وفاء شلبى تكتب عن «الخروج من الجنة» - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 4:55 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

وفاء شلبى تكتب عن «الخروج من الجنة»

وفاء شلبي
وفاء شلبي

نشر في: الجمعة 5 مارس 2021 - 7:28 م | آخر تحديث: الجمعة 5 مارس 2021 - 7:28 م

ــ عزيزى القارئ: كم مرة شعرت برغبة مُلحة فى الرجوع لبطن أمك عندما تواجه صدمة عنيفة تهز أركان قلبك؟

كان فرويد أول من اهتم بخبرة الميلاد، ولكن أفكاره بخصوصها لم تلعب دورا مهما فى نظريته، ولكن فيما بعد اهتم «أوتو رانك» Otto Rank «عالم النفس التحليلى و أحد تلاميذ فرويد» اهتماما كبيرا بخبرة انفصال الطفل عن رحم الأم والتى اعتبرها رانك وكأنها رحيل عن الحالة الأولية المريحة لدى الإنسان ولذلك أسماها «صدمة الميلاد»، وعزى إليها مسئولية القلق الذى يواجهه الإنسان بعد كل تجربة انفصال فى حياته.
ولكن للأسف مثلها مثل أغلب أفكار التحليل النفسى قوبلت بالاستنكار والرفض من الكثيرين، وبالرغم من نقد فرويد بأن الطفل أثناء الولادة لا يكون مدركا لانفصاله عن الأم، ولكن تظل صدمة الميلاد فى نظرى من الاكتشافات التحليلية المذهلة التى تعلن عن نفسها دائما فى حياتنا اليومية.
فلو كانت «صدمة الميلاد» ليس لها وجود حقيقى بداخل أنفسنا، إذن بماذا نفسر بعض الهفوات التى تصدرمن بعض الناس وتتعلق بالرغبة فى النكوص ليس لمرحلة الطفولة فحسب ولكن للمكوث فى رحم الأم من جديد؟
عزيزى القارئ: كم مرة شعرت برغبة مُلحة فى الرجوع لبطن أمك عندما تواجه صدمة عنيفة تهز أركان قلبك؟
كم مرة تساءلت عن جدوى ولادتك ووجودك عندما تصطدم ببشاعة العالم من حولك؟
رحم الأم مجرد رمز لمنطقة الراحة؛ حيث السكون والسكينة؛ حيث الشعور بالأمان والدفء والطمأنينة؛ حيث انعدام الضغوط والمسئوليات واختفاء الكمد والغضب وعدم الاضطرار لمواجهة هموم مستقبلية مثل (الوحدة، الحرية، الموت، اللامعنى، التغيير، الفشل، التواصل مع الآخرين، المجهول).
رحم الأم هو تلك الكهف المظلم التى لا تستطيع الخروج منه عندما يصيبك الاكتئاب.
رحم الأم هو مكان العمل المتواضع الذى لا تريد تركه والانتقال لمكان أفضل لأنك قلق من تداعيات التغيير.
رحم الأم هو الزيجة غير المناسبة التى قررت أن تستمرين فيها لأنك قلقة من مواجهة سلبيات الانفصال.
رحم الأم هو مجموعة الأصدقاء السيئون الذين قررت الاستمرار فى علاقتك بهم لأنك قلق من عمل صداقات جديدة.
رحم الأم هو الحاكم الذى لا تريد له الرحيل لأنك خائف من المصير المجهول.
رحم الأم هو العلاقة المؤذية التى لا تريد اتخاذ قرار التخلص منها لأنك قلق من مواجهة تبعات الفقد والشعور بالوحدة.
رحم الأم هو قرارك اللاشعورى بعدم الزواج لأنك قلق من الالتزام تجاه علاقة جديدة.
رحم الأم هو الوظيفة الكريهة ذات الدخل والمستوى الاجتماعى المرتفع والتى لا تريد الرحيل عنها والاشتغال بما تحب لأنك قلق من مواجهة نقد الآخرين ومزايدتهم على قرارك.
رحم الأم هو التمسك بكل ما هو تقليدى وتعسفى وصارم حتى لو على حساب استمتاعك بالحياة لأنك قلق من مواجهة «كلام الناس».
رحم الأم هو الأرض الصلبة التى تثابر فى تثبيت قدمك عليها ولا يراها إلا أنت.
رحم الأم هو الحياة بأسرها التى تتشبث بها وتفعل أشياء عديدة تحكم رباط تعلقك بها ولا تريد الرحيل عنها لأنك قلق من مواجهة المجهول.
ولذلك اكتفيت بما أنت عليه، وماهو مستحوذ عليك ومحتل عقلك، ملتزم بوضع الجنين داخل كل وظيفة وكل علاقة وكل مكان، متشبث برحم الأم، رافض لأى جديد.
ربما تكون سعيدا بذلك وربما تواجه صراعات عديدة ما بين الاستمرار والتغيير ولكن الأكيد أن تمسكك بها لن يعلمك شيئا جديدا ولن يمنحك أحقيتك فى الاختيار.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك