كان وأصبح (28).. قصر الملك فؤاد الذي تحول إلى أكبر مول كمبيوتر في العاصمة - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 11:46 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كان وأصبح (28).. قصر الملك فؤاد الذي تحول إلى أكبر مول كمبيوتر في العاصمة

إنجي عبدالوهاب
نشر في: الأحد 2 يونيو 2019 - 8:39 م | آخر تحديث: الثلاثاء 4 يونيو 2019 - 1:49 م

لا ينفصل تاريخ الفنون عمارة وتصويرًا ونحتًا عن السياسة والاجتماع والاقتصاد، ولا تقتصر قيمته على الجمال والإبداع والاحتراف، بل هي شهادة حية على أيام خلت وأحداث مضت وشخصيات كان يمكن أن تتوه في غياهب النسيان.

وفي سلسلتنا الجديدة "كان وأصبح"، التي ننشر حلقاتها على مدار شهر رمضان، نعرض نماذجا لحكايات منشآت معمارية أو قطع أثرية مصرية تنتمي لعصور مختلفة، تسببت التحولات السياسية والاجتماعية في تغيير تاريخها أو إخفاء معالمها أو تدميرها بالكامل؛ لتخبو بعدما كانت ملء السمع والبصر.

وتُنشر الحلقة الجديدة من تلك السلسلة يوميًا في 8 مساءً بتوقيت القاهرة.

ونورد في هذه الحلقة قصرًا كان شاهدًا على تحولات سياسية عديدة في التاريخ المصري وشَرُف باستضافة أول الاجتماعات التحضيرية لإنشاء جامعة الدول العربية قبل أن يهدم عام 1978 ويتحول إلى "مول البستان" الذي يعتبر أكبر موقع لبيع الإلكترونيات والحواسب في العاصمة.

• قصر البستان

في قلب العاصمة الخديوية بين ميدان الإسماعيلية (التحرير حاليا) والعتبة الزرقا، في أحد أقدم وأشهر الشوارع المتفرعة من منطقة باب اللوق، حيث ذلك الشارع العتيق الذي أنشأه السلطان الناصر محمد المملوكي، وما زال يمتسك باسمه القديم رغم أنه يحمل الآن اسم شارع عبدالسلام عارف، كان يقع قصر ملكي في قلب "شارع البستان"، لكن الظرف السياسي أدى لهدم القصر الذي شهد أول اجتماعات جامعة الدول العربية وتحويله إلى مبنى تجاري وجراج متعدد الطوابق سُمي بـ"مول البستان".

كان "قصر البستان" الواقع في منطقة باب اللوق سكنًا للأمير فؤاد الأول، ابن الخديو إسماعيل، قبل أن يصبح سلطانًا على مصر عام 1917 ثم ملكُا لمصر وسيدًا للنوبة وكردفان ودارفور عقب الاستقلال وتغيير نظام الحكم عام 1922.

بدأت حكاية القصر في منتصف القرن التاسع عشر، بعدما أعاد الخديو إسماعيل تخطيط القاهرة ليجعل منها قطعة من باريس، إذ تطورت المدينة وامتدت مساحتها لـ1000 فدان بمساعدة نخبة من المعماريين على رأسهم الفرنسي هاوسمان، فازداد إقبال الأسرة العلوية عليها ببعدما ظهرت الميادين الواسعة وانشأت الأحياء الجديدة كجاردن ستي والزمالك، تضاعف عدد قصورهم في وسط المدينة وكان ضمنهم "قصر البستان" الذي توسط أحد أجمل شوارع العاصمة آنذاك.

عاش الأمير فؤاد في القصر برفقة زوجته لنحو 6 أعوام منذ العام 1873 عقب زواجه كأحد أبناء الخديو إسماعيل الأربعة فيما عُرف بـ"أفراح الأنجال"، التي استمرت 40 يوما متتالية بمعدل 10 أيام لكل أمير، وحتى عزل الخديو إسماعيل عام 1879، إذ اصطحبه الخديو إسماعيل معه إلى المنفى في إيطاليا، وهناك التحق بالمدرسة الملكية في مدينة تورينو الإيطالية، ثم انتقل منها برفقة والده إلى الأستانة بعد شراء الخديو إسماعيل سراي مطلة على البوسفور بإسطنبول، ثم انتدب ملحقًا حربيّاً لسفارة الدولة العثمانية في العاصمة النمساوية فيينا.

ظل القصر شاغرًا لنحو 11 عامًا حتى عاد الأمير فؤاد إلى مصر عام 1890، لم يترك الأمير قصره رغم كونه عُين ياورًا للخديو عباس حلمي الثاني (وهي رتبة عسكرية تعني بالتركية رئيس الحرس الملكي)، وعقب 3 أعوام ترأس الأمير فؤاد اللجنة التي قامت بتأسيس وتنظيم الجامعة المصرية الأهلية، وعقب وفاة حسين كامل عام 1917 خلفه في حكم مصر فأصبح سلطانًا لمصر ثم ملكًا لمصر وسيدًا للنوبة وكردفان ودارفور عقب الاستقلال وتغيير نظام الحكم عام 1922.

انتقلت ملكية قصر البستان ضمن أملاك الخاصة الملكية عقب وفاة الملك فؤاد الأول عام 1936 إلى ابنه فاروق الذي ورث حكم أبيه فتحول القصر في عهده إلى مقر لزارة الخارجية.

• القصر وأول اجتماع لجامعة الدول العربية

لم ينفصل هذا القصر عن السياسة بل كان شاهدًا على فصل غاية في الأهمية في تاريخ ريادة مصر للبلدان العربية ورعايتها للقضايا الوطنية، إذ كان مقرًا رسميًا لوزارة الخارجية المصرية قبل أن تنتقل كما شهد أول اجتماعات جامعة الدول العربية التحضيرية، بحسبما أورده عباس الطرابيلي في كتابه "شوارع لها تاريخ".

شهدت جدران القصر على سعي مصر إلى توحيد المنطقة العربية وإنشاء كيان سياسي يوحد مطالب الأمة، ففي العام 1942 ألقى مصطفى النحاس رئيس الوزراء المصري -آنذاك- خطابا في مجلس الشيوخ أعلن فيه عن سعي مصر إلى عقد مؤتمر للقادة العرب لبحث أمر الوحدة العربية، وفي الأردن جاءت تصريحات الملك عبدالله الأول متوافقة مع المطلب المصري.

وبحسبما أورده عباس الطرابيلي، في كتابه "شوارع لها تاريخ"، عُقدت داخل القصر أولى اجتماعات جامعة الدول العربية قبيل إنشائها بشكل رسمي إذ دعا الملك فارق في 5 سبتمبر 1942 كل من السعودية والعراق وشرق الأردن وسوريا واليمن لإيفاد مندوبين للتشاور حول موضوع الوحدة العربية، كما دعى إلى حضور ممثل عن الفلسطنيين، وعقدت داخل القصر أولى الاجتماعات التحضيرية للوحدة التي تمخض عنها إجراء "مشاورات الوحدة العربية" التي عقدت في الإسكندرية واستمرت لنحو أسبوعين.

وشهد القصر أيضًا في أعقاب ذلك اجتماع مصطفى النحاس رئيس الوزراء المصري -آنذاك- بكل من جميل مردم بك رئيس الوزراء السوري، وبشارة الخوري رئيس الكتلة الوطنية في لبنان -آنذاك- بعدما لاقت الفكرة ترحيبًا من عموم البلدان العربية، وكانت أهداف الاجتماع إنشاء كيان سياسي جامع يرعى مصالح البلدان العربية، حتى صدر بروتوكول الإسكندرية الرسمي عام 1944 الذي وقع عليه رؤساء حكومات مصر ولبنان وشرق الأردن وسوريا والعراق ونص على مبادئ إنشاء منظمة عربية موحدة، وأقيمت مراسم التوقيع عليه في جامعة فاروق الأول -آنذاك- (جامعة الإسكندرية حاليًا)، ثم جاء التأسيس العملي للجامعة رسميا في 22 مارس 1945.

لم يكتب للقصر أن يصبح مقرًا دائمًا لجامعة الدول العربية التي رعى أول اجتماعاتها التحضيرية، ولا متحفًا يروي تاريخ إنشائها لكنه تحول في أعقاب ثورة يوليو إلى متحف للعلوم، قبل أن ينال حظه من توجه الدولة للانفتاح الاقتصادي ويتحول إلى مول تجاري، فعقب تردي حالته قررت الحكومة المصرية هدمه والاستفادة منه في عهد الرئيس محمد أنور السادات.

ووثقت جريدة الأهرام في عددها رقم 33473 الصادر في 3 أغسطس عام 1973، بدء هدم قصر البستان عبر مقال لها حمل عنوان "هدم أول مقر لجامعة الدول العربية".

وغدا حلقة جديدة..



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك