إلى أي مدى تخضع واشنطن لـ«التفكير الجماعي» في إدارة علاقتها مع الصين؟
آخر تحديث: الإثنين 29 مايو 2023 - 11:01 ص بتوقيت القاهرة
واشنطن - د ب أ
تنطوي العلاقات بين الولايات المتحدة والصين على جوانب متشعبة يصعب التفريق بين عناصرها في كثير من الأحيان، وهو ما استلزم من صانعي السياسة على كلا الجانبين السير على حبل مشدود في إدارة العلاقة التنافسية بينهما.
وقال ديفيد ماكورت، وهو أستاذ مشارك في قسم علم الاجتماع بجامعة كاليفورنيا، في تقرير نشرته مجلة "ناشونال إنتريست" الأمريكية، إن النظرة السليمة الأحدث بشأن الصين هي أن واشنطن في خضم حالة من التفكير الجماعي أو التفكير الجمعي كما يطلق عليه أحيانا كثيرة، وهو ظاهرة تتجاهل فيه جماعة ما آراء متعارضة وأدلة متناقضة وتضغط في اتجاه إجراء معين بالرغم من الحواجز الأيديولوجية، لكن وسط محاولة لتقريب وجهات النظر لتجنب الدخول في صراع وللوصول لاتفاق بدون نقد آراء الآخرين.
ويضيف أن مؤيدي ومنتقدي السياسة الأمريكية تجاه الصين، يتفقون على أن التفكير الجماعي يؤدي إلى استراتيجية ضعيفة، سواء من خلال التقليل من شأن التحدي الصيني أو المبالغة فيه.
وكما قال الصحفي الشهير فريد زكريا: "الصين منافس استراتيجي جاد، وأهم منافس للقوة العظمى واجهته الولايات المتحدة منذ عقود عديدة".
ويوضح ماكورت أن هذا سبب إضافي لواشنطن لتشكيل سياسة خارجية عقلانية ومدروسة تجاه ذلك. لكن عبر المحيط الهادئ، ومع توطيد الرئيس الصيني شي جين بينج للسلطة، يشعر بعض المراقبين بالقلق من أن بكين قد تعاني من التفكير الجماعي الخاص بها. ويخشى هؤلاء المراقبون أن يكون الصينيون قد اتفقوا على وجهة نظر مفادها أن واشنطن تسعى إلى وقف صعود الصين بينما لا يزال بإمكانها ذلك. وإذا أصر الجانبان على التمسك بهذه الآراء، فمن المرجح أن تؤدي دوامة التدهور الخطير في العلاقات إلى صراع.
ومع ذلك، لا تعاني واشنطن ككل من التفكير الجماعي في قضية الصين. ولا يتناسب وصف عالم النفس الأمريكي إيرفينج جانيس الأصلي للمصطلح بشكل جيد مع الوضع الحالي، لأنه ينطبق على إعدادات صنع القرار في المجموعات الصغيرة، وليس الأسواق مترامية الأطراف للأفكار مثل مناقشات السياسة الخارجية في واشنطن العاصمة. وهناك الكثير من المناقشات القوية والتفكير المختلف حول الصين في دوائر الأمن القومي الأمريكي. والسؤال إذن هو لماذا تهيمن أصوات أكثر تشددا وكيف يمكن موازنتها؟
يأتي التفكير الجماعي نتيجة للحاجة إلى الحفاظ على التماسك الجماعي. وكما يعلم أي شخص كان في أي وقت مضى في اجتماع كبير بما فيه الكفاية، يحدث التفكير الجماعي عندما لا يعارض أحد اتجاه المناقشة أو الاتفاق لأن القيام بذلك يبدو أسوأ من أي قرار دون المستوى الأمثل قد يتوصل إليه الاجتماع، بما في ذلك عدم التوصل إلى أي اتفاق على الإطلاق.
ولكن من الناحية العملية، فإن الحفاظ على تماسك مجتمع السياسة الخارجية الأمريكية هو عكس ما يأمل خبراء الأمن الأمريكيون في تحقيقه أثناء مشاركتهم في نقاش حيوي مستمر حول السياسة الأمريكية تجاه الصين.
ويقول ماكورت إن إعادة العمليات المعقدة إلى التشخيصات النفسية مثل التفكير الجماعي أمر شائع، ولنفكر في التحيز المعرفي أو القوالب النمطية السلبية. وعلى الرغم من أن هذه التسميات لها حلقة علمية، فإنها تعمل أيضا على تحويل الانتباه بعيدا عن الحقائق الاجتماعية المشحونة سياسيا في كثير من الأحيان نحو عقلية جماعية يفترض أنها غير مشخصنة. وبعبارة أخرى، فإن إلقاء اللوم على مجرد التفكير الجماعي يحجب العمليات الأكثر فوضى وراء التغيير النموذجي في كيفية نظر واشنطن إلى بكين منذ عام 2016، والذي شهد نهاية عصر "المشاركة".
هذا التحول في وجهات النظر السائدة عن الصين، من شريك محتمل إلى منافس، وبشكل متزايد نحو العدو الفعلي، يوصف بشكل أفضل بأنه ممارسة في "الاستخلاص السياسي"، وهو طريقة إحصائية تُستخدم في علم النفس الاجتماعي لقياس العلاقة بين حكم الشخص والمعلومات التي استخدمت لإصدار هذا الحكم، وذلك من قبل مناهضي المشاركة.
إن أولئك الذين يدافعون عن تنشيط المشاركة والإدارة الحذرة لمنافسة أمريكا مع الصين يتم التسامح معهم بأدب على الأكثر، ومن المؤكد أنهم ليسوا في مواقع السلطة. وقد خلص الأفراد الذين هم في السلطة إلى أن واشنطن وبكين عالقتان في صراع أيديولوجي مستمر منذ عقود.
ويوضح ماكورت أنه لكي نكون منصفين، كان من المحتم أن يبتعد نهج واشنطن تجاه الصين عن وجهات النظر الوردية في النهج المؤيد للمشاركة. ولم يكن من المرجح أبدا أن تقبل الصين الصاعدة هيمنة الولايات المتحدة في شرق آسيا، وكان من المحتم أن تتخذ إجراءات صارمة ضد الحريات في هونج كونج، وتضخم التهديدات تجاه تايوان، وتحول مكاسبها الاقتصادية الضخمة إلى قوة عسكرية.
وكان القلق بشأن التطورات في الصين يكتسب قوة خلال فترة ولاية الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما الثانية. ومع ذلك، فقد ترجمت أفكار منتقدي المشاركة مع إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب إلى سياسة، من الحرب التجارية إلى مبادرة الصين، التي كانت تهدف إلى إعادة تشكيل الأولويات البيروقراطية عبر الحكومة. وبعيدا عن السعي إلى عكس مسارها، حافظت إدارة بايدن بدلا من ذلك على المسار واستفادت من الخبرة في واشنطن بوجهات نظر مشابهة جدا لأولئك الذين عملوا مع ترامب.
ويرى ماكورت أن سياسة أمريكا الحالية تجاه الصين هي في الواقع عدد من العمليات البيروقراطية التي بدأها فريق ترامب للأمن القومي واستمرت فيها الإدارة اللاحقة. وعلى المستوى التنفيذي، عدل مجلس الأمن القومي استراتيجية أمريكا، وحدد نهجا تنافسيا جديدا في مايو 2020 والذي تردد صداه في استراتيجية الأمن القومي العام الماضي. وفي الحقيقة يسبق تخطيط وزارة الدفاع لعصر المنافسة بين القوى العظمى عهد ترامب، والصين الآن هي بقوة "تحدي السرعة" بالنسبة لأمريكا. واستهدف الجمهوريون في مجلس النواب، مع فوزهم في انتخابات التجديد النصفي العام الماضي، بحزم دفع نهج حكومي أكثر قوة تجاه الصين.
ويخلص ماكورت إلى إن علاج التفكير الجماعي خارج السياسة الخارجية هو "التفكير خارج الصندوق".
ويقول إن نخبة السياسة الخارجية الأمريكية ليست كلها متفقة مع الصين، ليس فقط على حقائق تصرفات الحزب الشيوعي الصيني ونواياه ولكن ما يجب على واشنطن فعله ردا على ذلك، وما هي مصالح أمريكا، وما هي السياسات التي تخدمها على أفضل وجه.
ويخشى كثيرون أن تكون المنافسة قد انزلقت بسهولة إلى المواجهة، وأنه سيكون من الحكمة العودة إلى شكل منظم من منافسة القوى العظمى. ويقول ماكورت إنه يجب على الإدارة الأمريكية أن تستمع إلى الأصوات الأخرى التي تم دفعها جانبا، لأن هذه الأصوات تقدم تفهمات مختلفة لمصالح أمريكا، التي لا تزال ضد الصراع بشدة.