كشف وتأريخ جديد عن وباء لم يكتب عنه المؤرخون سطرا: محمد أبو الغار يؤرخ بوثائق تنشر للمرة الأولى عن الإنفلونزا الإسبانية

آخر تحديث: الجمعة 31 يوليه 2020 - 10:16 م بتوقيت القاهرة

كتبت ــ شيماء شناوى:

ــ دلائل تشير إلى بدء الوباء فى الصين وأمريكا.. وانتشر فى إفريقيا عبر مركب بريطانى متجه إلى سيراليون
ــ الكتاب يستعرض تاريخ الأوبئة فى الأديان والأدب والشعر.. وبحث لكاتب أمريكى يقود أبو الغار للكشف
ــ مصر يجب أن تتوقع مشاكل اجتماعية خطيرة بعد انتهاء وباء الكورونا
انتشار وباء فيروس «كورونا»، وما فرضه على سكان الكرة الأرضية، من المكوث فى منازلهم، وداخل مستشفيات العزل لتلقى العلاج، واكتشاف حقيقة أن النظم الصحية للدول الكبرى غير مستعدة لمجابهة المرض فى الوقت الراهن، وعدم تمكنها من توفير لقاح مضادٍ قبل عام 2021، كان السبب الأصيل وراء خروج كتاب الدكتور محمد أبو الغار إلى النور، وذلك بعد جهد كبير للدكتور أبو الغار للبحث عن تاريخ فيروس كورونا وسوابقه؛ الأمر الذى قاده إلى القراءة عن وباء أقدم وأكثر فتكا اجتاح العالم قرب نهاية الحرب العالمية الأولى، وقتل الملايين حول العالم، جرت تسميته بـ«الإنفلونزا الإسبانية».
فى مقدمة الكتاب الجديد الذى يحمل «الوباء الذى قتل 180 ألف مصرى»، الصادر عن دار الشروق يروى الدكتور أبو الغار، كيف أن القراءة والبحث حول وباء «الإنفلونزا الإسبانية»، جعلته يكتشف إلى أى مدى كان هذا الوباء شيئا مريعا ومدمرا، قصف أرواح أعداد هائلة من البشر، وأصاب شخصيات عالمية مهمة، لكن الأمر الذى الذى استوقفه طويلا هو كونه لم يجد شيئا مكتوبا عن تأثير هذا الوباء على مصر، وبالرغم من مطالعته لمؤلفات كبار المؤرخين خلال هذه الفترة ومنها كتابات «الرافعى»، الذى أرَّخ لهذه الفترة بدقة، وعلى الرغم من ذلك لم يكتب سطرا واحدا عن الوباء، وهو الأمر الذى تكرر مع عددٍ من كتب التاريخ المهمة الأخرى عن هذه الفترة، باستثناء سطرين وجدهما بمساعدة صديقه د. إيمان يحيى، فى كتاب «الأيام الحمراء»، مذكرات الشيخ عبدالوهاب النجار عن ثورة 1919، وسطرا واحدا وجده فى «حوليات شفيق باشا»، جاء فيه: «وقد ساءت الأحوال الصحية فى البلاد بانتشار حمى غريبة قاسية أشبه بالوباء الفتاك سميت بالحمى الإسبانية، وفتكت هذه الحمى بالعدد العديد من الناس».
• «وثائق إنجليزية للحالة المصرية»
أسفرت المحاولات الدءوبة لـ«أبو الغار» فى عملية البحث، عن العثور على بحث صغير كتبه د. كريستوفر روز، أستاذ قسم التاريخ بجامعة تكساس، عن تأثير الإنفلونزا على مصر، وأنها قتلت آلاف المصريين، مرجعا السبب لضعف مناعة المصريين بسبب الفقر وسوء التغذية، وسخرة عدد من الفلاحين فى فيلق العمال المصريين، ليبدأ سعيه فى الوصول إلى د. كريستوفر روز، ويعلم منه أن الجامعة لديها وثائق الصحة العمومية للسنوات من 1914 حتى 1927 كاملة ومفصلة بدقة، وأنه لا يمانع بإرسال كل هذه الوثائق، التى أرسلها لاحقا وهى مئات الصفحات عن طريق البريد الإلكترونى، بعد الاتفاق الثنائى على تبادل المعلومات للبحث عن الموضوع نفسه.
• «الصحافة تغطى غياب المؤرخين»
على الرغم من أن مجموعة الوثائق الصحية شكلت حجر الزاوية فى البحث، إلا أنها لم تغط غياب وجهة نظر المؤرخين المصريين، وهى المعضلة التى تغلب عليها المؤلف من خلال استعانته بأرشيف جريدتى «الأهرام والمقطم» الصادرتين حينها، اللذان استخلص منهما كل ما كتب عن الإنفلونزا الإسبانية، بعدما فوجئ بأن الصحف غطت موضوع الإنفلونزا وخطورتها بكثافة، بعدما ظن أن الموضوع لم يُكتب عنه شىء فى الصحف.
• «وثائق تنشر للمرة الأولى»
ما يميز الكتاب ليس فقط كونه يُغطى فجوة فى معلومات المصريين لم يُغطها أحد من المؤرخين المصريين، أو أن مؤلفه استطاع أن ينقب لأبعد عمق للحصول على المراجع الأجنبية وتفاصيل وثائق مصلحة الصحة العمومية المصرية، وتقارير الأطباء الإنجليز المشرفين على الصحة العامة، وعلى دراسات بعض الباحثين المهتمين بتاريخ هذه الفترة وقتها وعلى رأسهم د. «رو» الذى أكد وفاة أعداد كبيرة من المصريين، وأن الوباء أثر فى مصر تأثيرا كبيرا من الناحية الاقتصادية والنفسية، بل لأن الكتاب يستعرض عددا من المحطات الإنسانية فى التاريخ البشرى، يقدمها «أبو الغار» ليس بصفته طبيبا ورائد فى مجاله، بل كونه كاتبا ومثقفا كبيرا.
• «الأوبئة فى الأديان والأدب والشعر»
بالرغم من أن الفكرة الأصيلة للكتاب تتعلق بوباء «الإنفلونزا الإسبانية»، الأمر الذى قد يجعل الكثير يظنه كتابا يقدم دراسات ويحوى أبحاثا علمية فقط، إلا أن ما يقدمه «أبو الغار»، فى حقيقة الأمر أقرب إلى عمل أدبى سردى، يروى فيه مآسٍ إنسانية تعرض لها الملايين من البشر لعدة قرون بسبب الأوبئة، الأمر الذى يشعر القارئ أنه فى رحلة يتعرف خلالها على صورة الأوبئة فى «الأديان» وحقيقة كونها فكرة للانتقام الإلهى من البشر. وكيف عبر الأدباء عن تأثرهم بالأهوال التى شاهدوها فى فترات الأوبئة من خلال عدد كبير من الروايات التى استعرض الكاتب عوالمها ومنها: «الطاعون» لألبير كامو، و«حصان شاحب.. فارس شاحب» لكاترين آن بورتر و«الحب فى زمن الكوليرا» لجابرييل جارثيا ماركيز، و«عام الطوفان» لمارجريت آتوود، و«المحطة الحادية عشرة»، لإيميلى مانديل، و«الأيام» لطه حسين و«الحرافيش» لنجيب محفوظ، و«السائرون نياما» لسعد مكاوى، و«زهر الليمون» لعلاء الديب.
• «الإنفلونزا فى التاريخ»
يعرض الكتاب فى صورة بانورمية عرضا تاريخيا لوباء الإنفلونزا، موضحا أنه ذكر للمرة الأولى فى الكتب اليونانية القديمة، نظرا إلى ما حدث عام 412 قبل الميلاد، لتتوالى بعد ذلك مراحله فى سنوات 1173 – 1174، ثم فى القرنين الرابع والخامس عشر. وتفاصيل إنفلونزا 1694، وأوبئة الإنفلونزا فى القرن السابع عشر فى أمريكا وأوروبا، مشيرا إلى دقة تقارير أوبئة الإنفلونزا بداية من القرن الثامن عشر، وأهم أربعة أوبئة موثقة حدثت فى أعوام 1883، 1890، 1894، 1899، موضحا أن العلماء توصلوا إلى أن نحو عشرة أوبئة عالمية للإنفلونزا حدثت خلال 300 عام، ويعتقد أن معظمها بدأ فى الصين أو فى روسيا. وأن فترة وباء وآخر تتراوح بين بين عشر سنوات وخمسين سنة.
• «إنفلونزا 1918»
يرى أبو الغار أن وباء إنفلونزا 1918 أو «الإنفلونزا الإسبانية»، كما سُميت، والذى يتتبع فى فصول الكتاب قصته ومن أين قرية بدأ؟ وكيف تم الكشف عنه؟ ثم القضاء عليه، هو الأسوأ فى التاريخ الحديث، حيث تسبب فى وفاة نحو 50 مليون إنسان، وأصاب نصف سكان العالم. وعُرف أن الوباء سببه فيرُوس H1N1، ويعتقد أن سببه تحور للفيروس فى الطيور أو الخنازير، وقد ساعدت الظروف العالمية والحرب العالمية الأولى فى عام 1918 على انتشار الوباء، خاصة مع تردى أحوال النظافة والزحام ومحدودية الخدمات الصحية فى أثناء الحرب، مشيرا إلى أنه من أخطر الكوارث المرضية والإنسانية فى التاريخ الحديث، ويعتقد أن هناك احتمالا بأن يكون الوباء قد بدأ فى الصين، ولكنه بدأ فى نفس الوقت فى الولايات المتحدة التى ربما تكون مكان بدء الوباء، وأنه انتشر فى إفريقيا على مركب بريطانى متجه إلى سيراليون، ليتسبب فى مقتل نحو 1.5 إلى مليونين فرد.
• «الإنفلونزا الإسبانية فى مصر»
تتبع د. أبو الغار دخول الإنفلونزا الإسبانية فى مصر وانتشارها ومراحلها المختلفة إذا يقول: «بدأ ظهور المرض فى مايو 1918 فى الإسكندرية، قادما من أوروبا عبر البحر. وبدأ ظهوره بوضوح فى بورسعيد فى يونيه، قادما أيضا من البحر. ثم فى القاهرة فى صورة مخففة فى يوليه 1918. وفى أغسطس ظهر فى الدقهلية، وحتى نهاية شهر أغسطس لم تحدث زيادة واضحة فى معدل الوفيات فى مصر. وفى شهر سبتمبر بدأت تظهر بكثرة حالات الالتهاب الرئوى الحادة فى المحافظات التى بدأ المرض ينتشر فيها. وفى نفس الوقت ظهرت حالات التهاب رئوى شديدة مع نسبة وفيات عالية فى المنوفية والغربية وجرجا وأسيوط. وفى شهر أكتوبر انتشر المرض فى كل القطر المصرى بسرعة فائقة، وازدادت نسبة الوفيات بطريقة مريعة، وفى شهر نوفمبر دخل المرض كل ركن صغير فى أبعد مكان فى مصر، وفى أول أسبوع فى ديسمبر وصلت الإصابات والوفيات إلى أعلى مستوى»، مشيرا إلى الإجراءات الاحترازية التى اتخذتها الدولة لمواجهة الفيروس التى قتل من المصريين فقط 180 ألفا.
• «إسبانيا البريئة من هذا الوباء»
يعتقد الكثيرون أن سبب تسمية الوباء باسم الإنفلونزا الإسبانية أنه نشأ فى إسبانيا، ولكنه ـ فى الحقيقة ـ ليست له علاقة بذلك. الأمر كان سببه الحرب العالمية الأولى التى دارت رحاها بين بريطانيا وحلفائها وألمانيا وحلفائها، وقد منعت كل من المخابرات الحربية الألمانية والبريطانية وسائل الإعلام من نشر معلومات عن الإنفلونزا وضحاياها خوفا من التأثير على الروح المعنوية للجنود. ولما كانت إسبانيا على الحياد فى أثناء الحرب، فقد نشرت الصحف الإسبانية تفاصيل الوباء فى كل مكان بدقة، ونقل عنها العالم المعلومات عن الوباء؛ ومن ثَمَ أطلق عليها الإنفلونزا الإسبانية.
• «وباء الإنفلونزا العالمى كوفيد ـ 19»
كما أفرد المؤلف فصولا بالكتاب تضمنت الوثائق والمستندات والأبحاث النادرة حول الوباء، والأرشيف الصحفى لجريدتى «الأهرام» و«المقطم»، قدم قراءة موسعة حول وباء «كورونا»، منذ ظهوره فى مقاطعة يوهان الصينية فى النصف الثانى من عام 2019، ثم انتشاره بعد ذلك فى العالم كله وإصابة ما يقرب من ستة ملايين إنسان، ووفاة ما يقرب من 500 ألف نسمة عند كتابة هذا الكتاب، مستعرضا أبرز الرؤى المطروحة للتطورات المستقبلية لهذا الوباء، وكذلك الوضع الاقتصادى لما بعد أزمة كورونا، خاتما كتابه بأن هناك مشكلة كبرى فى بلاد العالم الثالث التى أصابها وباء الإنفلونزا فى 2020، قائلا: «إنه لا يوجد تنظيم عالمى يساعدها. وحتى الآن وباستثناء إيران، فإن الدول التى أصيبت إصابات بالغة بالكورونا هى الدول الغنية، أما الدول الفقيرة فيبدو أن الإصابات بها حتى الآن أقل. وهناك رعب من توحُش المرض فى دول العالم الثالث التى يصعب فيها العزل أو التباعد بين الأفراد، وستكون كارثة على العالم كله؛ لأن
الموارد الأولية قد لا تصل بسهولة إليها، واقتصادها معرَض للانهيار». وأكد د. أبو الغار: «أن مصر يجب أن تتوقع مشاكل اجتماعية خطيرة تلى انتهاء وباء الكورونا، والحلول الأمنية فقط لن تنجح، وإنما لابد من حلول ناجعة فى الهيكل الاقتصادى والاجتماعى أصبحت ضرورة عاجلة».

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved