نبيل فهمى يكتب: العالم العربى وأزمات الشرق الأوسط

آخر تحديث: الإثنين 29 يونيو 2020 - 3:12 م بتوقيت القاهرة

كان من المقرر أن تعقد القمة العربية فى ربيع هذا العام بالجزائر، ومن الغريب حقا ألا يلتقى القادة العرب على الأقل عبر الوسائل الإلكترونية فى ضوء تعدد المخاطر وضخامة التحديات الجسيمة التى تتعرض لها المنطقة.

وأيا كانت أسباب التأجيل، نتيجة لتداعيات فيروس كورونا، أو لاعتبارات سياسية مختلفة، أو لتباين المواقف حول كيفية التعامل مع ملف عودة سوريا إلى القمة العربية، أو حول التعامل مع ليبيا وقطر وتركيا وإيران وإسرائيل وشرق إفريقيا إلخ. فغياب الحوار العلنى بين القادة العرب فى ظل كل ما نشهده من أحداث، يعطى رسالة سياسية خاطئة للعدو والصديق بتعذر تحرك العرب لمواجهة المخاطر، ويغذى الإحباط والشعور المجتمعى العربى بأن مصائر المنطقة فى أيدى الغير.

ولقد آن الأوان لكى يستيقظ العالم العربى، ويتعامل مع تحدياته بسرعة وجدية، قبل أن يتحول من طرف رئيس إلى طرف مهمش فى ساحة يحظى فيها بالأغلبية، مع كل ما يحمله هذا التناقض من مخاطر وشجون داخلية وإقليمية بمرور الوقت.

وأعتقد أن العالم العربى فى أشد الحاجة للاجتماع، أو على الأقل لحوار على مستوى القمة، وفى أسرع وقت، ليس لأن القمم العربية أثبتت فعاليتها السحرية فى الماضى، رغم أن مصداقيتها تضاءلت بشكل كبير عبر العقود الأخيرة فى ضوء فشلها فى التعامل مع العديد من التحديات.

وإنما ما يحفزنى بشكل رئيس للإصرار على الدعوة للحوار على مستوى القمة العربية، هو تنامى طموحات وتدخلات دول الشرق الأوسط غير العربية على حساب الحقوق العربية من جهة، ومن جهة أخرى ميل المزيد من دول المجتمع الدولى لتركيز اتصالاتها ومشاوراتها حول قضايا عربية على تلك الدول فقط، مع تجاهل الطرف العربى للعديد من القضايا، وهو ما شاهدناه فى الاتصالات الروسية والأمريكية مع إيران وتركيا وإسرائيل.

ومن أجل أن يتجنب العالم العربى الهاوية السياسية التى تترنح على شفتها، ويبدأ فى استرداد جزء من دوره ومكانته، عليه أن يبدأ فى ترتيب أوضاعه العربية، وإيجاد معادلة ملائمة لاستعادة جزء من العمل العربى المشترك على الأقل وفى أسرع وقت، حتى إذا استغرق استعادة الثقة الكاملة بين الأشقاء العرب قدرا غير قليل من الوقت، لأن خطورة الأوضاع فى المنطقة وتهديدها للأمن القومى الوطنى والإقليمى العربى تتطلب إجراءات واضحة وصريحة للتعامل العاجل لمواجهة ومعالجة قضايا عديدة، وأخص بالذكر لأهميتها:

أولا: توغل تركيا فى الساحة والقضايا العربية فى سوريا وليبيا والعراق وحوض البحر الأحمر وشرق إفريقيا، وإعادة إثارتها باطلا لحقوقها التاريخية، بالتوازى مع سعيها لدعم مكانتها الجيوسياسية.

ثانيا: تمركز إيران وأتباعها فى بلاد الشام والمشرق عامة، وتوسيع نفوذها فى الخليج، والساحات المائية المتصلة بالخليج العربى واليمن ومضيق هرمز وباب المندب، لترتيب دور إقليمى متنامٍ، بخاصة مع تقلص الدور الأمريكى فى الشرق الأوسط وتعثر سياساتها.

ثالثا: تعثر عملية السلام العربية الإسرائيلية واستمرارها، ومحاولات تفتيت أسس عملية السلام، وهو ما نشهده حتى الآن، حتى من بينى جانتس وزير الدفاع الإسرائيلى، الذى افترض البعض أنه يسعى للسلام وبديل أفضل من الليكود، وهذا يؤثر فى الاستقرار والأمن القومى لعدد من الدول العربية، بخاصة الأردن، ودول أخرى فى المشرق، وحتى فى مصر والخليج ولدى جميع الدول العربية التى تدعو إلى سلام عربى إسرائيلى شامل.

والهدف الرئيس والمشترك لتركيا وإيران وإسرائيل ليس فقط توسيع نفوذها فى المنطقة، بل تغيير هويتها بشكل استراتيجى من المنطقة العربية وغيرها إلى المنطقة الشرق أوسطية التى يوجد فيها عدد من الدول العربية المتفرقة وغير الفعالة.

وليس من المبالغة القول إنه من الصعب التصدى لتلك السياسات والتحديات الجوهرية دون إعادة ترتيب البيت العربى، والسبيل ليس فى الشعارات أو المزايدات، بل بالمصارحة والعمل الدبلوماسى الدءوب.

وليس من الممكن ببساطة الحد من جماح التدخل الإيرانى فى المشرق دون تغيير العلاقات بين سوريا والعالم العربى، ولن يتحقق ذلك دون العودة السورية إلى الجامعة العربية، وهو أمر يصعب تحقيقه دون اتخاذ سوريا خطوات تجاه العالم العربى، خصوصا فيما يتعلق بعلاقاتها مع إيران تجاه الأطراف التى كانت ولا تزال على خلاف معها فى الخليج العربى، كما لا أرى أى مجال للحد من النفوذ الإيرانى فى المشرق العربى دون فتح قنوات (عربية ــ عربية) للحد من المساحة المتاحة لإيران فى لبنان والعراق، وهو جهد تتضاءل فرص نجاحه يوما بعد يوم مع ملء إيران للفضاء العربى.

كما يتطلب الانخراط الفعال فى الغطرسة التركية موقفا عربيا حازما وصريحا بشأن ممارسات غير مشروعة متمثلة بالدعم العسكرى فى ليبيا، وتجاوزات على الأراضى السورية، وتمسكها بقواعد عسكرية فى العراق رغم أنف ودون موافقة الحكومة الوطنية بالبلاد، وغير ذلك من الممارسات التى تمس الأمن القومى والاستقرار الداخلى للعديد من الدول العربية.

وعلى الرغم أننى لا أحمّل الانشقاق الفلسطينى مسئولية تعثر عملية السلام العربية الإسرائيلية، فلدى يقين بأنه من الصعب النجاح فى التصدى لإجراءات الضم الإسرائيلية بالضفة الغربية لنهر الأردن، كليا أو جزئيا، التى ستقضى على أى أمل متبقٍ لحلم السلام بين الدولتين، أو استعادة العرب لأخذ زمام الدعوة لاحترام حقوق المواطنة الفلسطينية وإقامة دولتهم، دون التوفيق بين الأوضاع الفلسطينية والعودة إلى إطار المواطنة الجامعة للدولة الفلسطينية، وهى خطوة ضرورية حتى لا يبرر الانقسام الذريع للتعامل مع الفلسطينيين كدويلات ومقاطعات، تستغل التفريق بينهم لتمرير صفقات شرق أوسطية، وضمّ أراضٍ جديدة لإسرائيل على حساب الشعب تحت وطأة الاحتلال، ولن ينجح الفلسطينيون فى التصدى السياسى والشعبى للإجراءات الإسرائيلية القادمة فى ظل انقسامهم.

كل هذه القضايا والنزاعات هى تداعيات ونتائج لممارسات تعكس عدم احترام القانون الدولى، والتدخل فى الشئون الداخلية للبلدان المجاورة، والسعى إلى الهيمنة الإقليمية التى لا ينبغى التسامح معها أو قبولها فى المستقبل، ويجب ألا نصمت على الوضع الإقليمى الحالى، الذى يحمّلنا ثمنا بالغا، ولن نشهد أى تقدم نحو تغييره مع استمرار الوضع العربى على ما هو عليه.

وتقتضى الأمانة المصارحة أيضا أن الأمور لن تحل وحدها بدون تجاوب جميع الأطراف العربية المختلفة، ليخرج كل طرف، ظاهريا على الأقل، بحصيلةٍ ما من التقارب العربى، حتى لو لم يكن على قدم المساواة لأنه لا توجد مساواة بين الحق والباطل، وإنما التحرك ضرورى ولمصلحة جميع العرب على المدى الطويل، لأن الهيمنة الأجنبية فى نهاية المطاف على حساب جميع العرب، لذا يجب علينا إيجاد سبل دبلوماسية لضمان توفير قدر من الإنجاز والمصالح للجميع، وحفظ ماء الوجه للبعض الآخر.

وبالنظر إلى كل هذه الاعتبارات، وازاء الظروف القاسية والوجودية التى تواجه العرب، فإننى أؤكد أهمية وعجالة التحرك العربى السريع بخطوات ملموسة، بحيث نكون طموحين إذا أردنا العودة من حافة الهاوية السياسية، وجريئين باتخاذ مواقف وتدابير على المستوى العربى، أو على الأقل على المستوى الوطنى بين الدول المتوافقة، حتى نتمكن من دعم مصداقية وثقل دعوتنا للآخرين لدعم موقفنا وتحمل المسئولية تجاه من يخالف القانون.

إن الصعوبة فى التوصل إلى اتفاق حول جميع هذه العناصر ليس مبررا، ولا السبب فى عدم البدء بالتعامل معها، أو الاكتفاء بالتصريحات الرنانة عن التوافق العربى، والوصول إلى صيغ عامة لم يتم تنفيذها، أو حتى إصدار القرارات لتسجيل المواقف السياسية، حتى إذا كان لذلك جوانب إيجابية ومفيدة، مثل تلك الصادرة عن الاجتماع الوزارى العربى الأخير حول ليبيا والحقوق المائية لمصر والسودان، وإنما تلك القرارات غير كافية، وتفتقر إلى إجراءات ملموسة ضد من يضرون بالمصالح العربية ويهددون أمننا القومى.

ويجب العمل بكل جدية لاتخاذ تدابير لبناء ثقة فى المسارات العربية العالقة والخلافية، واقتراح آليات دبلوماسية نشطة فى سعينا لإيجاد مواقف عربية توافقية، ويمكن تحقيق ذلك بتكليف أحد القادة العرب، أو عدد محدود منهم كمنسقين لكل من تلك القضايا. وفيما يتعلق بسوريا، واليمن، وليبيا، وتركيا وإيران وإسرائيل، وعملية السلام العربية الإسرائيلية وغير ذلك، بغية تمهيد وإعداد الأرضية الدبلوماسية وبناء الثقة للتواصل بعد ذلك بين الأطراف المعنية مباشرة، فالأمر لم يعد يتحمل إلا التعامل الجاد والصادق أمام تحديات العصر التى تهدد مصالح جذور وهوية العالم العربى.

نقلا عن إندبندنت عربية

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved