شهد متحف الفنون الجميلة بالإسكندرية، افتتاح معرض فني لرسومات الفنانة رندة فخري، والذي حمل طابعا إنسانيا عميقا استلهمته من تجربة شخصية عاشتها خلال فترة ما بعد جائحة كورونا، حين وجدت نفسها وحيدة تحتفل بعيد ميلادها بصحبة قططها فقط، لتتحول تلك الوحدة إلى مساحة خصبة للخيال والإبداع.
المعرض الذي جاء تحت عنوان "ترسم على عتبة الوجود" بقلم الناقدة الفنية د. هبة الهواري، يفتح أمام الزائرين بوابة لعالم مختلف؛ عالم تبنيه رندة عبر تكوينات بصرية فريدة تجمع بين الصمت والحركة، وبين الحضور والغياب، في مزيج يستحضر حالات من التأمل الداخلي والسكينة الدفينة.
تقول الهواري في قراءتها النقدية إن رندة تمتلك ما وصفه الفيلسوف الفرنسي جاستون باشلار بـ سعة التركيب؛ أي القدرة على خلق علاقات منسجمة بين عناصر متنافرة في الأصل، وتحويلها إلى لوحة تفيض بالتناغم والتوازن. تظهر في أعمال رندة كائنات بشرية وحيوانية ونباتية تنصهر في مساحة واحدة، وكأنها تنتمي إلى كونٍ جديد يولد من روح الفنانة ذاتها.
وتعتمد رندة في أعمالها على خلفية علمية وفنية واسعة، من بينها دروس التشريح ودراسة الطبيعة والحيوانات والنباتات، إضافة إلى استخدام تقنيات مختلفة مثل دمج الأوراق المزخرفة (الديكوباج) مع السطح التصويري لخلق بعد بصري جديد. في لوحاتها، تتلاشى ملامح المكان وتتحول الكائنات إلى طيف حرّ، يتقاذفه الضوء والظل في حالة بينية "ما بين الواقع والخيال".
وتبرز في المعرض مفارقات تعبيرية قوية؛ فالسكينة تحضر رغم الألم، والهدوء يسكن المشهد رغم الحركة الخفية في التفاصيل. كائنات رندة تبدو حرة، طليقة، تتحدى الصور التقليدية للهوية والحدود، وتنسج علاقات جديدة تخضع لنواميس عالمها الفني الخاص.
المعرض لا يقدم لوحات فحسب، بل يقدم تجربة وجودية، حيث يتحول الشجن إلى طاقة خلق، والوحدة إلى مساحة اكتشاف، والفن إلى نافذة تتسع لكل الاحتمالات.