أكد بيدرو سانشيز، رئيس وزراء إسبانيا، أن زيارته المرتقبة إلى القاهرة على رأس وفد حكومي كبير، تستهدف بالأساس، تعزيز أواصر العلاقات بين البلدين على كافة المستويات، وتعميق العلاقات الثنائية، انطلاقا من موقف إسبانيا كشريك إستراتيجى لمصر، التى لعبت دائمًا دورًا أساسيًا فى دعم العلاقات «الإسبانية - العربية»، باعتبارها حجر الزاوية فى عملية برشلونة، والشراكة الأورومتوسطية.

وقال سانشيز - في حوار لــ"الأهرام" أجراه علاء ثابت، رئيس تحرير الجريدة، حول جدول أعمال زيارته المرتقبة إلى القاهرة، ومشروعات التعاون المستقبلية بين مصر وإسبانيا- "منذ فترة ونحن نستهدف زيادة حركة التجارة والروابط التجارية بين مصر وإسبانيا، وقد أصبحت مسألة مهمة الآن، ونحن نتعافى من الأزمة الاقتصادية التى تسببت فيها جائحة كورونا، وهو ما يستلزم إعادة بناء جسور التعاون الأورو متوسطي، على ما يمثله ذلك من مستقبل مزدهر لكل دول المنطقة، ويتضمن العديد من الفرص للشباب، على ضفتي البحر المتوسط، وهو ما يتطلب العمل بجدية لمساندة هذه الرؤية والعمل معًا من أجل تحقيقها".

وردا على سؤال حول عن التعهدات والاتفاقيات التي تحققت حتى الآن فى المؤتمر الاقتصادى بشرم الشيخ عام 2015، خاصة وأن إسبانيا كانت من أبرز الدول التى شاركت في المؤتمر، وما يتعلق بالتعاون الاقتصادى بين البلدين، قال رئيس وزراء إسبانيا إن مؤتمر شرم الشيخ، يمثل علامة فارقة ومهمة فى استقرار الاقتصاد المصرى وإعادة إطلاقه دوليًا، موضحا أنه منذ ذلك الحين، تم إحراز تقدم كبير معترف به على نطاق واسع من قبل المجتمع الدولى، والمؤسسات المالية الدولية، وقد كان الوفد الإسبانى بالفعل، من بين أوائل الوفود التى وصلت إلى شرم الشيخ فى مارس 2015، مع مجموعة من كبار المسئولين السياسيين ورجال الأعمال.

وأضاف أنه وخلال القمة، تم التوقيع على مذكرة تفاهم حول النقل، نتج عنها منحة قدرها مليون يورو، لإجراء دراسة جدوى لخط قطار فائق السرعة بين القاهرة - الأقصر - أسوان – الغردقة، وقد تضاعف عدد الشركات الإسبانية العاملة فى مصر أربع مرات منذ ذلك الحين، فبينما كان عددها لا يزيد على 15 شركة عام 2015 يبلغ عددها اليوم 60 شركة، وقد زاد حجم التجارة بين البلدين بشكل كبير، من مليار و800 مليون يورو فى ذلك العام، إلى نحو مليارين و590 مليون يورو فى 2018، وبما أننا ما زلنا نتعافى من آثار الجائحة، فإننا نتوقع أن يرتفع النمو مرة أخرى، ولدى أمل فى أن تسهم هذه الزيارة فى دفعة جديدة للعلاقات التجارية والاستثمارية كما فعلت قمة شرم الشيخ.

وفيما يتعلق برؤيته نحو سبل زيادة الاستثمارات الإسبانية فى مصر، قال سانشيز إن الأزمات المالية العالمية ألحقت خلال العقد الماضى، خسائر فادحة باقتصادياتنا، وقد انعكس ذلك على التجارة والتدفقات المالية بيننا، فعانت بعض شركاتنا من عواقب هذه الظروف بطريقة مباشرة، ما أدى إلى تراجع تدفق المزيد من الاستثمارات، ولحسن الحظ، فقد تم حل هذه الخلافات.

وأضاف "وأنا على يقين من أننا نقف أمام مستقبل أكثر إشراقًا، فى ضوء ما أجرته مصر من إصلاحات اقتصادية هيكلية شجاعة، واستمرارها فى تحقيق مزيد من النمو، ونحن فى إسبانيا، نمر بعملية انتعاش وتحول اقتصادى، وشركاتنا تتطلع إلى تحقيق استثمارات جديدة، وهو ما يحتم علينا اغتنام الفرص الجديدة، والعمل معًا لصالح شعبينا، لذلك فنحن نشجع وبقوة إنشاء مجلس أعمال «إسبانى- مصرى» مشترك، وتعزيز آليات التمويل التى تشجع بها الحكومة المشروعات الاستثمارية الجديدة".

وحول التنسيق مع الجانب المصرى قبل قمة المناخ المقبلة COP27 فى شرم الشيخ، فى ضوء ما انتهت إليه قمة جلاسجو للمناخ من نتائج، قال رئيس وزراء إسبانيا إن قمة المناخ فى جلاسجو، انتهت إلى اتفاقات طموحة، على نحو ما ينعكس فى ميثاق جلاسجو للمناخ، الذى من شأنه أن يعزز من الالتزام الدولى نحو مكافحة تغير المناخ، على المستوى المتعدد الأطراف من خلال الأمم المتحدة، لافتا إلى أن بلاده قد اتخذت، من بين أمور أخرى، قرارات مهمة بشأن تمويل المناخ، من بينها الالتزام بزيادة التمويل الدولى لقضايا المناخ، بنسبة 50٪، ليصل إلى مليار و350 مليون يورو سنويًا اعتبارًا من عام 2025.

وهنأ سانشيز مصر على اختيارها لاستضافة قمة المناخ المقبلة COP27، مؤكدا أن بلاده ومصر سوف تعملان معًا من أجل ضمان نجاح مؤتمر الأطراف فى شرم الشيخ، حيث تتمتع إسبانيا بخبرة حديثة فى استضافة قمة COP25 عام 2019، وأن إسبانيا على استعداد للعمل مع مصر من أجل دفع هذه الأجندة، حيث تعتبر مكافحة التغير المناخى أولوية قصوى للحكومة الإسبانية فى تلك الفترة.

وفيما يخص فرص التعاون مع مصر فى مواجهة وباء (كوفيد-19)؛ لا سيما وأن إسبانيا تعد خامس أكبر مانح للقاحات لآلية «كوفاكس» الدولية، أكد سانشيز أن بلاده تعتبر الوصول العالمى والعادل إلى اللقاحات، ليس أمرا مهما فحسب، ولكنه أيضًا الطريقة الوحيدة للسيطرة على جائحة كوفيد -19، وأن هذا هو سبب دعوته، منذ بداية الوباء، إلى التعاون الدولى والاستجابة الدولية المنسقة، منوها إلى أن إسبانيا قد عملت ولا تزال تعمل على تحقيق ذلك، وقد دعمت إنشاء ACT-Accelerator ومبادرتها COVAX، كما تعهدت بالتبرع بـ 50 مليون جرعة لقاح، وقامت بالفعل بتسليم أكثر من 30 مليون جرعة، خصصت منها ما يقرب من 4٫5 مليون جرعة لقاح إلى مصر، من خلال آلية كوفاكس.

وأضاف "لكننا نرى أنه يجب أن يتجاوز التعاون الدولى تقاسم اللقاحات، فمن الأساسى أن نزيد الطاقة الإنتاجية للقاحات على الصعيد العالمى، وهذا لا يمكن أن يحدث إلا من خلال تبادل المعرفة، وضمان أن النظام الدولى لحقوق الملكية الفكرية، يفضى إلى حلول وليس عقبات، وهذا فى الحقيقة هو السبب فى أن إسبانيا انضمت إلى مبادرة (COVID-19 Technology Access Pool C-TAP) فى مايو الماضى، لتسهيل وصول المنتجات الصحية لمكافحة الجائحة، فى الوقت المناسب، وبصورة منصفة وبأسعار معقولة".

وحول آفاق التعاون السياحى بين مصر وإسبانيا خلال الفترة المقبلة، خاصة فى ظل التيسير التدريجى لقواعد السفر من وإلى عدة دول أوروبية، أكد رئيس وزراء إسبانيا أن قطاع السياحة من القطاعات المهمة للغاية، سواء بالنسبة للاقتصاد المصرى أو الإسبانى، وقد شهدت التدفقات السياحية بين البلدين، انتعاشًا قويًا خلال السنوات القليلة الماضية، فقد نما القطاع بنسبة 80٪ بين عامى 2017 و2018، ويرجع الفضل فى ذلك جزئيًا إلى استئناف الرحلات المباشرة، لكن الوباء حطم هذا القطاع فى جميع أنحاء العالم، وقد انعكس ذلك على عائدات السياحة فى إسبانيا التى انخفضت بنسبة بلغت 69٪، بالنسبة للناتج المحلى الإجمالى فى عام 2021.

وأضاف أن التحدى الرئيسى الذى ينتظرنا هو استعادة التنقل الدولى الآمن، وقد كان هذا هو السبب الذى أطلقت من خلاله قبل عام، مبادرة لوضع مبادئ توجيهية مشتركة، ما أسفر عن مخطط تمت الموافقة عليه فى مايو من هذا العام، والحقيقة أنه يجب علينا اغتنام هذه الفرصة، لإعادة التفكير فى مستقبل هذا القطاع الحيوى، ووضع بنى لسياحة أكثر استدامة، ونحن نعمل بشكل وثيق مع منظمة السياحة العالمية، ومقرها مدريد، لتحقيق هذه الأهداف.

وفيما يخص قرار فتح إسبانيا لسفارتها في طرابلس، قبل الانتخابات الليبية المقررة نهاية العام الجارى، قال سانشيز إن إسبانيا أعادت فى 3 يونيو الماضى فتح سفارتها فى طرابلس، كرمز لدعم بلاده الواضح لتحقيق الاستقرار فى ليبيا، بوصفها دولة صديقة وجارة وأمة واعدة، مؤكدا أن هذا القرار يمثل لحظة ذات أهمية فائقة لمستقبل ليبيا، ويؤكد على دعم إسبانيا الكامل لكل خطوات تحقيق الاستقرار التى تقوم بها ليبيا حاليا.

وأضاف أن الليبيين يقفون الآن أمام لحظة حرجة، ممثلة فى الفترة التى تسبق الانتخابات الرئاسية والتشريعية المقرر إجراؤها فى 24 ديسمبر المقبل، مشيرا إلى أنها لن تكون عملية سهلة، لأن الانتخابات وحدها لن تكون بمثابة الحل السحرى لكل المشاكل التى تعانى منها ليببا، لكنها جزء أساسى من عملية الاستقرار السياسى.
ودعا رئيس الوزراء الإسباني جميع الجهات الفاعلة في ليبيا إلى ضمان إجراء الانتخابات بطريقة منظمة واحترام ما سوف تسفر عنه من نتائج، ثم البدء فى معالجة الأزمة الاقتصادية الرهيبة التى تمر بها البلاد، مشيرا إلى أنه رغم أن ليبيا بلد غنى بثرواته، فإن الصراع الذى استمر لنحو عشر سنوات، أوقعها فى حلقة مفرغة، لذا فإن الاستقرار الاقتصادى الليبى، يعد أمرًا ضروريًا لاستئناف تقديم الخدمات العامة، وإمكانية خلق فرص العمل، وكلاهما ضرورى للسلام وإعادة الإعمار.

وفيما يخص رؤية إسبانيا إلى عملية برشلونة، والتعاون بين الاتحاد الأوروبى ودول جنوب المتوسط، لتحقيق الاستقرار الإقليمى، أكد سانشيز إلتزام بلاده إلتزاما عميقا بعملية برشلونة، وأنها تود أن ترى منطقة أكثر تكاملا وازدهارا، وتحلم دائما بمنطقة البحر المتوسط كفضاء للسلام والازدهار، والتضامن والحوار والتعاون، لافتا إلى أن الاتحاد من أجل المتوسط حقق تقدمًا مهمًا على مدار ربع قرن، وهى فترة كافية لكى نعمل على تكثيف الالتزام السياسى، الذى يمكن أن يمكّن هذه المنظمة من العمل، كمحفز لجميع الجهود والمبادرات الهادفة إلى التعاون والتكامل الأورومتوسطى.

وشدد رئيس الوزراء الإسباني على أن مصر عملت دائمًا عن كثب مع إسبانيا، لتوضيح هذه العلاقة بين أوروبا وجنوب البحر المتوسط، معربا عن تطلع بلاده مرة أخرى إلى قيادتها، من أجل تزويد الاتحاد من أجل المتوسط بديناميكية وقوة جديدين.

يشار إلى أن زيارة رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز إلى القاهرة ستكون الأولى التي يتأهب لها على رأس وفد حكومي كبير؛ خاصة بعدما استطاعت مصر بقيادة ربانها الماهر أن تمد جسور التعاون فى كل الاتجاهات، وفق حسابات المصلحة الوطنية وتقاسم الثمار والفوائد مع الدول الصديقة، وسط تتدافع الأحداث فى العالم على نحو يومئ بمستجدات إستراتيجية.
وقضى سانشيز، نحو خمس سنوات أمينًا عامًا لحزب العمال الاشتراكى الإسبانى، عبر دورتين منفصلتين، قبل أن ينجح أثناء قيادته الثانية للحزب الاشتراكى، فى الحصول على ٣٨ مقعدا، فى الانتخابات العامة التى أجريت فى أبريل عام 2019، ليتوج مشواره السياسى بعد شهور قليلة، بالفوز بأعلى الأصوات فى الانتخابات التى أجريت فى نوفمبر من العام نفسه، وفتحت الطريق أمامه لاحقا، لأن يكلف بتشكيل الحكومة الإسبانية الجديدة.

وبعد فترة قليلة، من توليه رئاسة الحكومة الإسبانية، نجح سانشيز فى فتح آفاق جديدة فى علاقات بلاده والعديد من دول الجوار، خصوصا دول حوض البحر المتوسط، ومن بينها مصر التى يرى أنها رمانة الميزان فى الشرق الأوسط، ومن ثم يسعى من خلال زيارته المرتقبة إلى دعم العلاقات الثنائية فى جميع المجالات، بالإضافة إلى مناقشة الملفات الإقليمية والدولية الرئيسية ذات الاهتمام المشترك.