«أبناء الدنمارك».. كابوس العنصرية وكراهية الآخر

آخر تحديث: السبت 30 نوفمبر 2019 - 6:18 م بتوقيت القاهرة

خالد عبد العزيز

 ينشر بالتعاون مع نشرة مهرجان القاهرة السينمائي

 

صبيحة يوم الحادي عشر من سبتمبر 2001 استيقظ العالم على كارثة تحطم برجي مركز التجارة العالمي ليسود من حينها مناخ مُلبّد بالكراهية وعدم قبول الآخر وتتغير خريطة العالم، ولا يعد كما كان أبدًا، وفي فيلم «أبناء الدنمارك” سيناريو وإخراج المخرج الدنماركي من أصول عراقية «علا سليم” يطرق بقوة موضوع التطرف وكراهية الآخر، خاصةً بعد ثورات الربيع العربي وموجات هجرة العرب نحو أوروبا، مع تصاعد نبرات التطرف على يد من يسمون بالنازيين الجدد، ليبدو الفيلم مهمومًا بفكرة أعمق وهي الصراع الدائم بين الشرق والغرب.

تدور أحداث الفيلم في إطار من الإثارة والتشويق يحبس الأنفاس، العاصمة الدنماركية «كوبنهاجن” في عام 2025 بعد تفشي جُرعات من الكراهية مدعومة بدعوات سياسية بطرد العرب بعد حدوث انفجار إرهابي راح ضحيته العديد من الضحايا، حيث يقع زكريا (محمد إسماعيل) الشاب العراقي الأصل الذي يعيش برفقة أمه وشقيقه فريسةً لإحدى الجماعات المتطرفة التي تسعى لاغتيال زعيم حزب الحركة القومية مارتن نوردال (رامسيس بجريج) الذي يرغب في التخلص من العرب حفاظًا على نقاء بلاده كما يزعم!

يبدأ الفيلم بمشهد نرى فيه انفجارًا يقع في إحدى محطات المترو، دون أن نعرف على وجه التحديد من الجاني، لينقلنا الفيلم مُباشرة إلى أحد طرفي الصراع مارتن نوردال زعيم حزب الحركة القومية وهو يتحدث بغطرسة إلى إحدى القنوات التلفزيونية في ذكرى الحادث الإرهابي عن ضرورة طرد جميع المهاجرين حفاظًا على بلاده من خطر الإرهاب!

نسج السيناريو الأحداث تدور من خلال خطي سرد، كل خط يُمثل رؤية ووجهة نظر شخصية ما، فالبداية مع زكريا حتى النصف الأول من الفيلم، ثم يُستكمل السرد في النصف الثاني من الفيلم من زاوية مالك (زكي يوسف)، فكلاهما يتضادّ مع الآخر، وإن كان يُكملان بعضهما البعض مع اكتمال مصفوفة الحكي ووصولنا للنهاية.

البداية مع شخصية زكريا، رسمها السيناريو تُعاني من الخواء، حياته تسير بمنوال ثابت لا يشوبه أي تغيير، يبلغ من العمر تسعة عشر عامًا بدون عمل، حتى دراسته لا يُعول عليها أدنى اهتمام، وبالتالي يتبدل مصيره إلى النقيض بعد وقوعه في براثن حسن (عماد أبو الفزل) زعيم الجماعة الإرهابية، ويسهل تطويعه وتشكيله. ففي هذا الجزء من السرد نرى الأحداث بعين زكريا وكأنه يُمثل حيرة العرب في الغربة بين السقوط في فخ التطرف لمواجهة فيض الكراهية المُنبعث تجاههم أو الانسحاق والقبول برغبة الآخر في الطمس والإبعاد.

وفي المقابل شخصية علي الذي يعمل مُساعدًا لحسن، لكنه في نفس الوقت عميل سريّ لدى أجهزة الأمن، واسمه الحقيقي مالك، فقد رسم السيناريو شخصيته تتسم بالهدوء، يُنصت أكثر مما يتحدث، يُخفي بداخله الكثير، تتبدل حياته تمامًا بعد الإيقاع بزكريا وتسليمه للأمن بعد محاولة فاشلة لاغتيال نوردال، ويتحول إلى شخصية يسكنها الخوف والقلق. يناتبه سؤال دائم يشغل نفسه إلى أي جانب ينتمي؟

على الجانب الآخر مارتن نوردال الذي أدى دوره بجدارة الممثل الدنماركي رامسيس بجريج، قدمها السيناريو بوصفها مُعبرة عن واقع وحال التطرف الغربيّ ضد العرب، يَرى أن كل ما هو غير أوروبي في مرتبةً أدنى ويجب التخلص منه وزحزحته بعيدًا، مما يدفع الأحدات للأمام ويجعلها تصل للذروة.

حاولت الكاميرا التعبير عن مضمون الفيلم وصراعه، فمنذ المشاهد الأولي للفيلم والإضاءة القاتمة التي تَميل إلى اللون الأسود هي المُسيطرة بالإضافة إلى طُغيان المشاهد الليلية على حساب المشاهد النهارية، وكل ذلك مقصودٌ بالتأكيد ومُعبّر وموحٍ دراميًا، فالاجتماعات بين زكريا ومالك وحسن لا تتم إلا ليلًا وفي إضاءة شاحبة، وبالتالي لا يختلف عنهم كثيرًا حزب الحركة القومية فالإضاءة أيضًا قاتمة والوجوه تبدو شبحيةً لا تكاد نتبين تفاصيلها، وكأنها تُشير للظلام الفكري الذي يقبع فيه هؤلاء، فالجميع على قدم المساواة، الكره يحفّهم ويحيطهم من كل جانب، في مقابل الإضاءة النهارية الفاتحة التي أضافت بُعدًا آخر للصورة وجعلتها تتباين مع بقية مشاهد الفيلم، فقد جعل المخرج إضاءة بعض مشاهد زكريا مع أسرته مُركّزة وحافلة باللون الأبيض، كذلك مشاهد مالك مع أسرته بعد عودته إليهم في النصف الثاني من الفيلم هي الأخرى تعتمد بالكامل على الإضاءة الطبيعية بما يوحي بمغزى وإشارة إلي الدفء الأسريّ والأمان في مقابل حياة الظلام الليلية المحفوفة بالمخاطر. أما اللون الأحمر فقد حلّ ضيفًا ثقيلًا على كثير من المشاهد، فنجد الكاميرا تُركز عليه بصفةٍ خاصة، تُبرز له مكانته المُعبّرة عن دلالة ما يتضمنها السياق الدرامي، ليصبح اللون الأحمر ليس فقط مُعبّراً عن الدم بمفهمومه المباشر لكنه هنا يحوي دلالةً ما عن اشتعال الكراهية في النفوس، وكأن الفيلم يُطلق صرخة مدوّية ضد الظلم والعنصرية .. فهل ستجد صداها؟

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved