سامح سامي يكتب: بدم بارد.. قتل صناعة النشر والقوى الناعمة لمصر

آخر تحديث: السبت 31 أغسطس 2019 - 10:10 ص بتوقيت القاهرة

قرصنة الكتب تتحول إلى كائن ضخم أشبه بعصابات المافيا.. مؤسسة التزوير أقوى من مؤسسة النشر
جريمة تزوير الكتب كبرى ظهرت الأسبوع الماضي، لها عدة أذرع فاسدة تشبه الأخطبوط، متداخلة ومتشابكة ومتعاونة.

الذراع الأولى تظهر فى رغبة مزور ــ سارق ــ للسطو على كتب دور النشر، هذه الذراع توحشت وتضخمت إلى أن وصلت إلى قيام مجموعة من المطابع والناشرين ــ تشير بعض المصادر إلى أن بعضهم أعضاء فى اتحاد الناشرين فى بلادهم ــ بالقرصنة.

والقضية الأخيرة تكشف حجم الكارثة، أننا أمام دور نشر تقوم بعمليات تزوير كتب ضخمة تصل إلى نسخ وطبع زورا أكثر من مليون كتاب متنوع روائى ودينى وغيره. تطبع بصورة غير شرعية تمثل سطوا من المزورين على حقوق أصحاب دور النشر المرخصة وشحنها خارج البلاد بواسطة شركة للتجارة والاستيراد والتصدير تتخذ من مدينة العبور مقرا لها. كل هذا يتم وسط غموض هائل وغريب، إذ لا نستطيع تأكيد أو القول من هو هذا الناشر أو ذلك المزور. الناشر فتحى البس رئيس اتحاد الناشرين الأردنيين قال فى عدة تصريحات من قبل إنه «لا يمكن القضاء على القرصنة نهائيا ونتابع جهود مصر للحد منها»، تحدثت معه أمس الأول فقال حول القضية الأخيرة: «لم تصلنى حيثيات القضية حتى الآن، أنتظر معلومات حتى أستطيع الحديث، حتى الآن لا أعرف اسم هذا الناشر، لكن يقال إنه أردنى».

الذراع الثانية هى القانون، وما يحيط به من أيادٍ عاجزة على تنفيذه أو تطبيق روح الحق والعدل الذى يقتضى أن ذلك السطو وتلك السرقة فيهما تهديد لصناعة ثقافية كبرى وتهدم قوى ناعمة، عبرها نردد، بدون مبالغة، أن مصر لا تملك غيرها للتصدير الخارجى. كل الناشرين يشكون من عمليات تزوير تسرق حقوقهم وحقوق المؤلفين ومن ورائهم حقوق الموظفين، وأيضا حقوق الدولة من ضرائب وغيرها. عدم تطبيق القانون وعدم تغليظ العقوبة وعدم تعاون الحكومات العربية لمواجهة التزوير والقرصنة، يجعلنا نشعر بقلة الحيلة أمام هذه الجريمة المخجلة فى حق مصر. القضية الأخيرة المكتشفة والتى تعد الأكبر فى تاريخ عمليات التزوير تؤكد أن القبض على مزورين طبعوا أكثر من مليون كتاب يقابله ملايين أخرى من الكتب المزورة لم يتم القبض عليها أو إجهاض محاولة تصديرها إلى الخارج.

الذراع الثالثة هى البيئة المصرية والتراخى الذى تشهده فى مواجهة تزوير الكتب والتى للأسف تساعد على توحش التزوير، وتجعل المزورين فى جرأة لطباعة الكتب بشكل ضخم لدرجة أن التزوير أصبح أقوى من دور نشر أصلية تعمل بشكل شرعى، فالتزوير مؤسسة غير شرعية تبدو أقوى من دور النشر. القضية الأخيرة تكشف أن التزوير أصبح متوسعا ومتشعبا لدرجة أن المزور يتحرك بحرية شديدة لدرجة أنه يطبع كميات ضخمة ويصدرها للخارج، بأموال طائلة، فيما يشبه مافيا المخدرات وتجارة السلاح. للأسف أن البيئة المصرية والعربية تتعامل بخفة واستهانة مع حماية حقوق الملكية الفكرية، خاصة توقف بعض الناشرين واتحاد الناشرين عند الكلام والتنديد دون التحرك الفعلى مع الحكومات العربية ومتابعة المسألة وعدم الاستسلام لعمليات التزوير، وكأنها أمر واقع.

الذراع الرابعة تشبه إلى حد كبير مقولة «قبور مبيضة من الخارج.. لكن من الداخل كلها عظام أموات»، تلك الذراع التى يعلنها بدون خجل بعض القراء، ومعهم بعض الكتّاب والمثقفين، أنهم يحبون شراء الكتب المزورة؛ لأنها أرخص. وعند النقاش معهم وتوضيح كيف أن تزوير الكتب على المدى البعيد سيقضى على حركة التأليف، وبالتالى لن يجدوا ما يقرأونه يقولون: «طب ليه دور النشر متعملش طبعات شعبية رخيصة»، فى محاولة منهم لتبسيط الأمور والاطمئنان لشرائهم كتبا مسروقة «كتب حرام».

تحاول القول لهم إن الناشر يتحمل تكاليف أخرى لا يتحملها المزور، على رأسها حقوق المؤلف، إذ يتراوح متوسط نسبة أجور المؤلفين بين (15% ـ 25%) حسب تقرير سابق لحركة النشر صادر عن اتحاد الناشرين العرب، كما يحصل موزعو الكتب على حصة من المبيعات، تتراوح بين (30% ـ 40%)، وينفق الناشرون تكاليف أخرى على تسويق الكتب، وأجور العاملين، والضرائب، وتصميم الأغلفة، بينما لا ينفق المزور سوى تكلفة الورق والطباعة. فيقولون: «المهم أنى أقرأ كتابا ثمنه أرخص أنا قارئ غلبان وفقير». تحاول مرة أخرى الكلام حول مصلحته هو فى أنه يقرأ كتابا مزورا به عيوب فى الطباعة، سيجد به صفحات ناقصة وأخطاء فادحة، فيؤكد أنه «سيتجاوز عن تلك الأخطاء فى سبيل توفير المال»، فلا تجد معه سبيلا إلا السخرية: «طب إذا خسر الناشر الأصلى وأغلق دار نشره لن يجد المزور ما يسطو عليه، فأنت هتخسر كل شىء».

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved