نبيل نعوم يكتب: بوب ديلان وجائزة نوبل

آخر تحديث: الجمعة 30 أبريل 2021 - 8:01 م بتوقيت القاهرة

يحتفل بوب ديلان المغنى والشاعر الأمريكى الحائز على جائزة نوبل فى الآداب عام 2016 بعيد ميلاده الثمانين فى 24 من شهر مايو الحالى. وكان حصوله على الجائزة بناء على تقييم لجنة الإشراف على الجائزة «بأنه ابتكر نوعا جديدا من التعبير الشعرى داخل تاريخ الأغنية الأمريكية العريق».
وهذه هى المرة الأولى التى يحصل فيها موسيقى وشاعر وكاتب أغان على جائزة نوبل، وإن حصل عليها من قبل بعض الشعراء مثل روديارد كبلنج عام 1907 وهو صاحب القول الاستشراقى «الشرق شرق والغرب غرب، والاثنان لن يلتقيا أبدا»، ويبدو أن ذلك للأسف أصبح قانونا يحكم العلاقة بين الغرب والشرق؛ والشاعر الهندى رابندرانات طاغور عام 1913 صديق غاندى ومؤيده فى كفاحه ضد الاستعمار البريطاني، والشاعر الإنجليزى ت. س. إليوت عام 1948 ومن أشهر قصائده «الأرض الخراب» و «أربع رباعيات» الذى يبدأها بقوله «الزمان الحاضر والزمان الماضى، حاضران كلاهما، ربما، فى الزمان المقبل».. والشاعر الروسى بوريس باسترناك عام 1958 وإن كان مشهورا أكثر بسبب روايته دكتور زيفاجو، والشاعر الفرنسى سان جون بيرس عام 1960 الذى يقول فى إحدى قصائده، موحدا نفسه بجميع أجناس العالم «جنسنا بلا اسم، والزمن يعرف الكثير عن البشر الذين كُنّاهم»؛ والشاعر التشيلى بابلو نيرودا، شاعر الحب والثورة عام 1971 والمشهور بكتابة مائة قصيدة، عشقا فى حبيبته ماتيلدا؛ والشاعر النيجيرى وول سونيكا عام 1986 وهو أول أفريقى يحصل على جائزة نوبل، وذلك عامين قبل أن يحصل عليها الكاتب الملحمى نجيب محفوظ عام 1988 فى الأدب، والشاعر المكسيكى أوكتافيو باث عام 1990 صاحب اللهب المزدوج، وأطفال الطين، ومثل من ينصت للمطر، والشاعرة الأمريكية لويز جلوك عام 2020 وذلك حسب بيان لجنة نوبل لقدرة أعمالها على تحويل الخاص إلى العام، والوجود الفردى إلى صبغة كونية.
والآن قبل العودة إلى بوب ديلان شاعر الأغنية، نتساءل لماذا لم تلتفت جائزة نوبل طوال القرن العشرين، وبدايات القرن الواحد والعشرين إلى عمالقة الشعر والأغنية العرب عموما، والمصريين خاصة؟ لماذا لم ينلها قمم مثلا مثل أحمد شوقى، على محمود طه، مطران خليل مطران، أحمد رامى، محمد ناجى، الهادى آدم، بشارة الخورى، نزار القبانى، أدونيس، صلاح جاهين، عبدالوهاب محمد، أحمد فؤاد نجم، عبدالرحمن الأبنودى، سيد حجاب، والكثير ممن أثروا الشعر والغناء؟ ومما يذكر أن بوب ديلان صرح فى إحدى المقابلات معه فى 1978 أنه أحب صوت أم كلثوم كثيرا، ومن لم تبهره كوكب الشرق التى صرح أيضا مارلون براندو نجم السينما الأمريكية بمدى إعجابه بصوتها؟ هُم يعجبون وهُم أيضا ينالون الجوائز.
وتعود بعض شهرة بوب ديلان فى ستينيات القرن الماضى إلى أغنيته التى نالت إعجابا شديدا وهى أغنية «لايك رولينج ستون» (مثل حجر يتدحرج)، وهو غير وصف امرؤ القيس المعروف «مكر مفر كجلمود صخر حطه السيل من عل». أما أغنية بوب ديلان التى كتبها على أربع ورقات فى فندق فى عام 1965 فقد بيعت الورقات فى مزاد عام 2014 بمبلغ 2 مليون دولار. وهذا يدعونى إلى التساؤل عن مدى الاهتمام بتراث نصوص كتابنا الكبار المكتوبة بخط اليد، وعن مدى وسائل الاحتفاظ بمثل هذا التراث؟ أما عنوان أغنية «مثل حجر يتدحرج» لبوب ديلان فيرجع حسب قوله إلى المثل الذى يقول «الحجر المتدحرج لا يجمع الطحلب». وليس لعنوان الأغنية علاقة باسم فرقة الروك المعروفة «الرولينج ستون» التى يرجع اسمها إلى مغنى البلوز مودى ووترز. ومما يذكر أيضا أن المغنى المشهور جيمى هندريكس، غنى أيضا الأغنية نفسها. والأغنية تنتقد الطبقة البرجوازية، والنساء الثريات اللاتى يقعن فى حب الرجال الذين كما يقال «يأكلهن لحما ويرمينهن عظما»، وأيضا تتناول الحكمة والاحتجاج، والتعبير عن الوحدة ومظالم الفروق الاجتماعية.
وتقول كلمات الأغنية فى المقطع الذى يعاد ترديده:
كيف يبدو هذا..
كيف تشعرين
حين تكونين وحيدة، ولا تعرفين طريق البيت
مثل نكرة بلا هوية
مثل حجر يتدحرج؟
واستخدم المخرج الأمريكى ذائع الصيت مارتن سكورسيزى جملة «لا طريق للبيت» من الأغنية، كعنوان لفيلم تسجيلى عن بوب ديلان فى عام 2005.
ومن المعروف عن ديلان تقديره للوحدة وقوله «ليس هنالك حقيقة واحدة» وهو القول نفسه الذى ردده كثيرا المحلل النفسى المشهور لاكان.
وإن اختلفت الآراء عن أحقية ديلان فى الجائزة، إلا أن المليونير المغنى، كان قد صنع ثروته التى تقدر ما بين 400 و500 مليون دولار عن طريق الأغانى التى كتبها وغناها، وذلك قبل حصوله على الجائزة التى تبلغ مليون دولار. ولدهشة الجميع صمت لمدة طويلة قبل أن يعلن عن قبولها، وقد مثلته فى قبولها المغنية الأمريكية المعروفة باتى سميث.
على كل حال قانون الجوائز لا يعنى منحها للأفضل حيث أن مقياس الأفضل يختلف من عصر لعصر، ومن اتجاه سياسى وأخلاقى من فترة لأخرى، ويكفى أن بورجيس لم يحصل على جائزة نوبل للأدب، كما أن جائزة السلام نتعجب الآن كثيرا عن مدى علاقة بعض من حصل عليها بالسلام! وأخيرا يقول ديلان الذى كتب مذكراته فى جزء أول صدر فى عام 2004، وبالطبع هنالك الكثير من الذكريات لم يكتبها بعد:
«إن أردت أن تحتفظ بذكرياتك فعليك أولا أن تحياها».

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved