محمد المخزنجي يكتب: وليتسارع القلب في محبة البهاء - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 4:20 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

محمد المخزنجي يكتب: وليتسارع القلب في محبة البهاء


نشر في: الجمعة 14 يناير 2022 - 7:23 م | آخر تحديث: الجمعة 14 يناير 2022 - 7:23 م

متأخرا أتلقى الدعوة للمشاركة فى الاحتفاء بعام جديد من عمر البهى، بهاء طاهر، فتربكنى محاذير خاصة تتعلق بالصحة التى مرت بمنعطف ملغز فى الفترة الأخيرة. فقد ثبت أن تاريخ الانفعالات الجامحة التى مررت بها على امتداد العمر والمترافقة بتسارع جنونى لضربات القلب وقفزات مخيفة لضغط الدم، تركت لى ألغاما فى القلب والشريان الأبهر ينتظران شرارة تفجير تطلقها معاناة أدنى احتشادٍ ضاغط. وقد خبرت أن الاحتدام فى الكتابة تحت حصار الوقت، هو نموذج هذه الشرارة الخطرة، لهذا توقفت عن الكتابة المنتظمة، وكل كتابة غير مفتوحة الوقت. فماذا أفعل؟
قالت نفسى والوقت أمامى سويعات ضاغطة: فليكن ما يكون، فالأمر يستحق أن يتسارع القلب «حَبَة» وأن يقفز الضغط بقدر «المَحبة»، فهو بهاء طاهر. والبداية هناك، فى السنوات الأولى من الثمانينيات، عندما أطل علينا بقصصه الاستتثنائية من مغتربه. لقد قرأت فيما بعد كل ما نشره بهاء طاهر، وهو كثير ثرى ومثير للروح والوجدان والذائقة الأدبية والموقف الحضارى والإنسانى، جميعا. لكننى لا أستطيع فى هذه العجالة الاضطرارية، إلا أضع نفسى بين قصتين أعتبرهما عنوانين لمدرسة بهاء طاهر الإبداعية، أولهما «بالأمس حلمت بك» التى قرأتها منذ ما يقارب أربعين عاما وثانيتهما «نوال» وهى آخر ما نُشر له منذ شهور قليلة.
لقد أسرتنى، كقارئ، هذه العذوبة والروح العطوف وذلك العدل الإنسانى فى معالجة شئون وشجون البشر العاديين، على اختلاف ألوانهم وجنسياتهم وجنسهم، تحت وطأة مجتمعات كذوب، مغمورة بشمس ساطعة أو مطمورة بنديف ثلج يومض. وككاتب، أعتبر كتابات بهاء طاهر القصصية مدرسة، لابد أننى استفدت منها لا إراديا، عندما تشابهت المواقع، فاستقامة بهاء طاهر الإبداعية والإنسانية فى «بالأمس حلمت بك»، عصمته من الإغواء الذى ينزلق إليه كتاب كثيرون عند وجودهم فى دائرة هذا «الاحتكاك» بين الشرق والغرب، فيستسلمون لفرية انتصار «الذكر الصياد» ــ الشرقى الأسمر، فى غزو «الأنثى الفريسة» ــ البيضاء الغربية، وهو ما نبذه بهاؤنا بعلو درامى عندما تعرت له «آن مارى» منهارة تحت وطأة هواجسها شبه الذُهانية، إذ لم يرها إلا جرحا إنسانيا آساه وواساه، فستر عريها الأليم، مرتفعا عن الدارج والمكرور فى معالجة هذا الاحتكاك «الكلاسيكى»، فلم يسمح للراوى ( طيف الكاتب) بهذا الغزو المتهافت، الذى ينتظره القارئ الشرقى المسكون بأوهام الغزو الجنسى للغربيات، تعويضا للشعور بالنقص تجاه تاريخ الغزو الغربى الكولونيالى للشرق. إنه درس فى أدب «ما بعد الكولونيالية».
ثمة درس آخر يتداعى إلى وعيى من مدرسة بهاء طاهر، هو ما أسميه «ترفع الحزن الجنوبى» (أو الصعيدي)، ففيه صلابة خِلقية وأخلاقية تحول دون التهدج والتهافت، وتحوله إلى شجن شعرى بليغ الرسالة وبديع الأداء، وهذا ماثل فى «نوال» قصته الأخيرة رائعة الانسياب العذب والاقتصاد التعبيرى الفياض بالإيحاء، وهى قصة كبيرة قديرة تُمثِل «جَردَة عمر» من الحب الإشكالى والعميق فى آن، يحاكم بها كليشيهات الحب المستهلكة ويحاكم بها تشوه الواقع الفظ المستحدث، محاكمة جمالية بشدو البحر الذى يموج على ضفاف هذا الواقع، وبنسيم الإسكندرية المغدور.
وهـأنذا أوشك أن احتدم، ويحتدم معى الانفعال لأتوقف، لكننى لا أستطيع التوقف إذ تُلحُ عليَ رهافة ودقة تقنية الكتابة فى مدرسة بهاء طاهر، التى لا تشبه إلا نفسها، فى جامعة القصة العربية ــ المصرية منها خاصة ــ التى أعتقد أنها بمبدعيها الكُثر، وموجاتها المتتالية، باذخة العالمية، أكثر من أى شكل أدبى آخر! وبهاء طاهر أحد راياتها العالية. انتقاء رفيع الذوق وعميق البصيرة التقنية، بين الاقتصاد فى التعبير الذى لا يقع فى فخ التقتير، والثراء فى الإيحاء الذى ينأى عن مصيدة «السنتمنتاليزم» أو الطرطشة العاطفية. باختصار: بهاء طاهر صرح أدبى كبير جميل. كل سنة وأنت عزيز الوجود فينا، يا البهاء الطاهر.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك