كان وأصبح (3): دار ابن لقمان.. من موضع أسر لويس التاسع إلى مزار تاريخي - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 1:46 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كان وأصبح (3): دار ابن لقمان.. من موضع أسر لويس التاسع إلى مزار تاريخي

إنجي عبدالوهاب
نشر في: الأربعاء 8 مايو 2019 - 8:12 م | آخر تحديث: الأربعاء 8 مايو 2019 - 8:12 م

لا ينفصل تاريخ الفنون عمارة وتصويرًا ونحتًا عن السياسة والاجتماع والاقتصاد، ولا تقتصر قيمته على الجمال والإبداع والاحتراف، بل هي شهادة حية على أيام خلت وأحداث مضت وشخصيات كان يمكن أن تتوه في غياهب النسيان.

وفي سلسلتنا الجديدة «كان وأصبح» التي ننشر حلقاتها على مدار شهر رمضان، نعرض نماذج لحكايات منشآت معمارية أو قطع آثرية مصرية تنتمي لعصور مختلفة، تسببت التحولات السياسية والاجتماعية في تغيير تاريخها، أو إخفاء معالمها، أو تدميرها بالكامل، لتخبو بعدما كانت ملء السمع والبصر.

وتنشر الحلقة الجديدة من هذه السلسلة يومياً في الثامنة مساءً بتوقيت القاهرة.

دار ابن لقمان:
"هنا سُجن لويس التاسع ملك فرنسا" ..هكذا كتب اللوحة التي تعتلي باب دار ابن لقمان بالمنصورة قبل أن يحوله الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر إلى "متحف المنصورة القومي" عام 1960.

هذا الصرح رصع بأبيات الفخر التي توثق تزايد قتلى الجنود الفرنسيين عن 30 ألفًا، في معركة "فارسكور" علي يد أبطال "جزيرة الورد"، أو المنصورة التي اتخذت اسمها من انتصارات بواسلها على قوات الحملة الصليبية السابعة، عقب أسر قائدها لويس التاسع ملك فرنسا الذي كان يطمح في السيطرة على القدس.
لنحو 32 يومًا منذ 5 إبريل وحتى 8 مايو 1250، استمرت فترة أسر لويس التاسع قبل أن يجبر على تسليم مدينة دمياط، ودفع فدية مقابل إطلاق سراحه، لتطوى بذلك آخر صفحات الحملات الصليبية على الشرق العربي.

دار ابن لقمان.. بين أمس واليوم
صممت "دارابن لقمان" الواقعة بمنطقة "منية عبدالله" في "جزيرة الورد"_المنصورة حاليًا، عند إنشائها قبل 8 قرون، على مساحة 576 متر لم يبق منها سوى 50، وهي دار أنشأت على الطراز الأيوبي الإسلامي المنقسم إلى طابق سفلي يسمى بـ"حرملك" يشمل مكانا مخصصا لأهل الدار لا سيما النساء، مرفق به ساحة انتظار الخيول، وطابق علوي يسمي "سلاملك" له سلم منفصل بغية استقبال الضيوف.
يعلو مدخل الدار نافذة صغيرة تطل على الشارع، ويبلغ طول الباب الرئيسي لها حوالي مترين، داخله باب آخر صغير طوله 40 سم، يقال أنه أنشئ خصيصا ليدخل منه الملك لويس التاسع محني الرأس عقب أسره.

قديما كانت الدار تطل مباشرة على الضفة الشرقية لفرع دمياط بنهر النيل، قبل أن تبعدها العوامل المناخية 500 متر عن ضفة النهر على مدار 8 قرون، وإلى يمين دار ابن لقمان الشاعر البليغ، وكاتب الحاكم، كان يقع أكبر مساجد المدينة، وهو مسجد الموافي نسبة للشيخ الموافي أحد علماء المنصورك، قبل أن يدفن به عقب وفاته.

تنسب الدار إلى القاضي وكبير شعراء عصره، إبراهيم بن لقمان بن أحمد بن محمد بن فضلان، فخر الدين أبو إسحاق، الشيباني الإِسْعِردي، (م1216ـ 1294م)) الذي ظل متولياً ديوان الإنشاء على تعاقب سلاطين الدولة الأيوبية، في مصر منذ ولاية الملك الكامل، مرورًا بنجم الدين أيوب، ووصولًا إلى ولاية السعيد ابن الظاهر بيبرس، تمتع خلالها بمكانة مرموقة بين كتَاب عصره، كرئيسًا للديوان المسؤل عن مراسلات الحاكم.

اكتسبت الدار شهرتها قبل 796 عاما، وتحديدًا في 6 إبريل عام 1250م، عقب انتصار مماليك السلطان نجم الدين أيوب على الصليبيين في معركة "فرسكور" في أوائل محرم سنة 648هـ/1250م؛ إذ أسر قائدهم الملك لويس التاسع وحُمل مكبلاً بالأغلال، داخل دار ابن لقمان، وثق شاعر العصر الأيوبي جمال الدين بن مطروح، هذا الانتصار عبر أبياته مخاطبًا لويس التاسع، ومحذره من العودة إلى مصر قائلًا:

وقل لهم إن أزمعوا عودةً.. لأَخْذِ ثــأرٍ أو لفعــلٍ قَبِيْحْ
دارُ ابنِ لقمانَ على حَالِها.. والقيدُ بَاقٍ والطَّوَاشِـي صَبِيْحْ

وهي الكلمات التي اعتلت اللافتة الرخامية للدار، حين افتتحها الرئيس جمال عبد الناصر كـ "متحف المنصورة القومى"عام 1960، لتتحول إلى مزار تاريخي.

وبمرور8 قرون لم يتبق من دار ابن لقمان سوى بضع قطع أثاث ومجموعة صغيرة من السيوف والخناجر النحاسية، يعتقد أنها استخدمت في معركة "فارسكور" آخر حروب الحملات الصليبية على مصر عام 1250، وفي العام 1960 أضيف إلى مقتنيات الدار الواقعية، تمثالان بالحجم الطبيعي يجسدان لحظات أسر لويس التاسع، على يد الطواشي صبيح، أحد أقوى مماليك نجم الدين أيوب، ومجموعة من اللوحات تالي جسدت كيف دارت رحى الحرب بين الجانين.

هنا وقبل 769 عام مر لويس التاسع، ملك فرنسا، مكبل اليدين، ليمر منحني الرأس من شراعة باب الدار التي لم يتجاوز ارتفاعها الـ40 سم، عقب هزيمته على يد توران شاه، بعدما حاصر جيوشه التي بلغ قوامها نحو 80ألف جندي و1800 سفينة حربية كانت قادمة من دمياط إلى جزيرة الورد(المنصورة) في 5 إبريل 1250.

قضى لويس التاسع 32 يومًا أسيرًا في دا بن لقمان أجبر عقبها على تسليم مدينة دمياط في 8 مايو 1250؛ لذا تتخذ محافظة دمياط من هذا اليوم، عيدًا قوميا لها منذ عام 1960.

وغدًا حلقة جديدة..



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك