أحمد عبدالله لـ«الشروق»: السينما بالنسبة لي لعبة للاستمتاع والتواصل مع الناس

آخر تحديث: الثلاثاء 29 نوفمبر 2022 - 8:36 م بتوقيت القاهرة

حوار ــ محمد عباس

* «19ب» مرتبط بالتغيرات التى حدثت فى الشارع وانعكاسها داخل المنازل وعوالمنا الداخلية
* كنا نعدل جدول تصوير الفيلم بشكل يومى حسب حالة الحيوانات
* تصنيف الأفلام لـ«مهرجانات» و«تجارية» رؤية متكاسلة.. والجمهور دائمًا له رأى آخر
* التكنولوجيا جعلت الإنتاج الفنى متاحًا بأجهزة بسيطة

يواصل المخرج أحمد عبدالله حصده للجوائز، من خلال السينما، والتى يصفها بأنها بالنسبة إليه «لعبة» يلعبها ليستمتع ويتواصل مع الناس، عن طريق سرد الحكايات، ومشاركة أفكاره الفريدة والمختلفة، التى يحاول تطويرها وتغييرها فى كل فيلم.

التقت «الشروق» المخرج أحمد عبدالله، صاحب فيلم «19ب» الفائز بثلاث جوائز بمهرجان القاهرة السينمائى، وتحدثت معه عن رأيه فى تصنيفه كمخرج أفلام مهرجانات، وصعوبة التعامل مع الحيوانات وتوظيفها فى الفيلم.

< فى البداية من أين أتت لك فكرة فيلم «19ب»؟
ــ فى أثناء فترة العزلة وقت الكوفيد، كنت مأخوذا بتساؤلات عديدة حول حياتى، وحول الوحدة والعزلة، والتقدم فى السن، وكنت أكتب كثيرا فى هذه الفترة، وتذكرت خلال وقت كتابتى رجلا كنت أمر أمامه بشكل منتظم فى أثناء طريقى للعمل، وكان رجلا فقيرا رث الثياب يحرس مبنًى متهدما، لكنه كان يطعم حيوانات الشارع بشكل يومى على الرغم من أنه بالكاد قادر على إعالة نفسه، وحاولت تخيل حياة هذا الرجل لكننى انتهيت مقحما تساؤلاتى ومخاوفى على هذه الحياة المتخيلة.

< كم أخذت من الوقت للعمل على الفيلم؟
ــ استغرقت الكتابة والتحضير والبروفات والتصوير حوالى سنتين، أما فترة التصوير الفعلية فكانت حوالى شهر وأسبوع.

< ما أصعب شىء قابلك بالفيلم وفى أثناء التصوير؟
ــ العمل مع الحيوانات بلا شك. فى الفيلم 14 كلبا وقطة أغلبهم من حيوانات الشارع، وهى عصية على التدريب، وعلى الرغم من قدرتنا على تكوين صداقة معهم من قبل كل فريق الفيلم فإنها كحيوانات قد تأتى عليها أى لحظة ويقرر الكلب أنه لن يقف أمام الكاميرا وسيذهب ليستظل تحت شجرة، هنا كان دور فرق الإخراج خاصة مروان حرب، وفريق الإنتاج بقيادة جيمى، حيث كانوا يقوموا بإعادة الجدول بشكل شبه يومى على الهواء وتبديل المشاهد واللقطات لتتماشى مع حالة الحيوانات فى كل يوم. وهى عملية شاقة ومجهدة جدا كما يعرف العاملون فى الصناعة.

< بعد موت «نصر» بنهاية الفيلم شعرنا كأنه شخص لم يكن له وجود وتم تجاوز اختفائه حتى إن أصدقاءه لم يسألوا عنه، فما الذى قصدته من هذا الأمر؟
ــ لا أفضل الحديث عن النهاية كقصة أو كأحداث، خاصة أنها ذات طابع مختلف عن بقية كتاباتى، لكن لأجيب عن سؤالك بدون سرد لما حدث على الشاشة، فإننى دوما ما رأيت أن «نصر» وبطل الفيلم الذى بلا اسم هم شخصيات على هامش المجتمع، لا أحد يكترث بما يحدث لهم، ووجودهم دوما وجود هامشى يحاولون كسب قوتهم بشكل يومى ولن يعبأ سكان الشارع ولا حتى جيرانهم إن تواجدوا أو غابوا.

< قلت سابقا إن الحيوانات بالفيلم لم توجه وكانت بحريتها، فى مشهد موت الكلب.. كيفت تم التعامل مع الكلب وإبقائه مستلقيا على الأرض؟
ــ هذا الكلب تحديدا «قطمير» كان من الحيوانات القليلة التى اخترناها من إحدى مؤسسات رعاية الكلاب فى الجيزة، و«قطمير» كان لديه مدربه الخاص الذى يطعمه ويراعيه وطبيب بيطرى أتى فى يوم التصوير لإعطاء الكلب مهدئا ليستلقى على الأرض لبضع ثوان كانت كافية لتصوير هذه اللقطة السريعة قبل أن ينهض ويستكمل تصوير مشاهد أخرى يبدو فيها أكثر نشاطا.

< دائما ما تتسم أفلامك بالتجول بالشوارع.. لماذا اخترت أن يكون الفيلم فى إطار مكان واحد؟
ــ أنا دائما أحب التجديد من فيلم لآخر، وأحاول طوال الوقت ألا يكون هناك شىء مكرر، وفى كل فيلم أحب أن أذهب إلى أبعد نقطة من الفيلم الذى قبله، فى فيلمى السابق «ليل/خارجى»، كانت عبارة عن ليلة نتجول خلالها فى شوارع القاهرة لنرى أشياء مختلفة عنا، أما فى هذا الفيلم فحاولت أن يكون مغلقا وفى مكان واحد، على الرغم من أننى أعتقد أن «19ب» مرتبط بالشارع، وبالتغيرات التى حدثت فى الشارع وانعكاسها على منازلنا، والعالم الداخلى لأبطال الفيلم.

< كنت فى فيلمك الأخير «ليل/خارجى» مدير التصوير لحبك للتصوير.. لماذا فضلت فى «19ب» الاستعانة بمدير تصوير؟
ــ دوما أفضل الاستعانة بفنان أو فنانة يؤدى مهمته فى الفيلم حتى لو كانت لدى شخصيا بعض القدرة أو الخبرة فى مجاله، لأننى أؤمن أن السينما عمل جماعى، وبدون مشاركة الفنانين لأفكارهم، وبدون ضخ مواهب إضافية سيصبح الفيلم ضعيفا يحمل صوتا واحدا وهو صوتى، ولذا أنا فخور أننى عملت مع مصطفى الكاشف وهو مصور من طراز فريد لم أقابل مثله منذ سنوات، وأتمنى أن استمر فى العمل معه.

< فى رأيك هل يجب أن يكون المخرج قد جرب العمل على تخصصات مختلفة فى السينما كالتصوير والمونتاج؟
ــ كما أسلفت لك، قد يكون المخرج على دراية بتخصص كالكتابة والمونتاج، لكن دوما اختيارى الأول أن أعمل مع مؤلف آخر لأستفيد بمدخلاته ورأيه، أو مع مونتيرة أخرى لتضيف للفيلم وجهة نظرها، وهذا ما فعلته سارة عبدالله فى أفلامى الثلاثة التى قامت بعملية المونتاج فيها، وأظن أنه بدون رأيها الذى كثيرا ما يختلف عن رأيى وبدون إقناعى بما تراه لخرج الفيلم بشكل أضعف كثيرا.

< ألاحظ أنك حريص على مشاركة أفلامك فى مهرجان القاهرة السينمائى ولا تهتم بالسينما التجارية فلماذا؟
ــ قيل لى هذا سابقا فى أثناء عرض فيلمى «ليل/خارجى»، والحقيقة أن الفيلم حقق إيرادات جيدة فى الشباك، بل وكان الفيلم الأعلى مشاهدة على منصة عالمية طوال أكثر من أسبوعين عندما طرح عليها، لذا أتمنى ألا نتعجل فى إسباغ صفات على أفلام لم يرها الجمهور ولم يقل رأيه فيها بعد.

< كيف ترى فكرة تصنيف «أفلام المهرجانات» و«الأفلام التجارية»؟ وهل تعتبر نفسك مخرج أفلام مهرجانات؟
ــ هذان التصنيفان هما تصنيفان كسولان فى رأيى اخترعتهما بعض الصحافة الفنية منذ عقود وللأسف التصقا واستمرا، وهى تصنيفات غرضها استباق الوضع وتأطير الفيلم فى إطار عام عادة ما نجد أن للجمهور رأيا آخر، فلا داعى لأذكر لك عدد الأفلام التى نجحت فى المهرجانات ونجحت أيضا تجاريا والعكس صحيح.

< لماذا يفصل بين أفلامك كمخرج مدة يعتبرها البعض طويلة تصل إلى 4 سنوات؟
ــ الحقيقة أن طبيعة أفلامى ليست من الأفلام التى يتم كتابتها سريعا وعمل كاستنج متوقع من ممثلى السوق وتصويرها فى جدول ضيق وإطلاقها فى دور العرض، أنا لا أعمل بهذه الطريقة. وإن لم أشعر بأننى وفريقى جاهزان للعمل، أفضل دوما التأجيل وذلك لمصلحة الفيلم أولا.

< قلت إنك لا تصنع أفلاما لمجرد الاستمرارية.. حدثنا عن مدرستك السينمائية؟ وما المدارس السينمائية التى تحبها؟ ومن هم المخرجون المفضلون لك من العرب والأوروبيين؟
ــ السينما بالنسبة لى هى «لعبة» ألعبها لأستمتع وأتواصل مع الناس، خاصة أننى لست اجتماعيا جدا، ولذا أجد فى حكى الحكايات عبر الشاشة ضالتى فى الحديث عن نفسى ومشاركة أفكارى، وأحاول فى كل فيلم صناعة فيلم مختلف عما سبقه، لا أجد أى سعادة فى تكرار طبيعة فيلم ما حتى إن كان ناجحا، ولذا كثيرا ما يستاء محبو فيلم ما مثل محبى «ميكروفون» حينما لا يجدون فى أفلامى التالية ما يشبه ما يحبونه فيه، لأننى أؤمن بالتطور والتغيير وأتمسك بحقى فيه.
أما المخرجون المفضلون هم صناع السينما الشباب من الجيل القادم، لا أعرف شيئا أكثر إلهاما من مشاهدة أفلام العمل الأول لمخرجات ومخرجين يبدأون حياتهم، ولهم صوتهم الخاص الفريد جدا. وفى هذه الدورة من المهرجان على الرغم من انشغالى بتفاصيل الفيلم فإننى قد حرصت أن أشاهد مسابقة الأفلام القصيرة.

< ما نصيحتك لصناع الأفلام من الشباب فى الوطن العربى؟
ــ نصيحتى ألا يستمعوا لنصيحة أحد، وألا ينتظروا أن يتم قبولهم فى منصات أو مؤسسات، وأن يشرعوا فى عمل أفلامهم لأنه كما ــ قال بيلا تار فى حواره ــ قد أصبح فى جيب كل منا تكنولوجيا تسمح له بصناعة فيلم، وسيظل السؤال الأهم هو عن الحواديت، وطبيعة هده الأفلام وهمومها.

< كنت أول مخرج يتحدث عن مغنى الـ«راب» ويقتحم هذا العالم فى فيلمك «ميكروفون».. هل ما زلت تتابع هذا العالم؟ ومن هم المفضلون لك من المتواجدين على الساحة حاليا؟
ــ الحق أننى احترم الراب والمهرجانات كثيرا، وأكن تقديرا خاصا لهذه الموسيقى كوسيلة تعبير شديدة الخصوصية، وأنزعج جدا من محاربتهم من مؤسسات بعينها، ولكن على الرغم من تقديرى الشديد لهم فإننى لست مستمعا جيدا للراب لأن ذوقى الموسيقى يميل إلى منطقة موسيقية أخرى.

< كيف ترى التطور الذى حدث فى ساحة الـ«راب»؟ وفى رأيك ما الأسباب التى أدت لهذا التطور؟
ــ مثل تطور السينما، التكنولوجيا جعلت الإنتاج الفنى متاحا من خلال أجهزة بسيطة، وسعيد أن الشباب اقتنصوا الفرصة واستخدموا ما أتيح لهم فى صنع موجة موسيقية سيطرت على الساحة الموسيقية فى وقت قليل. والأهم أنها قضت على المألوف والمكرر من ألحان وكلمات اعتدنا عليها منذ عقود.

< هل تفكر فى إعادة التجربة فى ظل الانتشار الحالى للـ«راب»، أو تفكر فى تقديم جزء ثان من فيلم «ميكروفون» خاصة أن عددا ممن شاركوا فى الفيلم أصبح لهم جمهور كبير كـ«مسار إجبارى» و«شاهين»؟
ــ كما قلت، آخر ما يحمسنى فى هذه المهنة هو إعادة إنتاج شىء قد جربته وعشته من قبل، «ميكروفون» كان وليد لحظته ووقته والحالة الراهنة آنذاك فى الإسكندرية، ربما تأتى أفكار أخرى موسيقية أو متقاطعة معه فى أعمال قادمة، لكنها بالتأكيد لن تكون إعادة زيارة لهذه الحالة التى عشتها وانقضت.

< هل تفكر فى الاتجاه لإخراج المسلسلات قريبا؟
ــ لدى فكرة لاقت اهتمام إحدى المنصات، لكن طبعا العمل بشكل مؤسسى يستغرق وقتا طويلا للكتابة والتحضير.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved