أبو الغيط: الفكر أزمتنا العربية الشاملة.. والشباب هو المستقبل الذي يجب أن نوفر له كل الأدوات والأسلحة والقدرات - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 10:59 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أبو الغيط: الفكر أزمتنا العربية الشاملة.. والشباب هو المستقبل الذي يجب أن نوفر له كل الأدوات والأسلحة والقدرات

رسالة الظهران: شيماء شناوي
نشر في: الخميس 5 ديسمبر 2019 - 2:10 ص | آخر تحديث: الخميس 5 ديسمبر 2019 - 2:10 ص

في أمسية ثقافية كبرى ضمت حضور دبلوماسي وثقافي وإعلامي رفيع المستوى من مختلف أنحاء الوطن العربي، وعلى دندنات العود ونجوى الكمان، يشدوان بمقطوعات موسيقية متنوعة لكوكب الشرق أم كلثوم، والسيدة فيروز، إنطلق مساء اليوم الإثنين، الجلسة الثانية من أعمال المؤتمر السنوي لمؤسّسة الفكر العربي "فكر17"، الذي يُعقد هذا العام بالشراكة مع مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي "إثراء"، تحت عنوان "نحوَ فكرٍ عربيّ جديد"، وذلك في مدينة الظهران بالمملكة العربية السعودية، في الفترة ما بين 2 و5 ديسمبر.

بدأت الفعاليات بكلمة الدكتور هنرى العويط، أمين عام مؤسسة الفكر العربي، تبعتها كلمة أمين عام جامعة الدول العربي، أحمد أبو الغيط، الذي رحب بالحضور قائلًا: «آمل أن اتحدث إليكم الليلة بكل الأمانة والصدق في مواجهة متطلبات واحتياجات الوضع العربي، وخاصة في هذه المناسبة «فكر 17».

وأضاف «أبو الغيط»، لا يحتاج المرء إلى جهدٍ كبير ليدرك فداحة وعمق الأزمة التي يعيشُها عالمنا العربي بصور ودرجات متفاوتة، ما علينا سوى أن نشاهد المشاهد المروعة على شاشات التليفزيون، مُدن عامرة صارت للأسف خرابًا، وحواضر طالما ملأت الدنيا نورًا صارت ساحاتٍ للحرب، لاجئون ونازحون بالملايين، وقتال مستعر بين الأهل، وأجيالًا جديدة تنشأ في مخيمات اللجوء، إما في بلادًا شقيقة أو غريبة، لقد صار حال الأزمة هو واقعنا. وهى أزمة ممتدة وليست عرضًا ناشئًا، وما نشهده اليوم هو مظاهر انفجارها واستفحالها وخروجها إلى العلن في صور ماثلة أمامنا، وتستفز ضمائرنا وتثير فينا جميعًا الآلم والحزن، أنها أزمةٍ تعانيها الأوطان العربية من زمنًا بعيد منذ بدأت معركتها مع التحديث، ورغبت في اللحاق بالركب الحضاري، هى الأزمة التي عرفها المفكر اللبناني شكيب أرسلان بسؤاله المُدوي منذ قرنًا من الزمان على الأقل حيث سأل: «لماذا تأخر المُسلمون وتقدم غيرهم».

وتابع أمين عام جامعة الدول العربية: هذا هو السؤال بألف ولام التعريف، الذي كان مدار الفكر العربي والثقافة العربية لما يزيد عن قرنٍ ونصف من الزمان، وهو السؤال عينه الذي نقف أمامه الآن في هذا المحفل الهام الليلة وغدًا وغيره من المحافل التي تُعنى بتجديد الفكر وإحياء الثقافة. والواقع أن أزمتنا العربية الشاملة هى في جانب كبير منها أزمة فكر، هكذا أدرك رواد النهضة العربية الأوائل منذ منتصف القرن التاسع عشر، فالفكر والعمل صنوان متلازمان كالرعد والبرق، والانبعاث الحراري الشامل هو بالضرورة حصيلة لنهضة فكرية شاملة.

وأردف «المتأمل للنهضة الأوروبية منذ خمسة قرونًا أو أكثر يُدرك أن الشيء الجوهري الذي تغير عند بدء الطريق إلى الحداثة هو طريقة التفكير، وأسلوب النظر إلى الأشياء والعلم، فهما الرحم الذي تتخلق فيه النهضة العلمية والتكنولوجية والطريق الذي يقود إليها، ويصعبُ اليوم أن تجد من يُجادل في أن الثقافة العربية ليست بحاجة إلى تجديد شامل يهزها من العمق، إن ما نحتاج إليه في هذه اللحظة المأزومة من تاريخنا، هو فعلًا فكرٍ عربيّ جديد، يكون علمياً بحق، وأيضًا معاصراً بحق وأخيرًا عربياً بحق، وهنا أجدُني في تفاهم واتساقًا كاملًا مع الدكتور هنري العويط، في حديثه السابق. لهذا استأذنكم في أن أتعرض في عجالة لهذه النقاط الثلاث التي أراها تُشكل «مثلث الفكر العربي الجديد» الذي نأمل فيه وننشده».

واستطرد صاحب كتاب «شاهد على الحرب والسلام»، اولاً فأما أن يكون الفكر العربي علمياً، فهو المطلب الأول الذي ما زلنا نتعثر ونكابد دون أن نصل إليه بصورةٍ كاملة أو مُرضية، وهو مطلب لا تتم نهضة فكرية من دونه، فالتفكير العلمي لا يخص كما هو شائع العلماء وحدهم، وإنما هو طريقة في التفكير تُخاصم الخرافة، وتربط بين المقدمات والنتائج، وتتخلص من أسر التفكير الرغبوي أو الـ«wishful thinking»، وتفصل بين الرأي وبين شخص القائل به، وهذه كلها من سمات التفكير العلمي الذي لا يعني بأي حال حشداً للمعلومات العلمية، وإنما ينصرف إلى المنهج القائم على العقل والبرهان والإيمان بالعلم وبمعطياته إمكانياته المذهلة في تسخير الطبيعة وتحسين الحياة وتنظيم المجتمعات.

وتابع أمين عام جامعة الدول العربية: «قد واجه هذا النوع من التفكير عقبات عبر التاريخ، ولكنه ما لبث أن توغل وأثبت الجدارة بواقع إنجازاته التكنولوجية الجبارة وقدرته على تغيير العالم إلى الأفضل، والحاصل أننا في العالم العربي مازلنا نفصل بين المنجز التكنولوجي والعلمي من ناحية، وبين منهج التفكير الذي يقف وراءه من ناحية أخرى، ومازال التفكير العلمي في بلادنا يُعاني أشد المعاناة في مواجهة ضروب مختلفة من التفكير الخرافي وأحيانًا التآمري الذي يفاقم من واقع أزمتنا. ومما زاد الطين بلة أن هذا العصر الرقمي، وبدلاً من أن يُسهم في إشاعة المعرفة عبر أدوات مثل الإنترنت وغيره، وجدناه يُسهم في ترسيخ أنماط التفكير الخرافي المعادي للعلم، أو التفكير المتطرف بكافة أشكاله، ذلك أن الإنترنت في رأيي هو مجرد وسيط، وكما يستخدمه المتنورون والباحثون عن المعرفة، فقد وجد فيه أنصار التطرف والجهل ضالتهم للتواصل ونشر أفكارهم عبر كوكب الأرض.

وقال صاحب كتاب «شهادتي»، لقد لاحظنا جميعاً أن الأفكار الأشد تطرفاً وجهلاً تجدُ طريقها للانتشار بصورة أسرع، لأن الناس تبحث عن الأفكار التي تتماهى معها، وتؤكد ما لديها من انحيازات ورؤى أولية، وترفض بصورة غير واعية كل ما يتعارض مع تصوراتها، وهي ظاهرة نلمسها في العالم المتقدم والنامي على حد سواء،. وقد أنتجت حالة أطلق عليها البعض "عالم ما بعد الحقيقة"، بحيث يصعب جداً تمييز المعلومة الصادقة بين ركام من الأكاذيب، أو وقف انتشار معلومة زائفة أو مضللة، ولا شك أن هذا التطور الجديد يلقي بظلاله على مجتمعاتنا العربية، ويُزيد من حالة التشويش والإرباك، ومخاصمة التفكير العلمي بصورة نلمس انعكاساتها المباشرة على واقعنا السياسي والاجتماعي، وظني أن هذا الموضوع يحتاج من المفكرين والمثقفين العرب إلى انتباه واهتمام كبيرين لأنه يُمثل ظاهرة بالغة التأثير والتغلغل، خاصة في أوساط الشباب.

وأضاف أبو الغيط، الشباب العربي هو المستقبل الذي يجب أن نوفر له كل الأدوات والأسلحة والقدرات التي تمكنه من حمل المسئولية إلى الأمام وإلى الأعلى، وتحقيق التطوير المطلوب، ولكن هذا الشباب أيضًا عليه أن يمارس دوره بقدرٍ كبير من الإدراك والمعرفة والتعمق والتحليل الجيد للأمور ووضع الأهداف والمشاركة، وألا يترك نفسه لعنان ما هو سلبي في هذه الأدوات الجديدة التي تحدثتٌ عنها.

وأكمل صاحب كتاب «شاهد على الحرب والسلام»: ثانياً أما أن يكون الفكر العربي معاصراً فيعني أن ينصرف إلى قضايا العصر ولا يبقى أسيراً لأسئلة الماضي، مشدوداً إليها بسلاسل غليظة تحول بينه وبين الانطلاق إلى المستقبل، والمثقف بالتعريف هو من ينغمس في أسئلة عصره، ويسلط عليها فكره وجهده العقلي باحثاً عن الإجابات، وعصرنا الحالي يموج بأسئلة كبرى لا يُمكن أن ينفصل الفكر العربي عنها، وإلا تخلف وصار فكراً مُتحفياً مقطوع الصلة بالواقع، والأسئلة الكبرى في هذا العصر تتعلق عموماً بمستقبل الحضارة البشرية، أين تتجه الإنسانية وأين تتجه الحضارة؟ وفي الأساس بعلاقة الإنسان بالتكنولوجيا، وعلاقته مع الطبيعة، ونحن جميعًا نستشعرُ هذه القضايا والضغوط في حياتنا اليومية بل اللحظية، أي دور تقوم به تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي؟ والعالم يشهد ثورة غير مسبوقة في توليفة جديدة بين الذكاء الاصطناعي والإنسان والبشرية.

وتسأل أمين عام جامعة الدول العربية: وما انعكاس هذه الثورة على تركيبة المجتمعات البشرية وعلى ظواهر مهمة مثل سوق العمل؟ البطالة؟ الصراع العسكري؟ الأسلحة؟ التكنولوجيا، والذكاء الاصطناعي؟، وإلى أي مدى سيسمح البشر لهذه التكنولوجيا برسم اختياراتهم في المستقبل عبر ما يُسمى بالخوارزميات التي أصبحت ملمحاً رئيسياً في حياتنا المعاصرة؟ متابعًا: ثمة سؤال آخر بخصوص التغير المناخي ومستقبل الحياة على ظهر الكوكب خلال ما يُسمى بعصر «الأنثروبوسين» أي الحقبة التي صار وجود الإنسان وأنشطته المؤثر الرئيسي على طبيعة المناخ في الكوكب، من تابع أمس واليوم قمة مدريد للمناخ، ومن سوف يتابع أحداث الأسابيع القليلة القادمة، سوف يصل إلى خلاصات أن الإنسان والبشرية عليهما أن يسعيا إلى السيطرة على كل هذا التطور، بشكل لا يضر بالكوكب الذي نعيش عليه جميعًا.

وأوضح «أبو الغيط»، هناك أيضاً معضلات قديمة متجددة تتعلق بالنظام الاقتصادي والسياسي الأمثل، فالحاصل اليوم أن جدلاً مشتعلاً ينصب على ظاهرة العولمة وصورة العالم الذي خلقته، فمع التسليم بما أفضت إليه العولمة من رفاهية وما أدت إليه من خروج مئات الملايين من ربقة الفقر، إلا أنها وكما نرى خلقت أيضاً صراعات حادة داخل المجتمعات، بين النخب والطبقات الأخرى، ومن تابع ومازال يتابع أحداث الكثير من الدول اللاتينية والعربية والأوروبية، وغيرها، يرى أن هناك احتدامًا حدًا، يجب على المجتمعات وعلى الحضارات أن تتفاعل معها وتفهمها وأن تسعى إلى التوصل إلى هذا الاستقرار والسلام.

وقال صاحب كتاب «شاهد على الحرب والسلام»، نلمس في ما يجري اليوم حالة من التململ الجماهيري واسع النطاق حيال المعادلة التي بشرت بها هذه العولمة، بل وتآكلاً للثقة في المؤسسات التي خلقتها، فأي مستقبل لهذه الظاهرة؟ بل أي مستقبل للأفكار السياسية والاقتصادية التي سادت طوال القرن العشرين، وربما أيضًا التاسع عشر من ليبرالية إلى رأسمالية إلى شيوعية، سواء في نسختها المندثرة، أو في صورتها الصينية المعاصرة، وهل نشهد عصراً جديداً يخيم فيه شبح الشعبوية المخيف على المجتمعات؟ ولقد لاحظنا أن هناك الكثير من الدول المتقدمة تتعرض لهذه الشعبوية بشكلًا متكامل، ومثلما قال الدكتور هنري العويط، ما مكان الفلسفة والفكر في "عالم ما بعد الحقيقة" كما تحدثت سالفاً؟ هذه كلها أسئلة ومعضلات تشغل البشر عبر العالم، ولا ينبغي أن يكون الفكر العربي بعيداً عنها أو مخاصماً لها.

وتابع الأمين العام، ثالثاً وأخيراً، فلابد أن يكون الفكر الجديد عربياً بحق، وأعنى بذلك أن ينطلق الفكر الجديد من واقعنا العربي، وأن يدور في مداره، وأن يقف على أرضه، فلا يكون فكراً مستلباً أو مستورداً، فأنا أشعر أحيانًا بالأسف لأن الكثير من المثقفين العرب، يحتجون إلى المزيد من الاقتراب من واقع المجتمعات العربية، فهم أحيانًا يُسارعون إلى إسقاط أفكارهم وتصوراتهم على هذا الواقع دون أن يهتموا الاهتمام الكافي برؤيته على ما هو عليه، وظني أن الخطوة الأولى نحو فكر جديد هي التحلي بهذه النظرة الواقعية، التي لا تعني بأي حال التخلي عن الخيال أو الاستسلام لما هو قائم، ولكن المقصود هو أن يعبر فكرنا عن قضايانا نحن، وهمومنا نحن، لا عن تصورات منقولة نقلاً، ومنسوخة نسخاً، من بيئات غريبة عنا لها سياقات حضارية مغايرة، فنصيحتي دومًا إلى شباب المثقفين ألا يسقطوا في فخ النقل الحرفي للأفكار، أو الترديد البغبغائي للايدولوجيات، ذلك أن النقل والنسخ ليس من الإبداع الحقيقي في شيء، والابتكار في جوهره هو عملية مستمرة لخلق توليفات جديدة وإيجاد علاقات غير تقليدية بين الأفكار، ويكون الفكر عربياً كذلك إن هو انطلق من تراثنا دون أن يبقى أسيراً له، وهذه معضلة كبرى أرقت مفكرينا ولا زالت إلى اليوم، أي المعاني والقيم نأخذها من تراثنا، وأي الأفكار ندعها؟ وما المعيار؟ والحال أن تراثنا غابة شاسعة مترامية كثيفة الأشجار، متشابكة الأغصان، فيها طيب الثمر جنباً إلى جنب مع العلقم والشوك، ومن دون بوصلة أو منهج، فإن الخائض في هذا التراث العريض الذي يمتد لقرون من الزمن يصير عرضة للضلال والتيه.

وأختتم «أبو الغيط» كلمته: ظني أنه ليس للمثقف العربي أن يقف من تراثه موقف الرفض الكامل، وإنما عليه بالتأكيد أن يتناوله بمنظور نقدي، وأن ينظر إليه من زاوية عصرنا وقضاياه، وأن يستعير من التراث المواقف والقيم والمناهج، وليس المعارف بحرفيتها أو الأفكار بذاتها، والتجديد على سبيل المثال هو ركن مهم في تراثنا الفكري الزاخر، وقد قال الرسول الكريم «ص»: "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يُجدد لها دينها"، فأين نحن من هذا المنهج الذي يعتبر التجديد في الفكر سنة واجبة، وضرورة لازمة؟



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك