منذ يومين اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا يدين الغزو الروسي لأوكرانيا ويطالب بالانسحاب الفوري للقوات الروسية. وأعربت إدارة بايدن عن رضائها عن نتيجة التصويت. وظاهريا، كان لدى المسؤولين الأمريكيين من الأسباب ما يدعوهم للشعور بالرضا؛ حيث كان التصويت مؤيدا للقرار بأغلبية ساحقة. فقد صوتت 141 دولة لصالح القرار بينما صوتت خمس دول فقط ضده هي روسيا وبيلاروس وسوريا وكوريا الشمالية بالإضافة إلى أريتريا.
ويقول تيد جالين كاربنتر باحث الدراسات السياسة العسكرية والخارجية بمعهد كاتو في تقرير نشرته مجلة ناشونال انتريست إن التدقيق تحت سطح التصويت يكشف بعض النتائج المهمة والمقلقة بالنسبة لهدف واشنطن الخاص بتشكيل تحالف عالمي حصين لالحاق أضرار سياسية ومالية بحكومة فلاديمير بوتين بسبب عدوانها ضد أوكرانيا.
ويرى كاربنتر أن أحد العوامل البارزة الظاهرة على الفور يتمثل في العدد الكبير للدول التي امتنعت عن التصويت. وفي ضوء الأولوية الفائقة التي توليها واشنطن لتشكيل تحالف جارف ضد موسكو، كانت هناك بعض الشجاعة لدى حكومات أخرى بأن ترفض الموافقة على القرار. وكان المسار الأسهل هو التصويت بالموافقة، خاصة وأن القرار غير الملزم كان رمزيا تماما و لا يتطلب أي إجراء مهم من جانب الدول أعضاء الأمم المتحدة. ومع ذلك رفضت35 دولة إرضاء الولايات المتحدة، واختارت الامتناع عن التصويت.
وبعض أسماء الدول التي شملتها قائمة الممتنعين عن التصويت لم يحمل قدرا كبيرا من المفاجأة . فدول آسيا الوسطى كازاخستان، وطاجيكستان، وقيرغزسيتان خاضعة لنفوذ موسكو القوي منذ انهيار الاتحاد السوفيتي في أواخر عام 1991. وينطبق مبدأ مماثل على أرمينيا. وتعتبر كوبا أحد أقدم العملاء منذ العهد السوفيتي، كما تسعى حكومات أمريكا اللاتينية الحديثة في نيكاراجوا، وبوليفيا، وال سلفادور للحصول على دعم روسيا لها ماليا وسياسيا. وتعمل موسكو باجتهاد لتوسيع نطاق نفوذها في تلك الدول وغيرها في المنطقة. وبعض عملاء موسكو الآخرين فضلوا عدم التصويت على الاطلاق- وهو ما يماثل عمليا الامتناع عن التصويت.
ويقول كاربنتر إنه مع ذلك فإن دولا أخرى شاركت في الامتناع عن التصويت كانت أكثر من مفاجئة، وامتناعها عن التصويت يوضح حدود نفوذ واشنطن. وكانت هناك عدة دول عنيدة من الشرق الأوسط الكبير، أبرزها الجزائر وإيران، والصدمة الأكبر تماما العراق. وفي ضوء الاعتماد العسكري والاقتصادي الواسع النطاق لبغداد على الولايات المتحدة، كان يعتقد المرء أن تصويت العراق لا بد أن يكون مؤيدا للقرار.
وهناك مفاجأة كبيرة أخرى تتمثل في مجموعة الدول الأفريقية الكبيرة التي امتنعت عن التصويت. وشملت تلك المجموعة بوروندي، وجمهورية أفريقيا الوسطى، والكونغو، وغينيا الاستوائية، ومالي، وموزمبيق، ومدغشقر، وناميبيا، والسنغال، والسودان، وجنوب السودان، وزيمبابوي، وربما أكبر لاعب اقتصادي وسياسي في القارة، جنوب أفريقيا. وعدة دول أفريقية أخرى لم تشارك في التصويت على الإطلاق.
ويضيف كاربنتر أن الأمر الأكثر إثارة للقلق للولايات المتحدة رفض دول رئيسية في جنوب آسيا وشرق آسيا – خاصة الهند والصين- التصويت لصالح القرار.
واتضح مدى استياء واشنطن عندما انتقد بايدن شخصيا الدولتين بالنسبة لقرارهما. ولم تكتف الهند بالحفاظ على حيادها لكنها أيضا اجتذبت معها سريلانكا وبنجلاديش. وبالإضافة إلى ذلك، فإن باكستان، عدوة الهند اللدود- وحليفة واشنطن- كانت ضمن الممتنعين عن التصويت. كما رفضت فيتنام ومنغوليا دعم القرار. وكان تصويت فيتنام بصفة خاصة محبطا، حيث أن واشنطن ترعى هانوى منذ سنوات كشريك اقتصادي وأمني.
واختتم كاربنتر تقريره بالقول إن إدارة بايدن تتفاخر بالوحدة الاستثنائية للمجتمع الدولي في معارضة مغامرة موسكو في أوكرانيا. وأحد الأدلة الإيجابية على ذلك التي اشار إليها المسؤولون الأمريكيون هو تخلي سويسرا عن حيادها الملتزمة به منذ قرون وانضمامها للعقوبات الغربية المفروضة على روسيا. ومع ذلك، فإن تصويت الأمم المتحدة دليل آخر على أن هناك قائمة متزايدة تشير إلى أن المزاعم بوجود مثل هذه الوحدة مبالغ فيها. وعندما ترفض أكثر من 20% من أعضاء الجمعية العامة تبنى إجراء سعت إليه واشنطن فقط للشعور بالرضا، فإن التحالف العالمي الذي ترعاه الولايات المتحدة يبدو هشا في حقيقة الأمر.