فى الذكرى الـ75 على رحيله.. كمال سليم مدرسة سينمائية فريدة بـ«العزيمة»

آخر تحديث: الثلاثاء 31 مارس 2020 - 11:15 م بتوقيت القاهرة

عبدالله محمد:

صاحب أول فيلم واقعى فى السينما المصرية واحتل صدارة قائمة المائة
اقتحم المخرج كمال سليم، الذي نحتفى بذكرى رحيلة الـ75 غدا الخميس، الساحة السينمائية وهى فى بداية الظهور الفنى الذى تكسوه التجارب الفريدة والمتنوعة، فجاء سليم بشكل مثقل بتجارب فنية مدهشة تظهر فى فيلمة الخالد «العزيمة»، فأكسب شخصية مستقلة للمخرج، فجاء خصوصية الفيلم المصرى حيث بدأت مدرسة ستوديو مصر التى بدأ فيها سليم حياته الفنية، مساعدا للمخرج على بدرخان فى ستوديو مصر عام 1936إلى 1944.
كمال سليم ولد فى حى الظاهر، فى 19 نوفمبر 1913، وكان والده يملك متجرا لبيع الحرير، فلما توفى أصبح كمال هو المسئول عن العائلة باعتباره الأخ الأكبر.
عام 1932 يحصل كمال سليم على الثانوية فى مدرسة فؤاد الأول، ليسافر بعدها إلى فرنسا لدراسة السينما، ولكن حدث ما لم يخطر له ببال، بعد أيام من وصوله إلى فرنسا، قام مجهولون باغتيال الرئيس الفرنسى، فتم ترحيله إلى مصر وبعد عودته قرر دراسة السينما بشكل مستقل، تعلم اللغة الإنجليزية والفرنسية والألمانية وكان يتقنها، وامتدت دراسته إلى الفلسفة والأدب والاقتصاد والتصوير السينمائى وأيضا تعليم الموسيقى وعزف البيانو فكمال سليم هو الفنان التشكيلى الذى علم نفسه بنفسه عن طريق مشاهدة الأفلام الأجنبية وعن طريق قراءة الكتب والمجلات السينمائية.
شارك سليم بتلحين أوبريت (بدر الدجى)، وإمتدت معارفه الثقافيه حيث تلقى دروسا فى الرسم على يد صديقه صلاح طاهر، بدأت مسيرته السينيمائية من خلال تأليف وإخراج فيلم (وراء الستار) عام 1937، لتتوالى أعماله بعد ذلك والتى من أبرزها (العزيمة) وهو أول فيلم واقعى فى تاريخ السينما المصرية.

خصوصية الفيلم المصرى.. فيلم العزيمة
ذاع صيت كمال سليم فى فيلم العزيمة الذى كتب قصته وأخرجه، ويعبر هذا الفيلم مرحلة انتقال مهمة فى تاريخ السينما المصرية، إذ قدم للشاشة تجربة جديدة هى «الواقعية»، وتم تصنيف الفيلم فى المركز الأول ضمن أفضل 100 فيلم فى تاريخ السينما المصرية فى استفتاء النقاد.
اسم الفيلم الأصلى «فى الحارة» إلا أن رؤساء ستوديو مصر لم يوافقوا على هذا الاسم لأنهم لم يستطيعوا أن يتصوروا نجاح فيلم تجرى حوادثه فى حارة، وكانت الأفلام فى ذلك الحين تجرى حوادثها فى القصور وشخصياتها عادة من أبناء الطبقة «الراقية»!
وكان كمال سليم هو أول فنان تقدمى يعمل فى ميدان السينما المصرية، ولذلك جاء فيلمه العزيمة وثيقة على جانب كبير من الاهمية، ولسوء الحظ فإن كمال سليم لم يعش طويلا، فقد مات فى سنة 1944 وكان فى الثلاثين من عمره تقريبا، ولو ان العمر امتد بهذه الموهبة الواعية لأثرت الشاشة بأعمال أخرى كثيرة رفيعة المستوى.
فقد بدأ العمل فى فيلم العزيمة فى سنة 1938» وعرض فى سنة 1939، أى فى عهد الملكية والاحتلال الانجليزى والاحزاب السياسية والاقطاع، بحسب ما ذكره سعد الدين توفيق في كتابة «قصة السينما فى مصر».
وتدور حوادث القصة فى حارة بحى شعبى فى القاهرة وبطل القصة محمد افندى خنفى «حسين صدقى» هو الشاب المتعلم الوحيد فى هذه الحارة فقد كانت أمنية أبيه الاسطى حنفى «عمر وصفى» ــ وهو حلاق فى الحارة ــ أن يعلم ابنه محمد إلى أن يتم تعليمه الجامعى ويصبح موظفا حكوميا، بل أول موظف فى الحارة كلها. وكانت الوظيفة الحكومية هى أكبر أمل يتطلع اليه الشباب المصرى لانها تضمن له، دخلا شهريا طيبا طول حياته حتى بعد ان يحال إلى المعاش.
وأبرز ما فى الفيلم هو الجو المحلى الذى ظهر بصورة واقعية لافتة للنظر، فأنت تعيش مع هذا الفيلم فى حارة حقيقة، حارة تجدها فى أى حى شعبى فى بلادنا واهتم كمال سليم بخلفية الصورة اهتماما كبيرا ومن هنا جاءت مشاهد الحارة نابضة بالحياة، فالحارة عند كمال سليم ليست مجرد ديكور، انما هو يملأ خلفية الصورة ليقدم لك روح الحارة وجوها والشخصيات التى تعيش فيها، لقد انتقد الكثير فى المجتمع منها «الواسطة» فالشاب لا يستطيع ان يحصل على وظيفة الا اذا كان يحمل بطاقة توصية من احد الوزراء أو الموظفين الكبار أو الاغنياء.
ويبرز الفيلم أزمة العاطلين، من الشباب المتعلم، الذين يبحثون عن عمل ولكنهم لا يجدون، وتظل هذه آفة شعبنا إلى الآن، وفى لقطات متتابعة يقدم كمال سليم قصاصات من الصحف توضح هذه الأزمة ومنها عنوان مقال فى إحدى الصحف جاء فيه «600 جامعى يتقدمون لوظيفة فراش!».
يقول صاحب كتاب «قصة السينما فى مصر»: فيلم العزيمة نقطة تحول فى السينما المصرية، وعندما عرض هذا الفيلم فى عيد السينما المصرية الذى اقيم فى نوفبر 1967، بسينما أوبرا، كان الاقبال عليه اكثر من أى فيلم آخر من الافلام التى اختيرت لهذا الاحتفال.
يقول المؤرخ الفرنسى جورج سادول، شاهد فيلم العزيمة وقد أبدى دهشته الشديدة عندما وجد أن مستواه الفنى كان ارفع بكثير مما يتصور، ولذلك اختاره فى كتابه «قاموس الافلام» الذى صدر فى تلك السنة كواحد من أحسن الأفلام العالمية وكتب عنه:
«إنه أحسن فيلم مصرى ظهر فى الفترة الواقعة بين 1930ــ1945، وهو يرسم، بفن أكيد ــ الحياة فى الأحياء الشعبية فى مدينة القاهرة، ويستحق هذا الفيلم ان يقارن بانجح الأفلام الفرنسية الكبيرة التى ظهرت قبل الحرب العالمية الاخيرة، ومما لا شك فيه ان مخرجه كان متأثرا «بالواقعية الشعرية» حيث ان كمال سليم كان يعرف افلام ينيه كلير ومارسيل كارنيه وجان رينوار وجوليان دى فيفييه ويعجب بها».
وفى كتابه «قاموس السينمائيين» الذى ظهر فى السنة نفسها اختار جورج سادول هذا المخرج ضمن احسن مخرجى السينما فى العالم، وكتب عنه فى الكتاب.
فى أثناء الحرب العالمية الثانية سيطر الفيلم المصرى على الاسواق فى مختلف البلاد العربية، عندما ظهر جيل جديد من السينمائيين ممن درسوا السينما فى فرنسا وإيطاليا وألمانيا وعلى رأسهم كمال سليم.
كمال سليم علم نفسه بنفسه عن طريق مشاهدة الأفلام الأجنبية وعن طريق قراءة كتب ومجلات السينما، ووصل إلى ما وصل اليه بذكائه وبإحساسه الفنى.
يقول صلاح أبو سيف: إنه وضع مشروعا كان يريد ان يحققه، ولكن الايام لم تسمح بتحقيقه لانه مات بعد ست سنوات من اخراج فيلم العزيمة وكان هذا المشروع ينحصر فى ان يقدم كمال سليم الافلام التى يريدها المنتجون، وبعد بضع سنوات يكون قد تجمع لدية مبلغ من المال يكفيه لان ينتج بنفسه الفيلم الذى يريده، الا ان القدر لم يمهل كمال سليم حتى يحقق امنيته.
وأخرج «كمال» أفلام أخرى مثل «شهداء الغرام» و«ليلة الجمعة» و«البؤساء»، عن رواية فيكتور هوجو التى ترجمها حافظ إبراهيم فى العشرينيات و«حنان »، لكنها لم تكن فى مستوى فيلم «العزيمة»، إلى أن توفى فجأة فى 2 إبريل 1945عام عن عمر يناهز 32 عاما، عندما كان يعمل فى إخراج فيلم «ليلى بنت الفقراء».

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved