«مؤنس الملك».. التراجيديا الوجه الآخر للتسامح - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 1:31 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«مؤنس الملك».. التراجيديا الوجه الآخر للتسامح

 عبدالله محمد:
نشر في: السبت 7 ديسمبر 2019 - 5:20 ص | آخر تحديث: السبت 7 ديسمبر 2019 - 5:20 ص

صدرت فى هذا العام رواية «مؤنس الملك» للكاتب والفنان التشكيلى والنحات المغربى ماحى بينبين عن دار هاشيت أنطوان نوفل، وقد ترجمها الشاعر أدونيس سالم إلى العربية عن الفرنسية. يقول ماحى على ظهر الغلاف: «ولدتُ فى عائلة شكسبيرية بين والدٍ عاش طوال أربعين عاما فى خدمة الملك، وشقيقٍ أُبعِد إلى سجنٍ من سجونه. تخيلوا قصرا مرعبا وساحرا يُعاقَب أوفى أوفيائه، وتتحكم نزعات الغيرة بلَيله.
للحكايات أبوابٌ يعرف الحكاءون جيدا أنها تفضى إلى السلطة من جهة، وإلى الحرية من الجهة المقابلة.
عند ذلك الباب، وقف والدى وكان عليه أن يختار. وقد اختار سموَه. تخلى عن زوجته وأولاده، وترك شقيقى لمصيره، لتعيش عائلتنا طوال 20 عاما مسكونة بألم الغياب.
ما حجة مؤنس الملك؟ وما حجة الوالد الذى فيه؟
لمَ قد يزجُ إنسانٌ بنفسه فى العزلة ويرمى نفسه فى أحضان العبودية؟
غريبةٌ هذه الدنيا، وغريبةٌ كانت الحياة التى اختارها أبى.
منذ سنوات وأنا أحاول أن أروى قصته. اليوم أضعها بين أيديكم: حكايةٌ تفيض بسحر الحكايات الغابرة، وتغرق فى كابوس مأساةٍ إنسانية».
قضى الفقيه بينبين مدة تناهز 31 عاما يشتغل مؤنسا للملك الحسن الثانى.. ابنه ماحى بينبين، اختار توثيق هذه التجربة المثيرة فى رواية «مؤنس الملك» التى تمت ترجمتها لعدة لغات..
يقول ماحى فى أحد حواراته: «فى كل كتاباتى، وقفت إلى جانب أخى، الذى أمضى 18 سنة فى معتقل الموت (تازمامارت)، بعد مشاركته فى انقلاب عسكرى ضد الملك فى يوليو 1971. خلال هذا اليوم، كان والدى مختبئا فى قبو إلى جانب ملك البلاد، فى الوقت الذى كان ابنه؛ مُدججا بسلاحه، يقوم بمذبحة فى القصر... قصة كهذه مُثيرة بكل المقاييس بالنسبة لأى كاتب، وفى هذه الرواية، قررت أن أمنح الكلمة لوالدى. أفسحت له المجال كى يدافع عن نفسه؛ ويتحدث عن جراحه ومأساته...».
مؤنس الملك، حسب تعريف معجم المعانى الجامع يأتى تعريف مؤنِس من آنسَ، مؤنس له فى حياته، ملاطف له ومزيل لوحشته، وهذه مهمة الفقية محمد بينبين، أن يذهب الغم عن الحسن الثانى ويضحكه بقدراته الذهنية الفذة وثقافته الشمولية والموسوعية الكبيرة فهو صاحب عقل جامع حافظ وذاكرة نشيطة، حفظ من المتون العلمية الكثير وقديما قالوا: «من حفظ المتون أجاد الفنون»، كان الفقية بينبين معلما نشيطا مجدا ومجتهدا فى مهنة التدريس، وكانت له طريقة خاصة فى التلقين، بحيث كان يحث طلابه على الحفظ، وكان يشرح لهم بحيوية مفعمة بروح المرح والدعابة، عاش الفقيه بينبين فترة الباشا الكلاوى الذى كان صديقا لوالده وكان بينبين معجبا بالكلاوى وبعلمه وكرمه، أعجب الملك محمد الخامس بموهبة الفقيه وقدرته على حفظ الشعر والأذكار والأعلام، حين توفى الملك محمد الخامس رجع الفقيه إلى التدريس فى مراكش، وصادف مرة أن سمع الملك حسين الثانى شعره فأرسل فى طلبه، ويقول الفقيه فى أحد حوارته: «فسألنى كم أحفظ من ديوان شاعر الحمراء ابن إبراهيم، فقلت له أحفظ سبعين حتى ثمانين فى المائة مما كتبه شاعر الحمراء فقال لى بلغنى أنك تحفظ الديوان كله، فقلت إذا قالها أمير المؤمنين فأنا أحفظه فقد أعطانى الله ملكه حفظ ما سبقنى بها أحد، ثم سألنى عن المحفوظات فأجبته، ودام ذلك اللقاء أكثر من ثلاث ساعات فى أحد أيام رمضان، ثم كلفنى بجمع ديوان أصدقاء الشاعر، ولما انتهينا من تحقيق الديوان ورآه طلب منى الملك أن أكون أحد مؤنسيه ولم أجد بدا من القبول رغم أن مقامى أكبر من مقام مؤنس لكن لما اقتضى نظر الملك ذلك كانت على الطاعة لأوامره.
يأخذنا ماحى فى رحلة عبر تلك الرواية التى تمزج بين الذاتى والموضوعى فى شكل تراجيدى، ففى خارج القصر والدته التى كتب عليها أن تصمد فقد تركها الزوج وانتهى مآل الزواج إلى الطلاق فهى تكتوى بنار زوج هجرها ليكون بالقرب من الملك، وبين ألم الانصهار وهى تنتظر شقيق ماحى الذى سجن فى تازمامارت سيئ السمعة، إثر حادثة مهمة فى تاريخ المغرب العربى حسب المرويات فهو كان انقلابا عام 1971 على الملك، وباء بالفشل وأودى عدد من الطلاب والمتهجمين على قصر صاحب الجلالة إلى هذا السجن الذى يعتبر سجنا مشددا وقد لا يخرج منه أحد، ووالده الذى تبرأ من ابنه حين علم أنه منحاز للثوار على الملك، ولم ينفعه تبرؤه منه رغم أنه ظل يعيش فى كنف صاحب الملك من أجل أن يتحف مسامعه بالحكايات والقصص المضحكة ليذهب عنه ضجر الأيام ووحشتها، ومع هذا ظلت الأم تنتظر قرابة 18 عاما إلى أن خرج ابنها من السجن عام 1991.
يصف ماحى على لسان ابيه الراوى: «كان قربى من صاحب الجلالة يمنحنى غرورا لا يمكننى إخفاؤه، ونوعا من السلطة كنت أرى قوتها فى نظرة خصومى الملتمعة. الواقع أننى كنت أملك السلاح الأكثر إثارة للخوف فى نظام الملكية المطلقة، أى أذن الملك. فالثناء على حسنات شخص ما أو القضاء عليه رهن بتلميح بسيط أدرجه فى جملة عابرة. وملاحظة واحدة كانت تكفى لزرع الشك فى ذهن سيدى».
نجد أن هناك بعدا من المأساة ظل يعيشه «الفقيه» فى صمت جانب أسرته الصغيرة، إلا أنه كان مخلصا فى حبه لصاحب الملك الحسن الثانى، ويظهر هذا الأمر فى عدم قدرته على الكذب فى وجه الملك فى أقوى موقف عاشه فى حياته والذى كان «آخر لقاء بالملك» بعدما تمكن منه المرض.
فى الفصل الأخير من الرواية يحكى عـن آخـر لقاء بيـن الملك والمؤنس يصف الفنان التشكيلى هذا الحب ببساطة معجونة بالحب والود الحقيقى تجاة الملك: «لا هـو ولا أنا، كـنا نـريد أن نــغـش. ســيدى كان يـنـتظـر منى أن أنـظـر إليه كما نـنـظـر إلى صديق يُـحـتضَـر، لا يحتاج إلى الكذب. كان قلبى يـخـفـق بـشـدة وأنا أقـدِمُ على حـركــة غير معقـولة، كنت أستـحق عليها مـائة جـلدة. حـركة ما كان لأحــدٍ أن يسـمح بها: أمـسـكتُ يــد مـولايَ بيـن يدى وضغـطتُ عليها بـقوة (...) رفع الملك عينيه نحو أزهار الجوكاندا وقال: لن أراها قَطْ، أليس كذلك؟»، فأجبته «لا، لن تـراها بعد اليوم، يا مولاى».



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك