادة الانتخابات ثلاث مرات على نحو لم يجعل هناك فرصة لانتخابات رابعة. جاءت الصفقة السياسية وتوقيع الاتفاق السياسي الذي جرى في أبريل الماضي فيما بين نتنياهو وبيني غانتس لتشكيل حكومة طوارئ وطنية وحمل هذا الاتفاق الذي امتد على 14 صفحة باللغة العبرية، العديد من التفاصيل حول شكل الحكومة وتوزيع المناصب الوزارية وغيرها.
بيد ان ما يُعنينا هنا هو التركيز على البنود التي حصّن نتنياهو فيها موقعه بشكل تجاوز معه الزعم الإسرائيلي بديمقراطية الدولة العبرية ووهم دولة القانون حيث تم الاتفاق على تعيين تسفي هاوزر، من حزب "أزرق أبيض"، في لجنة تعيين القضاة بدلاً من ممثل من المعارضة. وهاوزر هو السكرتير الأسبق لحكومة نتنياهو ومواقفه منحازة لليكود (حزب نتنياهو). أيضًا ركز الاتفاق في بند لجنة تعيين القضاة، وصلاحية وزير العدل في مهمته كرئيس للجنة التشريعات الوزارية. على أن يكون لحزب الليكود عضوان من أصل السياسيين الأربعة في لجنة تعيين القضاة، المؤلفة من 9 أعضاء. وبموجب القانون، فإن اعتراض عضوين سياسيين على تعيين قاض في المحكمة العليا، يمكن أن يتحول إلى فيتو، ويمنع التعيين.
وليس هذا فحسب، بل إن اتفاق الائتلاف يسلب عضوية نائب من نائبي المعارضة في لجنة تعيين القضاة، وستسند كما ذكرنا إلى النائب تسفي هاوزر. كذلك نص الاتفاق على أن وزير العدل، لن يكون حرًا في تحديد جدول أعمال لجنة التشريعات الوزارية، بل فقط بالتنسيق والتوافق مع القائم بأعماله في رئاسة هذه اللجنة، ويكون من حزب الليكود.
لم يقف نتنياهو عند هذا الحد من تعزيز سطوته السياسية وفرض سيطرته على النظام القضائي المتوقع أن ينظر في اتهامات الفساد الموجهة ضده. بل قام بمشهد شبيه بمشهد محاصرة انصار تيار الإسلام السياسي في مصر إبان حكم الإخوان للمحكمة الدستورية. حيث قام عدد من مؤيدي نتنياهو بالتجمهر أمام المحكمة التي مثل فيها لجلسة محاكمته الأولى، ورددوا هتافات مناوئة للنظام القضائي. بل واصطحب معه 14 نائبًا (وزراء ومشرعين) من أكثر نوابه في حزب الليكود ولاءً، وعقد مؤتمر صحفي قبل انعقاد جلسة محاكمته وساق فيه الاتهامات ضد اعضاء المحكمة، وفي مقدمتهم المدعي العام الإسرائيلي أفيخاي ماندلبليت، والشرطة، الذين اتهمهم بالتحالف مع الصحفيين اليساريين .. "لتلفيق قضايا لا أساس لها ضده" على حد زعمه، مؤكدًا أن الهدف من ذلك هو الإطاحة برئيس الوزراء اليميني القوي وإبعاد المعسكر اليميني عن قيادة البلاد لسنوات عديدة.
ومن ثم، تقود تلك المعطيات والمشاهد السابقة إلى الدفع بانكشاف حالة الوهم والزيف بديمقراطية النظام السياسي الإسرائيلي ووهمية دولة القانون التي تتغني بها عبر أدواتها الإعلامية ويبقى لنا أن نكشف ذلك عبر الوسائل المختلفة لبيان حالة الخداع التي تسوقها إسرائيل طوال الوقت حول قدراتها كوهم خط برليف المنيع الذي انهار أمام أبطالنا في حرب 73 المجيدة. كما تلغي حالة الإيهام المخادعة التي تبثها إسرائيل في عقول الشباب العربي في ظل الفضاء المفتوح للسوشيال ميديا للإعجاب بالنموذج الديمقراطي لإسرائيل. وهو ما تابعناه خلال الساعات الماضية وحالة الانبهار لدي الكثير من الشباب العربي في متابعتهم لمحاكمة نتنياهو.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved