كان وأصبح (5): بين القصرين .. قصة فاطمية أنهاها صلاح الدين وخلد ذكراها أدب نجيب محفوظ - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 6:59 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كان وأصبح (5): بين القصرين .. قصة فاطمية أنهاها صلاح الدين وخلد ذكراها أدب نجيب محفوظ

إنجي عبدالوهاب
نشر في: الجمعة 10 مايو 2019 - 9:06 م | آخر تحديث: الجمعة 10 مايو 2019 - 9:10 م

لا ينفصل تاريخ الفنون عمارة وتصويرًا ونحتًا عن السياسة والاجتماع والاقتصاد، ولا تقتصر قيمتها على الجمال والإبداع والاحتراف، بل هي شهادة حية على أيام خلت وأحداث مضت وشخصيات كان يمكن أن تتوه في غياهب النسيان.

وفي سلسلتنا الجديدة «كان وأصبح» التي ننشر حلقاتها على مدار شهر رمضان، نعرض نماذج لحكايات منشآت معمارية أو قطع آثرية مصرية تنتمي لعصور مختلفة، تسببت التحولات السياسية والاجتماعية في تغيير تاريخها، أو إخفاء معالمها، أو تدميرها بالكامل، لتخبو بعدما كانت ملء السمع والبصر.

وتنشر الحلقة الجديدة من هذه السلسلة يومياً في الثامنة مساءً بتوقيت القاهرة.

منطقة بين القصرين سابقًا، شارع المعز حاليًا.. أكثر البطاقات التعريفية اختصارا لهذه المنطقة العريقة التي تلخص تاريخ القاهرة منذ تأسيسها على يد المعز بدين الله الفاطمي مرورًا بالعصر الأيوبي ثم عصر المماليك الجراكسة فالعثمانيين، ووصولًا إلى كونها مجتمع الأدباء ومستقرهم حتى أن نجيب محفوظ اتخذ اسم إحدى أشهر رواياته منها، ونستعرض في هذه الحلقة منطقة "بين القصرين" بين أمس واليوم.

كان للقصرين اللذان اختفت معالمهما وسميت المنطقة على اسمهما قديمًا قبل أن تتخذ اسم "شارع المعز"، قصة تعود لعصر الدولة الفاطمية، ففي العام 969 أرسل الخليفة المعز لدين الله الفاطمي جيشًا على رأسه قائده جوهر الصقلي لفتح مصر، وبعد نجاحه في فتح مصر وسيطرته على الاسكندرية مرورًا بالجيزة ووصولا لمدينة الفسطاط، اخطط الصقلي مدينة حتى تصبح مستقرًا لحكم مولاه المعز وخاصته وجنده على شكل مستطيل غير منتظم الأضلاع، وبنى حولها سورًا لتحصين مولاه وقت الحروب، فكانت القاهرة وكان لسور القاهرة عدة أبواب لم يبق منها الآن سوى بابي النصر والفتوح في الشمال، وباب زويلة في الجنوب.

بنى الصقلي قصرين في (17 شعبان358_ 6 يوليو 969م) أحدهما لمولاه المعز بدين الله، والآخر لابنه العزيز بالله، سكن الخليفة المعز " القصر الشرقي الكبير" في العام 973 وباشر فيه أعمال الدولة، وقال المقريزي أنه كان مقامًا على مساحة 70 فدانًا، وكان به عدة خزائن كـ"خزانة السلاح" و"خزانة الجوهر" و"خزانة الكتب" التي كانت مفخرة العصر الفاطمي، ودليل تقدم العلوم والآداب فيها، وكان يقع على المساحة الذي يقع فيه الآن خان الخليلي ومنطقة الحسين على وجه التقريب.

أما القصر الثاني فبناه الصقلي للخليفة العزيز بالله نزار ابن الخليفة المعز، في الجهة المقابلة، وكان أصغر من قصر أبيه ويقع في الجهة الغربية منه؛ فعرف باسم "القصر الغربي الصغير"، وكان يقع على المساحة التي يقع فيها سوق النحاسين وقبة الملك المنصور قلاوون، وما جاورهما الآن.

عرفت المنطقة الواقعة بين القصر الشرقي والقصر الغربي باسم "بين القصرين"، وكانت تسع عشرة آلاف من الجند، لذا كانت مسرحاً للاحتفالات والمواكب الدينية والعسكرية، في مصر الفاطمية، وارتبطت منطقة بين القصرين بشهر رمضان، إذ كان الفاطميون يستقبلون الشهر الكريم بموكب الخليفة المعز الذي يقطع الشارع من أوله إلى أخره ويوزع الصدقات، في موكب يضم رجال الدولة؛ لذا ظلت مرتبطة باسم المعز بعد مرور11 قرنًا من الزمان.


ملكية عسكرية للخليفة
كانت منطقة "بين القصرين" في بدايتها ملكية عسكرية لكونها تشمل قصر الخليفة المعز بدين الله الفاطمي وابنه العزيز بالله، ومكان لجنده، ولم يكن مسموحًا للعوام أن يجوبوها، ثم توسعت لتشمل قصور الخلفاء ومساكن الأمراء ودواوين الحكومة وخزائن المال والسلاح، لكن الطفرة الفكرية والعلمية التي حدثت بإنشاء الفاطميين المكتبات المجمعة التي احتضنت سائر العلوم والفنون والآداب كمكتبة "القصر الشرقي" التي حوت 40 خزانة كتب بها مليون و600 ألف مجلد من سائر العلوم، وظلت تنمو وتزدهر وتقوم بدور مهم في رفد الحركة العلمية وبلغت شهرتها المشرق والمغرب، وبعد قرن من إنشائها تعرضت لنكبة حيث نهبت مقتنياتها في عهد الشدة المستنصرية العظمى (460-1071م)، جعلتها مقصدًا لطلب العلم، ومبتغًا للتجار أيضًا

صلاح الدين الأيوبي يقضي على القصرين
وظل الحال حتى قضى صلاح الدين الأيوبي على الدولة الفاطمية في مصر واتخذ هو وأمراء دولته القصر الكبير مقرًا لحكم دولتهم إلى أن بنى قلعة الجبل فوق جبل المقطم.

أما موقع القصر الصغير فبات مسجد الحسين وخان الخليلي بامتداهم حتى موقع القصر الكبير.

غلب على منطقة "بين القصرين" بمغادرة صلاح الدين الأيوبي الطابع التجاري فحسب ما أورده المؤرخ الشهير "المقريزي" في كتابه "اتعاظ الحنفاء بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفاء" عن أنها كانت أكبر اسواق الدنيا، وكان بها 12 ألف "حانوت" لتجارة الأقمشة والسجاجيد والعطارة والصاغة، وكان "باب الفتوح" أوَّل أسواق بين القصرين من جهة الشمال وكان مخصصاً لبيع اللحوم والخضراوات، وهو أمر يتناسب مع وضعه الجغرافي من ناحية أنه أول ما يصادف تجار المواشي والخضروات القادمين من الدلتا بالشمال ولم يبق منه اليوم سوى تجارة الليمون والزيتون وبهما صار يعرف اليوم.

ويلي ذلك في اتجاه الجنوب سوق المرحلين، وكانت تباع به لوازم تجهيز الجمال للسفر، وخاصة في موسم الحج ثم سوق الرواسين، وهو خاص ببيع رؤوس الحيوانات المطبوخة، ثم سوق الشماعين، الذي يبدأ عند جامع الأقمر، ومخصص لبيع الشموع الكبيرة وكان يرتدي حلة من الضياء في المواسم والأعياد، يليه سوق الدجاجين لبيع كافة أنواع الطيور وأيضاً العصافير، التي كانت تباع للأطفال مقابل فلس لكل عصفور ليقوموا بعتقها من محبسها، لأنها حسب الاعتقاد السائد تسبح بحمد الله فمن أعتقها دخل الجنة، وأخيرًا سوق النحاسين أو شارع النحاسين.

تُرِك القصر الكبير مهملاً، عقب مغادرة صلاح الدين الأيوبي إلى قلعته فوق جبل المقطم، وتحل محله قبة الملك الصالح نجم الدين أيوب، وعدد من المدارس الفاطمية بينها "الظاهرية" و أخرى تحولت لـ"متحف النسيج المصري" وهذه المنطقة برمتها ضمن شارع المساجد الكبير "المعز".

وظلت منطقة "بين القصرين" محتفظة بهويتها الفاطمية حتى أن ذلك بدا جليًا في اسمها الجديد "شارع المعز"، واحتفظت أيضًا بعلاقتها بالشهر الفضيل، فهي مزارًا رمضانيًا مميزًا، فضلًا عن "مُتحفا مفتوحا" للزوار من جميع بلدان العالم، ومستقرًا للأدباء، حتى أن نجيب محفوظ سمى إحدى اشهر رواياته في ثلاثيته الشهيرة باسمها الذي لا يزال راسخًا في الأذهان.

وغدّا حلقة جديدة..



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك