المنتحرون فى عيون الأطباء النفسيين - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 8:23 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المنتحرون فى عيون الأطباء النفسيين


نشر في: الأحد 10 سبتمبر 2017 - 9:53 ص | آخر تحديث: الأحد 10 سبتمبر 2017 - 9:53 ص

أحمد عبدالله: أسلوب حياة المصريين مادة خصبة للامراض النفسية
أحمد فهمى:الاكتئاب مقدمة للانتحار وهو نتيجة خلل فى الناقلات العصبية بالمخ
فتحى قناوى: المنتحر يرتكب جريمة فى حق نفسه والتخلص من الحياة لا يفرق بين الفئات العمرية
استيقظ قبل أن يموت بنحو ساعة، على عجل ارتدى ملابسه، وتهيأ للخروج، لم يعبأ كثيرا بتمشيط شعره، وهندمة ملابسه والتأكد من مطابقة الألوان وملاءمتها، رمق زجاجة العطر بنظرة غير مكترثة، تردد قليلا فى رش «بخات» معدودة منها على قميصه، تردد حسمه عقله اللا واعى «مالهاش لازمة».
أدار بصره فى حجرته، تمعن فى السرير، النافذة، دولاب الملابس، شاحن الهاتف المحمول، ابتسم ابتسامة حائرة بلا معنى، حين وقعت عينه على أحد أركان الغرفة وخباياها، هنا خبأ سجائره فى بدايات التدخين السرى فى المراهقة، وهنا أيضا كانت خزنته لحفظ المال بعيدا عن يديه كيلا يصرفه، شعر ببعض التردد، سرح عقله قليلا، فتعثر فى بعض وصلات «اللاب توب»، فخرج مسرعا قبل أن يتضاعف ضجره.
فى المسافة بين باب حجرته، وباب الشقة، استعاد ذكريات الطفولة، وحسه المبكر بالرجولة، ابتهاجه بصوت الضجة التى تحدثها عودة أبيه من العمل وفتح الأكياس بسرعة لمعرفة ما أحضره الأب، على هذه المنضدة سهرت أمه بجانبه كثيرا لمساعدته على المذاكرة وحفظ جدول الضرب، فى كل ركن فى البيت ذكرى، وكل ذكرى تجعله يبتسم، حنينا لتلك الأيام، وترددا مما هو مقدم عليه، ابتسامة حائرة باهتة وملامح وانطباعات وجه تكشف قلقا واضطرابا عنيفين، شعر بالتردد للمرة الثانية، فكر فى التراجع عما هو مقدم عليه، أو إعادة التفكير مرة أخرى، تجمعت كل لحظات الخيبة والفشل التى مر بها فى حياته أمام ناظريه، ليتأكد تصميمه على ما انتواه، ليفجع أهله بعد قليل، بورود خبر «انتحاره».
تختلف الحكايات والأسباب والدوافع والأسرار، وراء كل خبر انتحار، وتبقى الحقيقة الواحدة أن شخصا ما قرر إنهاء حياته، وباغت الجميع ورحل، وترك لأهله الحسرة والوجع وألم الفراق.
فى المعتقدات الدينية والرسائل السماوية والتعريفات الطبية النفسية، وخبرات المشاهدة اليومية، فإن حب الحياة غريزة فطرية، فما الذى يدفع شخصا لاتخاذ هذه الخطوة «الانتحار»؟ وما هى المساحة الفاصلة بين الانتحار كعرض لمرض نفسى يتمكن من صاحبه حتى يقضى عليه، وبين كونه «جناية إزهاق للروح»؟
بحسب ما يراه أحمد عبدالله، أستاذ الطب النفسى فإن المصريين وبشكل خاص الشريحة العمرية فى سن الشباب، عقولهم وقلوبهم وأرواحهم، أرهف وأرق من أن تتحمل ما يقع عليهم، وسط طوفان الضغوط الحياتية اليومية، والشخصية والأسرية والسياسية والمجتمعية، جميعا تتكالب وتجتمع على نفوس مرهقة بالأساس، وتجهل أمارات التفاعل مع كل ما يجرى، وصولا للتدهور المرضى، كما تجهل كيف تتعالج وتتعافى؟
اختلاف الشرائح العمرية يظهر أثره فى اختلاف الدوافع وراء «الانتحار» للشباب خلفيات وأسباب ولكبار السن أسباب أخرى، لكبار السن فإن فكرة العجز المادى وعدم القدرة على الإنفاق وعدم الكفاءة قد تكون أهم أسباب الانتحار خاصة فى ظل الغلاء كما أن التطلعات المادية لدى الأشخاص تتصاعد بشكل كبير بالإضافة إلى قوانين العمل غير العادلة كما فى القطاع الخاص على سبيل المثال وتزداد الضغوطات وتحاصر الشخص، فيرى بعض الأشخاص أنه لا خلاص ولا فكاك من تلك الضغوطات إلا بالموت.
أما عن الشباب فيقول إن الشعور باللاجدوى واللامعنى فى الحياة وعدم ظهور ملامح المستقبل من الممكن أن تولد الرغبة فى الانتحار كما أن الصدمة أو الفقدان بكل أنواعه قد يكون سببا قويا أيضا.
برأى فتحى قناوى، أستاذ كشف الجريمة بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، فإن المشكلة الأساسية التى تؤدى بالشخص إلى الانتحار هى ضعف النفس البشرية للشخص فعندما لا تمتلك النفس البشرية القدرة على المقاومة لما تمر به من أزمات تلجأ للانتحار، موضحا أن الشخص الذى يقوم بالانتحار يرتكب جريمة فى حق نفسه لأنه اختار أن ينهى حياته بطريقته الخاصة بالرغم من أن ذلك يخالف كل الشرائع السماوية.
ويتابع: لا يرتبط الانتحار بفئة عمرية محددة معينة، فهناك حالات مسجلة لأشخاص متقدمين فى العمر، وآخرين شباب، إلا أن تلك الحالات تظهر فى الشباب، لأسباب أبرزها، عدم القدرة على المواجهة وحل المشكلات بالإضافة إلى الرسوب فى الامتحانات أو الهروب من شىء أو فقدان شخص عزيز.
عكس ما يتصور كثيرون، بخواء عقل المنتحر وفراغه، فإن هناك مقدمات كثيرة تمهد للوصول لتلك المرحلة، بينها الفشل فى الحصول على شىء كان لديه الرغبة فيه، سواء كان ماديا أو عاطفيا أو تحصيل شهادة علمية، بحسب أستاذ الجريمة فى المركز القومى للبحوث.
فقدان المعنى بشكل عام، ومعنى ما بعد الموت بشكل خاص، هو السبب الرئيسى فى الوصول لمرحلة الانتحار، يحقق الإنسان معنى الحياة من خلال الترقى والنجاح فى العمل والارتباط والزواج وتكوين أسرة، أو أى خطوات إيجابية فى الحياة، لكن معنى ما بعد الموت غير موجود إلا فى الجانب العقدى/الدينى، بحسب أحمد فهمى الطبيب فى «البورد العربى» للطب النفسى.
عن المسافة بين الانتحار كعرض/ مرض نفسى، و«جناية» إزهاق روح جرمتها الأديان والشرائع السماوية، يقول فهمى: لو صح تصنيف سؤالك على أنه سؤال لا يجب سؤاله فلن يكون غير ما تقدم، لأسباب لها علاقة بمآلات الأمور ونهاياتها، وفى الأخير من أقدم على ذلك «مش عندنا» كى نحكم عليه، فهو انتقل لرحمة الله، مع التأكيد على البشاعة الشديدة، لكن من ناحية طبية، فإن الانتحار أحد مضاعفات الاكتئاب، على المريض به دور، وعلى دوائر المقربين منه والمحيطين به، والمتخصصين دور كبير، حتى مع التأكيد على وجود مساحة مختلفة فى التعامل الطبى والنفسى بين الاكتئاب والانتحار.
ويتابع فهمى: المكتئب شخص غير مدان على الإطلاق، باعتباره مريضا، أعراض مرضه فقدان الرغبة فى الحياة، نتيجة خلل فى الناقلات العصبية وكيمياء المخ، فيستقبل الدنيا بشكل أسود تماما، يضاعف منه إحساسه بعدم جدوى الأشياء وقلة قيمتها، يفقد معه الرغبة فى الحياة نتيجة فقدانه الاستمتاع، ليصبح ضحية لثلاثية مخيفة مرتبطة ببعضها ارتباطا طرديا، كلما زاد أحدها زاد الآخر، تنصب شباكها حول المكتئب، وتحيط به، فقدان الامل واليأس والعجز المكتسب
حول أعداد المنتحرين فى مصر، يقول أحمد عبدالله، لا توجد إحصائيات موثقة حول أعداد المنتحرين فى مصر، لأن المصدر الوحيد الذى يمكن منه استنتاج معدلات للانتحار هو الأخبار المتناثرة فى الجرائد والتى يكون مصدرها الشرطة، حتى تقرير الأمن العام السنوى الذى كان يعلن أرقام واحصائيات عن معدلات الانتحار لم يعد يُعلن وليس من السهل الحصول عليه كما أن ذلك التقرير لم يكن كافيا لرصد المعدلات لأنه لم يوضح أسباب الانتحار وخلفياته وهناك الكثير من الأسر ترفض تسجيل حادث انتحار أبنائهم تحت مسمى الانتحار لأنهم يرونه عارا، فهناك غموض كبير حول أرقام حالات الانتحار لكن الظروف التى يمر بها المجتمع المصرى قد تؤدى إلى زيادة معدلات الانتحار.
ويتابع: الأسرة غالبا ما تكون السبب الرئيسى فى انتحار الشباب فى مصر لأنهم يعانون من ضغط نفسى شديد لا يستطيعون التعامل معه وهم فى حاجة إلى علاج لكى يستطيعوا أن يقوا أنفسهم وأولادهم من فكرة الانتحار، وأسلوب حياة المجتمع المصرى مادة خام للأمراض النفسية وفكرة الانتحار، متمما أن تغيير نمط الحياة فى المجتمع المصرى هو الحل الوحيد للوقاية من الأفكار السلبية كالمخدرات والانتحار وغيرهما.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك