اليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري .. آليات ضعيفة للرصد وانتهاكات بلا محاسبة

آخر تحديث: الأربعاء 30 أغسطس 2023 - 2:00 م بتوقيت القاهرة

الدوحة - قنا

تعكس الأرقام الصادرة عن الأمم المتحدة، حجم المعاناة التي تعيشها ملايين الأسر حول العالم بسبب الاختفاء القسري لذويهم، ولا توجد أرقام دقيقة حول إجمالي المختفين قسريا حول العالم، حيث تكتفي المنظمة الأممية بالرجوع إلى الأرقام الصادرة عن المنظمات الحقوقية أو بعض مراكز الدراسات المعتمدة.

وتحتفل الأمم المتحدة والأسرة الدولية باليوم العالمي لضحايا الاختفاء القسري، الذي يوافق الثلاثين من شهر أغسطس من كل عام، ويعود الاحتفال السنوي باليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري لمبادرة غير حكومية في كوستاريكا عام 1981 من قبل اتحاد روابط أقرباء المعتقلين المختفين قسريا في قارة أمريكا اللاتينية، حيث كانت دول القارة تعج بحوادث اختطاف المعارضين السياسيين وإخفائهم دون معرفة مصيرهم منذ خمسينيات القرن الماضي، وتوجت المبادرات بتبني الجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة عام 2006، اتفاقية دولية لحماية الأشخاص من الاختفاء القسري، وقعت عليها 93 دولة وصدقت عليها 50 ودخلت حيز التنفيذ عام 2010.

ووفق تعريف الفريق التابع للأمم المتحدة المعني، فإن الاختفاء القسري يقصد به الاعتقال أو الاحتجاز أو الاختطاف أو أي شكل من أشكال الحرمان من الحرية على أيدي موظفي الدولة، أو أشخاص أو مجموعات من الأفراد يتصرفون بإذن أو دعم من الدولة أو بموافقتها، ويعقبه رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته أو إخفاء مصيره ومكان وجوده، مما يحرمه من حماية القانون، ويعرف بثلاثة عناصر متراكمة وهي الحرمان من الحرية ضد إرادة الشخص المعني، وضلوع مسؤولين حكوميين، على الأقل بالقبول الضمني، ورفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته أو إخفاء مصير الشخص المختفي أو مكان وجوده.

وتلجأ بعض الدول تحت ذريعة مكافحة الإرهاب لاحتجاز معارضيها وخصوصا من المتظاهرين والناشطين الحقوقيين والمعارضين السياسيين والصحفيين المتخصصين بالتقارير الاستقصائية ضد الفساد والقمع.

ولا تستثني بعض السلطات حتى النساء والأطفال وذوي الإعاقة، فتستخدم السجون أداة لبث الرعب بين أفراد المجتمع، إذ لا يقتصر الشعور بانعدام الأمن والخوف الناجم عن الامتناع عن كشف مصير المعتقلين على أقارب الضحايا فحسب، بل يطال التجمعات المحلية المناهضة للاستبداد وقد يطال المجتمع بأكمله، ولذا يسمى البعض الاختفاء القسري بأنه "جرح لا يلتئم أبدا".

وتنص الاتفاقية الدولية لحماية الأشخاص من الاختفاء القسري على عدد من الضمانات الإجرائية للحيلولة دون اختفاء الأشخاص، من بينها "ضرورة الإبقاء على كل شخص محروم من حريته في مكان رسمي، وتسجيله وتسجيل كل تنقلاته"، والأهم أنها تنص على "ضرورة السماح لكل محروم من حريته بأن يكون على صلة بالعالم الخارجي، وأن يكون على اتصال بعائلته ومحاميه".. وتقر الاتفاقية بأن مفهوم ضحايا الاختفاء القسري لا يقتصر على المختفين فحسب، بل يشمل أقرباءهم أيضا، وتعترف بحق العائلات في معرفة مصير أقربائها وحق الضحايا في التعويض عن الضرر الذي ألم بهم.

وتقضي بأنه "لا يجوز لأي دولة التذرع بأي ظرف استثنائي كان، سواء تعلق الأمر بحالة حرب أو التهديد باندلاع حرب، أو بانعدام الاستقرار السياسي الداخلي، أو بأي حالة استثناء أخرى، لتبرير الاختفاء القسري".

وينص القانون الدولي على أنه "إذا كانت الحكومات لا تعرف حقا مكان احتجاز المختفين أو المفقودين، فعليها أن تبذل المزيد من الجهود لمعرفة ذلك، ويتعين عليها حينها أن تحرص على إخلاء سبيلهم أو توفر معلومات عن مكان مقتلهم، كما يتعين على الحكومات القيام بالتحقيق ومقاضاة المسؤولين عن الاختفاء القسري في محاكمات عادلة، وضمان حصول الناجين والأشخاص الذين فقدوا أحباءهم الحق في التعويض، وإعادة التأهيل، ورد الاعتبار، وضمان ألا تقع حوادث الاختفاء مرة أخرى".

كما يقضي القانون الدولي بأنه "لا يجوز لأي دولة أن تطرد أو تعيد أو تسلم أي شخص إلى أي دولة أخرى إذا وجدت أسباب جدية تدعو إلى الاعتقاد بأنه سيتعرض عندئذ لخطر الاختفاء القسري"، ويطالب القانون والاتفاقات الدولية كافة الدول الأعضاء باتخاذ الإجراءات التي تكفل لجميع المشاركين في التحقيق، بمن فيهم الشاكي والمحامي والشهود والذين يقومون بالتحقيق، الحماية من سوء المعاملة أو التهديد أو الانتقام.

وقد وثقت منظمة العفو الدولية في عدد من البلدان في شتى أنحاء العالم كيف تعرض الشهود على عمليات الاختفاء القسري وأقرباء من يختفون للمضايقات ولسوء المعاملة والترهيب، وكيف ظل هؤلاء في معظم الأحيان عاجزين عن التماس العدالة والإنصاف.

ولا يخضع ضحايا الاختفاء القسري عادة إلى محاكمات، حتى عندما تتولى عملية الإخفاء أجهزة رسمية، وإن خضعوا إليها فهي محاكمات شكلية تحكم عليهم بسجن في مكان أسوأ من السجون، فلا اتصال لهم بالعالم الخارجي، ولا دليل على وجودهم أصلا بالنسبة إلى هذا العالم.. وقد يحكم عليهم بموت مباشر، مع غياب تام لأي معلومات عنهم، لكنهم يبقون هكذا معلقين بالنسبة إلى الأهل، الذين يترقبون في حيرة، طيلة سنوات أحيانا، وصول أخبار عن ذويهم قد لا تأتي أبدا، لتبقى عواطف الأهل متأرجحة بين الأمل واليأس، ويدرك الضحايا جيدا أن أسرهم لا تعرف شيئا عما حل بهم، وأن فرص حضور من يمد لهم يد المساعدة ضئيلة أو ربما معدومة.

ومن الأمور اللافتة أن جرائم الاختفاء القسري لا تخضع لقانون التقادم، فلا يمكن إلغاؤها، وهو ما نص عليه كل من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، والاتفاقية الدولية لحماية الأشخاص من الاختفاء القسري، التي اعتمدتها الجمعية العامة في 20 ديسمبر 2006، إذ أكدت أنها جريمة ضد الإنسانية عندما يرتكب ضمن هجوم واسع النطاق أو منهجي على أي مجموعة من السكان المدنيين، كما أن لأسر الضحايا الحق في طلب التعويض، والمطالبة بمعرفة الحقيقة فيما يتصل باختفاء أحبائهم، بينما تؤكد الأمم المتحدة أن الاختفاء القسري ينتهك أيضا بصفة عامة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للضحايا وأسرهم على حد سواء.

وتشير المعطيات المتوفرة للمؤسسات الدولية حول ضحايا الاختفاء القسري إلى تفاقم هذه الجريمة حول العالم.. أما الضحايا فهم من الجنسين، ومن كل الشرائح العمرية، كبارا وأطفالا، ومن مختلف الطبقات الاجتماعية. وتقول الأمم المتحدة إن الاختفاء القسري لا يسلب ضحاياه حريتهم فحسب، بل يزج بهم في أقبية احتجاز سرية، وغالبا ما يعيشون في خوف دائم من الفتك بحياتهم، وحتى إذا أطلق سراحهم في نهاية المطاف، فلن تفارقهم الآلام البدنية والنفسية طيلة ما تبقى من عمرهم.

ومن الواضح أن العامل المشترك بين ضحايا الاختفاء القسري هو بقاء الخاطف مجهولا في كثير من الأحيان، وبقاء المخطوف مجهول المصير، بينما تنقلب حياة أهله وذويه رأسا على عقب.. وقد يبقى الوضع على هذا الحال طويلا وربما إلى الأبد، وكثيرا ما تزداد محنة أسر الضحايا جراء العواقب المادية للاختفاء القسري، ذلك أن الشخص المختفي غالبا ما يكون هو العائل الرئيسي للأسرة، وقد يكون هو الفرد الوحيد في العائلة الذي يستطيع زراعة الأرض أو إدارة المشروع التجاري للأسرة، وهكذا يتفاقم الاضطراب العائلي باقترانه بالحرمان المادي الذي تشتد حدته نتيجة التكاليف الإضافية التي تتحملها الأسرة إذا قررت البحث عن عائلها المختفي.

وضمن التدابير المطلوبة، يشدد فريق الخبراء الأمميين المسؤولين عن ملف جرائم الخطف والإخفاء، على كافة الدول أن تثير أي جريمة للاختفاء القسري بشكل مستقل دون ربطها بغيرها من الجرائم كي لا يتم الاستخفاف بالتحقيق فيها وتجاهل إعلان نتائجها، إذ تدفع تلك المماطلة إلى تأخير الإجراءات وضعف كفاءة الأشخاص المخصصين للتحقيق فيها، وهو ما يخالف أحكام اتفاقية الأمم المتحدة المعنية التي تنص على ضرورة التحقيق في الادعاءات المتعلقة بحالات الاختفاء القسري بشكل شامل ومحايد، وضرورة حماية كافة الأشخاص القائمين على التثبت من سوء المعاملة أو التخويف أو الانتقام للضحايا وعائلاتهم.

وجاء التحذير الأممي من التهاون في التحقيق جراء تقارير تفيد عن وقوع أعمال انتقام وتهديدات وتخويف بحق الأقارب والمدافعين عن حقوق الإنسان الذين يعملون على حالات الاختفاء القسري وعرقلة تحركاتهم في أكثر من دولة على فترات متزامنة، ما يؤكد خوف الأنظمة القمعية من فضح ممارساتهم اللاإنسانية.

على أن أعداد المختفين قسريا ما زالت في ارتفاع مطرد بازدياد النزاعات المحلية والإقليمية التي تتفجر هنا وهناك بوتيرة واضحة، وتبقى الأعداد المعلنة أقل من الأرقام الحقيقية، نظرا لصعوبة جرد الضحايا وإحصاء مناطق اختفائهم بشكل دقيق، سواء من الأنظمة القمعية التي تنكر ممارسة الاختفاء القسري، أو من قبل الميليشيات والجماعات في مناطق الصراعات المسلحة، الذي تشهد كافة أنواع الانتهاكات الحقوقية.

وفي هذا السياق لا بد من الإشارة إلى أن ضحايا الاختفاء القسري يحتاجون إلى عون طبي سواء على مستوى تسجيل أي إصابات جسدية أو أضرار صحية تعرضوا لها خلال فترة اختفائهم قسريا، من أجل تقديم المساعدة الطبية اللازمة، أو لأغراض إثبات الادعاء الجنائي أو المطالبة المدنية ضد المسؤولين، ناهيك حاجة أسرهم إلى دعم نفسي لمساعدتهم على تخطي الآثار النفسية السلبية الناتجة عن الاحتجاز القسري لأبنائهم.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved