أمين عام مؤسسة الفكر العربى لـ«الشروق»: العالم يدخل ثورة صناعية خامسة وواقع الأمر يفرض علينا الابتكار أو الاندثار - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 7:01 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أمين عام مؤسسة الفكر العربى لـ«الشروق»: العالم يدخل ثورة صناعية خامسة وواقع الأمر يفرض علينا الابتكار أو الاندثار

حوار ــ شيماء شناوى
نشر في: السبت 7 ديسمبر 2019 - 5:29 ص | آخر تحديث: السبت 7 ديسمبر 2019 - 5:29 ص

• الأدب العربى بأجناسه وصنوفه خدم القضية الفلسطينية أكثر من السياسة
• نسبة المتعلمين فى غزة وحدها بلغ 96% لأن التعليم وطن معنوى آخر يلوذون به
• العرب يحتاجون إلى شيوع التسامح وقبول الآخر وبناء دولة المواطنة
• لا يزال البحث العلمى العربى محصورًا داخل نطاق الجامعة وعلى نحو خجول وغير كافٍ

برسالة واضحة تُعنى بالفكر والثقافة وحدهما، وأهداف تتعلق بالتوعية والتنوير والمساهمة فى التنمية والتطوير بمجتمعاتنا العربية، أُنشئت مؤسسة «الفكر العربى»، بمبادرة من الأمير خالد الفيصل، أمير منطقة مكة المكرمة، ومستشار خادم الحرمين الشريفين، وهى مؤسسة أهلية دولية مستقلة، ليس لها ارتباط بالأنظمة ولا بالانتماءات السياسية أو الحزبية أو الطائفية.
واستطاعت المؤسسة أن تحقق إنجازات كبيرة فى نشر المعرفة، والتحفيز على الإبداع والابتكار، وتطوير البنى والعقليات، من خلال تمكين الشباب، وتحديث أساليب تعلم اللغة العربية وتعليمها، والإعلاء من شأن قيم الحوار والانفتاح على لغات العالم وثقافاته، وكذلك عن طريق التقارير والكتب والترجمات التى تصدرها، والجوائز التى تمنحها، والمؤتمرات والملتقيات والندوات التى تعقدها، والتى كان أحدثها مؤتمر «فكر17» الذى انطلق فى الأيام الماضية، تحت عنوان «نحو فكر عربى جديد»، بالمملكة العربية السعودية، وشارك به مئات المثقفين والدبلوماسيين والإعلاميين من سائر أنحاء الوطن العربى.

حاورت «الشروق» الدكتور هنرى العَويط، الأمين العام لمؤسسة الفكر العربى، الأكاديمى اللبنانى المخضرم، الذى يرأس المؤسسة منذ العام 2014..

 

< تصدت مؤسسة الفكر العربى منذ تأسيسها لرصد واقع التنمية الثقافية فى دول الوطن العربى.. أين نحن الآن؟
ــ دأبت مؤسسة الفكر فى كل عام على إصدار تقريرٍ علمى حول التنمية الثقافية العربية، بحيث يرصد هذا التقرير عددا من العناصر الثقافية، مثل أوضاع التعليم والبحث العلمى واقتصاد المعرفة والتأليف والنشر وغيرها من العناصر الثقافية، فى إطار عملية تقويمية للواقع الثقافى العربى بصفة عامة. وقد بينت لنا المؤشرات والمُعطيات الكمية تقدُم الدول العربية فى بعض المجالات التنموية، من ذلك مثلا تنامى عدد الجامعات فيها ومعاهد التعليم العالى الخاصة وازدهارها على نحوٍ غير مسبوق، وإنشاء مراكز للأبحاث وحدائق وحاضنات للتكنولوجيا، فضلا عن قيام عدد من الدول العربية بوضع «وثائق رؤية» تلحظ ضرورة السعى لحيازة قدرات علمية وتكنولوجية متميزة واستثمارها فى مجالاتٍ تتضمن تنويع مصادر الدخل الوطنى وتوفير فرص للعمل ومُعالجة مشكلات بيئية وصحية ومجتمعية. غير أن المؤشرات النوعية تفيد بأن على دولنا اجتياز طريق طويل لتحقيق متطلبات التنمية الشاملة والمُستدامة. من ذلك مثلا أن تنامى عدد الجامعات ومعاهد التعليم العالى الخاصة وازدهارها المُشار إليه لا يعبر بالضرورة عن مَقدرة هذه المؤسسات على تقديم أنماط من التعليم والتدريب والبحث العلمى، تتناسب مع التحولات التى تشهدها منظومات التعليم فى أنحاء العالم؛ أما توافر مراكز للأبحاث وحدائق وحاضنات للتكنولوجيا فلا يشير بالضرورة إلى تصدى تلك المراكز للمشكلات التنموية الملحة؛ أما الاهتمام المُتزايد بأنشطة البحث فى مضمار العلوم الفيزيائية والطبيعية والهندسية والطبية ونواتجها، فلم يُقابله اهتمام مُماثل فى مضمار العلوم الاجتماعية على الرغم من أهمية المسائل التى تشغل العالم والعالم العربى على هذا الصعيد. فى ضوء ما سبق، يغدو من الضرورى القول إن طريقنا إلى التنمية بصورةٍ عامة، وإلى التنمية الشاملة والمُتوازِنة والمُستدامَة بصورةٍ خاصة، لا زال طويلا.

• بناء فكر عربى جديد، وتجديد النظر فى مفهوم الدولة والمُواطنة والمُشاركة وثقافة التسامُح والسلم الاجتماعى، كلها عناوين تم طرحها ومُناقشتها فى المؤتمر، فما هى آليات تحقيق ذلك على أرض الواقع من وجهة نظرك؟ وكيف تُسهم المنظومة التعليمية بالوطن العربى فى ذلك؟
للمنظومة التعليمية العربية بشبكاتها المُختلفة، الدور المركزى فى بناء أُسس نهضة بشرية عربية جديدة، عمادها بالطبع الأجيال الصاعدة المُواكِبة بالضرورة لتحولات العولمة على كل صعيد، والمُتابِعة بدقة لكل الآليات والوسائط التى تفرضها عمليات التطور التقنى من خلال شروطها العلمية التى لا راد لها ولا محيص عن امتلاك أدواتها.
والتعليم نفسه هو الذى يُسهم فى بناء أى صرح فكرى عربى جديد يحرِر إنساننا من ثقل كل ما يحد من انطلاقته التطورية المنشودة والتى من شأنها خدمة مَساره الحياتى الحضارى، راهنا ومستقبلا، وحتى على مستوى الاهتمام بالهوية التراثية وما تمثله من قيَم مُستدامة على مر الأجيال. وتلك مُعادلة ذهبية اضطلعت وتضطلع بها دول حديثة اليوم فى العالم، كاليابان مثلا، المعروفة بأسبقيتها فى مجال عِلم المستقبلات وسائر الوسائط المُفضية إليها.
نعم، المُواطنة ثقافة، ومفهوم الدولة العادلة ثقافة، وكذلك قيَم التسامُح والسلم المجتمعى ثقافة وفلسفة أخلاقية يتعلمها الإنسان فى المدرسة واستطرادا فى البيت والمجتمع.
وفى مثل هذا الزمن الحرج والصعب للغاية ما أحوجنا نحن العرب إلى سريان فلسفة التسامح فى عقولنا وأفئدتنا وأن يتقبل بعضنا بعضا أولا ومن ثم تقبُّل الآخر فى الوقت نفسه، ففلسفة التسامُح تقودنا إلى بناء مفهوم الدولة العادلة، دولة المُواطَنة والإنسان وسيادة القانون.

< كيف تُساعد العلوم الاجتماعية والإنسانية فى النهوض بالفكر العربى، وما الدور الذى تلعبه هيئات المجتمع المدنى لدعم ذلك؟
ــ يَعتبر كثيرون، من مفكرين ورجال سياسة وسواهم، أن العلوم الإنسانية غير مُجدية، مُستندين فى ذلك إلى ما قدمته ــ ولا تزال ــ العلوم الصحيحة، من فيزياء وكيمياء وهندسة ورياضيات وتكنولوجيا من إنجازات ملموسة، بعكس العلوم الاجتماعية والإنسانية، التى تستند فى رأيهم إلى مَعارِف غير دقيقة تنهض على الإمكانات والاحتمالات، بما لا يجعلها ترقى إلى مرتبة العِلم. هذه النظرة الدونية ــ إذا ما جاز التعبير ــ إلى العلوم الاجتماعية والإنسانية غير دقيقة، ولاسيما حين نُدرِك أن ما بلغته الشعوب من تقدمٍ صناعى وتكنولوجى كان يتم بالتوازى مع تقدُم الفنون والآداب واللغات والفلسفة والتاريخ والجغرافيا والسياسة والاقتصاد والاجتماع... إلخ؛ فلولا العلوم الاجتماعية والإنسانية لما كان هناك من تشخيصٍ للتحديات التى تُواجِه المُجتمعات بعامة، أو تصوراتٍ لسياسات عامة يتحقَق بفضلها التوازن بين البُعدَين المادى والروحى، بحيث يكون هذا التوازن مُحفِزا على الارتقاء بالمجتمعات وتغييرها نحو الأفضل. فموضوع العلوم الاجتماعية والإنسانية لا يقتصر على الإنسان فقط بل على الإنسان كمُنتِج للفكر. وما مُطالبات المجتمع المدنى وبَرامجه إلا ترجمة عملية لما أرسته تلك العلوم من نظريات حول الإنسان وحقوقه وواجباته وحريته بوصفه مركزا للكون ومسئولا عن وحدة مُجتمعاته ورقيها الإنسانى والحضارى. أوَ ليست فكرة الحق عموما ترجمة لتقاطُع نظريات فى الفلسفة والدين القانون والاجتماع؟ أوَ ليست فكرة المُواطَنة التى قد تُدافع عنها إحدى منظمات المجتمع المدنى وهيئاته مثلا ترجمة لتقاطُع نظريات فلسفية وقانونية وسياسية واقتصادية واجتماعية... حول مَوقع الإنسان فى المجتمع البشرى ودَوره فيه فى ظل تصورٍ عام لمفهوم الدولة وعلاقتها بمواطنيها؟

< تضمَّن جدول مؤتمر «فكر17» مُناقشة قضايا اقتصادية مثل الثورة الصناعية الرابعة التى تُعد أهم قضايا الاقتصاد فى المستقبل القريب، برأيك كيف ستُسهم الثورة الصناعية الرابعة فى حل الأزمات الاقتصادية التى تُعانى منها المنطقة والعالَم والتى أثارت شعوب العديد من الدول العربية؟
ــ بدأ العالَم يدخل اليوم عصر الثورة الصناعية الخامسة، أى عصر ما بعد الذكاء الاصطناعى ورسم خطوطه من موقع استشراف فلسفى اقتصادى خصوصى يختزل كل ما سبقه من اقتصادات مرت بها البشرية، ونحن العربَ عامةً كنا فى الثورات الأربع السابقة على اختلاف أزمنتها من بداية الثورة الأولى باختراع المحرك البخارى وما أحدثه فى مجال المواصلات، وربط الدول ببعضها، والثورة الثانية اكتشاف الطاقة الكهربائية وما أحدثته من تطور مُطرد فى عالَم الانتاج وسرعته والتى أفضت بدَورها إلى الثورة الصناعية الثالثة التى ترجمت نفسها فى الوسائط الإلكترونية وقيام عالَم الإنترنت، واليوم نحن فى خضم الثورة الصناعية الرابعة أى عصر اقتصاد تكنولوجيا المعرفة والمعلومات التى تقود إلى مُضاعفة الإنتاج وازدياد حجم النمو السنوى لاقتصادات الدول، كنا شعوبا مُستهلِكين لا مُنتجين، ومَن يستهلك من غير إنتاج أو ابتكار، لا مكان له حقيقيا فى قلب خارطة هذا العالَم ورسم مصيره الاستراتيجى العام؛ ليس فى مجال عِلم الاقتصاد فحسب، وإنما فى سائر العلوم المتقدمة والمتغيرة كل يوم تقريبا. وواقع الأمر هذا يفرض علينا مُعادلة واحدة قوامها: الابتكار أو الاندثار.

< تتبنى دولٌ عديدة فى المنطقة حاليا إرساء قواعد الاقتصاد الرقمى الذى خَصص المؤتمر إحدى الجلسات لمُناقشته. ما هو تقييمك لوضع الاقتصاد الرقمى فى المنطقة حاليا، وكيف ترى آثاره على حياة الناس العادية؟
ــ لأن الاقتصاد الرقمى صار مُحركا رئيسيا وضروريا للاقتصاد العالَمى، وجب على دولنا العربية كلها تعزيز قواعد منطلقات مثل هذا الاقتصاد لديها، وذلك كى تتمسك ــ أولا ــ بأسباب بقائها وانخراطها فى لغة الاقتصاد الرقمى العالَمى، وما يفرضه من مُداولات عليها لا بد منها فى معركة التقدم والتطور على الصُعُدِ كافة؛ وــ ثانيا ــ لأن أمور الاقتصاد الرقمى باتت تفرض قيام ما يُمكن أن نسميه بأنظمة الحكومات الذكية الرقمية التى صارت أمرا واقعا لا مناص منه فى مُعادلات التعامل مع الحكومات الذكية الأخرى فى العالَم.
وربما لأجل هذا الغرض المركزى والأساسى عُقدت قمة عربية فى بيروت فى شهر يناير من العام 2019 أكد إعلانُها تبنى سياسات استباقية لبناء القدرات اللازمة للاستفادة من إمكانات الاقتصاد الرقمى وتقديم الدعم للمُبادرات الخاصة، وتم الإعلان عن تخصيص القمة العربية مبلغ 200 مليون دولار أمريكى لبدء تأسيس صرح اقتصادى رقمى عربى يَستدرك ما يُمكن استدراكه من فجوات عربية على هذا الصعيد.

< لا تقدُم من دون بحث علمى. بحسب رأيك لماذا لا تدعم الحكومات العربية البحث العِلمى على النحو المطلوب؟ وهل يتطلب الأمر المؤازرة من مؤسسات المجتمع المدنى؟
ــ خلاصة البحث العِلمى بالنسبة إلى المختصين فيه، هو أنه ذاك المفهوم الذى يبنى فى الإنسان صرح الأسلوب المنظم فى التفكير ورسم الحلول العقلانية المجربة للمُشكلات المُختلَف عليها، وتعميم آلياتها، من خلال تجاوب الجميع معها، والاقتناع بها.
إنه باختصار الأسلوب العِلمى فى التفكير ونشر الوعى بالمُشكلات الاجتماعية والسعى إلى دراستها وتحليلها وتذليل عقباتها. هكذا، فالبحث العلمى فى الظواهر الاجتماعية المُتناقضة يفرض على معشر الفلاسفة وعُلماء الاجتماع الثقات رسم نظريات تحكم سَير المجتمعات بسلاسة و«التنبؤ» بالمشكلات قبل حدوثها ودائما على قواعد عِلمية، حتى فى قلب حقول التجريب المُشتغل عليه.
ونستدرك فنقول إن البحث العِلمى عربيا لم يتحول فى خلاصات قيَمه النهائية إلى ثقافة مجتمعية سائدة. إنه لا يزال محصورا داخل نطاق الجامعة، وعلى نحو خجول وغير كافٍ البتة. نعم.. لقد جرت مُحاولات عدة من حكومات عربية لدعم مسألة البحث العِلمى وتكريسها أكاديميا ومجتمعيا، لكنها تعثرت فى النتيجة، والسبب فى ذلك ــ كما أفاد مرة عالِم الاجتماع المصرى الكبير سيد يسين ــ يعود إلى طبيعة استيعابنا للمفاهيم العِلمية والمعرفية التى تحتاج منا بعد إلى أجيالٍ معرفية بحالها حتى تتبلور على مستوى ملموس و«معافى» فى بلداننا التى تعانى أصلا من تخلفٍ ملحوظ فى مستوى التعليم نفسه، وتطور أدواته ومَناهجه المُختلفة، قبل أن ينسحب الأمر على سائر القطاعات الأخرى المُرتبطة بالبحث العِلمى ومُرتكزاته.

< هناك مؤلفات أدبية عربية كثيرة عرَّفت القراء فى العالَم بعدالة القضية الفلسطينية، وبحجم ما ارتُكب من جرائم بحق الشعب الفلسطينى، منها: «زمن الخيول البيضاء» لإبراهيم نصر الله و«الطنطورية» لرضوى عاشور وغيرها الكثير، فإلى أى مدى يُسهِم الأدب عموما فى حفْظ القضية الفلسطينية فى الذاكرة فى الوقت الذى تنحو فيه السياسة إلى الاتجاه المُعاكِس؟
ــ إن كل عمل أدبى، وأيا كان جنسه، نصا شعريا أم روائيا أم مسرحيا أم غيره، هو اجتماعى بالضرورة، وهذا العنصر الاجتماعى يكون محفورا بعمق فيه، لكونه يحتوى على جوانب متعددة من الواقع الثقافى الاجتماعى السياسى؛ لذا يقوم هذا الأدب بتأريخ الحياة التى نعيشُها فنيا، بكل ما فيها من مَشاعر وانفعالات. إنها السمة الأساسية لكل عمل أدبى أصيل. ولما كانت القضية الفلسطينية جزءا أساسيا من مأساة العرب جميعا، فإن الأدباء العرب بنوا عَوالِم فنية بديلة سمحت لشريحة واسعة منهم بترجمة رؤاهم حول واقع فلسطين وقضيتها. ولهذا فجوابى البديهى هو أن الأدب العربى بأجناسه وصنوفه المُختلفة جسَد التزاما فعالا فى خدمة القضية الفلسطينية أكثر من الدور الذى قامت به السياسة.

< كيف برأيك تُساعد مشروعات مثل «ألبوم العائلة» و«الأرشيف الرقمى الفلسطينى» وغيرها من المشروعات الرقمية على توثيق حياة الفلسطينيين والحفاظ على الهوية؟
ــ نشطت فى الألفية الثالثة المهرجانات السينمائية والمسرحية والموسيقية والعروض الراقصة، فضلا عن الفنون البصرية وغيرها، بوصفها سبلا ووسائل غايتها الحفاظ على الهوية الفلسطينية. ونشط فى موازاة ذلك الاعتماد على العنصر الرقمى فى حفْظ الإرث الثقافى الفلسطينى، ولاسيما فى ظل ما تقوم به قوى الاحتلال من أعمالٍ لطمس تاريخ الشعب الفلسطينى وثقافته. بمعنى أن الثورة الرقمية سمحت باستغلال التقنيات الرقمية الحديثة لتسجيل تجربة شرائح متعددة من الفلسطينيين، على اختلاف أعمارهم ومهنهم ومناطقهم، سواء داخل فلسطين أم فى الشتات، وترافَق ذلك مع مُبادرات إنتاج التاريخ الشفوى الفلسطينى. ولا شك أن هذه الطُرق المُبتكَرة كلها تسمح بتأسيس أرشيفٍ تاريخى مصوَر يُقاوم إسرائيل فى طمْس الذاكرة الفلسطينية، ويُقاوم محاولات الطرد والتهجير الحالية.

< هل قطع المساعدات المالية التى تمنحها الولايات المتحدة للسلطة الفلسطينية من خلال «وكالة الأُمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (الأونروا) والمخصَص أغلبها لدعم العملية التعليمية، سيؤثر على مستوى التعليم فى فلسطين؟
ــ من المؤكد أن قطْع المساعدات المالية عن اللاجئين الفلسطينيين يشكل ضربة مؤثرة وموجعة، ليس تجاه السلطة الوطنية الفلسطينية فحسب، وإنما لعموم الشعب الفلسطينى الذى يعيش أغلبه فى الشتات، والذى يصنفه الكثير من الباحثين المَعنيين بأنه الشعب العربى الأكثر تعلما بين سائر الشعوب العربية. ومن هنا جاءت إحصاءات الهيئات والمؤسسات الدولية المعنيَة لتبين علميا، أن نسبة المتعلمين فى أوساط الشعب الفلسطينى هى الأعلى عربيا. يكفى أن نسبة المتعلمين فى غزة وحدها، هذه المنكوبة بالفقر والحصار الدائمَين، تتجاوز الـ 96,4 فى المائة مقارنة بدول ومُدن كبرى أخرى متقدمة فى العالم. وتشكِل مدارس الأونروا فيها المرتكزات الأساسية للنهضة التعليمية والتربوية. وعليه فإن سحب الدعم المالى الأمريكى عن الأونروا ينذر بأسوأ العواقب، حتى ولو استبدلته (الأونروا) بزيادة التمويل من جهات أوروبية وعربية عدة.

نعم، التعليم هو أس التوجهات المركزية لدى الفلسطينيين منذ أن تعرَضوا لنكبة التهجير ومنذ أن فقدوا أرضهم وأرزاقهم، فكان بمثابة «وطن» معنوى آخر لهم، يلوذون به، ويعوضون من خلاله مأساتهم المُستمرة، آملين فى تشكيل منصة فاعلة ومتفاعلة تحثهم دوما على إبقاء الرغبة فى العودة إلى فلسطين متوقدة.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك