70 سنة على النكبة: هكذا تصور «فاروق» أنه قادر على الانتصار في حرب فلسطين - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 11:30 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

70 سنة على النكبة: هكذا تصور «فاروق» أنه قادر على الانتصار في حرب فلسطين

كتب-أحمد الجمل:
نشر في: الثلاثاء 15 مايو 2018 - 4:43 م | آخر تحديث: الثلاثاء 15 مايو 2018 - 4:43 م

- من سرقة الأسلحة إلى تصورات الانتقام.. الدور الخفي للإنجليز في القرار التاريخي
يتساءل الكاتب الراحل محمد حسنين هيكل في كتابه "العروش والجيوش"، الذي يتناول فيه أحداث حرب فلسطين والنكبة العربية التي تحل ذكراها السبعين هذه الأيام، عن كيفية تصور الملك فاروق أنه قادر بجيشه النظامي على التدخل فى فلسطين وعلى أى أساس بنى حساباته، وكيف غير رئيس وزراء مصر "النقراشي باشا" موقفه فجأة من النقيض إلى النقيض مؤيدا قرار الحرب.

ويحكى هيكل عن عدة شواهد واستنتاجات يمكن أن تقدم تصورا لأسباب قرار فاروق، فالملك وعدد من مستشاريه وبعض الساسة اللبنانيين تولدت لديهم قناعة بأن الجزء الأكبر من واجبات القتال سوف يقع على عاتق الجيش الأردني بحكم أن أقرب الجيوش إليه جغرافيا.

ومما يعزز فرضية تدخل الجيش الأردني بشكل أكبر، هو أنه لديه إمكانيات عسكرية لم تتوافر لأى جيش عربي غيره، خاصة بعدما قام الإنجليز بتسليحه وتدريبه باعتباره ملحقا بالقيادة البريطانية للشرق الأوسط، كما أن لديه خبرات قتال عملي سابقة، وهو القوة الرئيسية التى غزت العراق لإسقاط الحكومة الانقلاب الذى قاده رشيد عالى الكيلاني ضد الهاشميين ورجالهم فى بغداد.

ولهذا التصور عدة تبعات، خاصة أنهم كانوا يتعاملون مع الملك عبد الله أنه أصغرهم، والآن يريدون منه أن يتحمل أكبر الأدوار، فالملوك راحوا يستميلون زميلهم فى الأردن، وتصوروا حينها أن المشاركة بالحرب معه فى فلسطين ولو بقوات محدودة، سوف يطمئنه إلى أنه ليس وحيدا فى مواجهة اليهود، كما أنه لن يتحمل النتائج وحده.

ومن المفارقات أن الملك عبدالله اعتبر تدخل الجيوش الأخرى هو محاولة لعرقلة خططه فى فلسطين، وكما يظهر تسلسل الوقائع فإن عاهل الأردن عرف يوم 7 مايو أن مصر غيرت موقفها أى قبل الحرب بأسبوع تقريبا، وأنها أخذت قرارا بدخول جيشها إلى فلسطين ليلة 15 مايو 1948، وعلى الأرجح أن الملك عرف ذلك من القيادة البريطانية أو من الوكالة اليهودية، فأرسل يوم 8 مايو إلى الملك فاروق يطلب تعيين ضابط مصري رفيع المستوى لقيادة الجيش العربي، بما فيهم جيش الأردن!
وتصور الملوك أيضا من باب الاستمالة والاسترضاء أنهم يطمئنون الملك عبد الله إذا اختاروه قائدا أعلى لكل الجيوش العربية فى فلسطين وقبلوا تحته قائدا عاما من العراق الهاشمي أيضا وهو اللواء إسماعيل صفوت، لكن من المفارقات أيضا أن الملك عبد الله اعتبر هذا الاختيار عملية توريط له تحمله نتائج المعركة كيفما تكون، ولما كان هو أقربهم إلى تقدير القوة الحقيقية لليهود فإنه كان يستطيع حساي النتائج مسبقا.

وكانت حسابات ملك الأردن غاية فى البساطة قبل قرار تدخل الجيوش العربية، فبحسبة بسيطة اتفاقه مع الوكالة اليهودية يقضي بأن" تحتل قوات الهاجاناه الجزء اليهودي.. ويحتل الجيش الأردني الجزء العربي" هكذا بلا صخب، وبعدها تثور ثائرة بعض العواصم العربية لفترة ثم يفرض الأمر الواقع قوته خصوصا إذا كانت مصر بعيدة، وهكذا فإن ما تصوره الملوك الأخرون استمالة وترضية، اعتبره الملك عبدالله عرقلة وتقييدا لكل ما خطط ورتب.

وراج حينها تصور آخر عن علاقة الملك عبد الله بالإنجليز، قدمه عبد الرحمن عزام باشا الأمين العام لجامعة الدول العربية، وهو أن منطق الملك فى تقاربه من الإنجليز هو ارتباط حاجة أكثر منه اختيار رضا، فالملك لا يمكن أن يكون مغرما بالإنجليز الذين فضلوا أخاه فيصل، كما أنه يحتاج إليهم ماديا بالدرجة الأولى لتغطية نفقات حكومته وجيشه، ولمطالبه الشخصية أيضاً.

ويحكي هيكل أن السر وراء التغيير المفاجئ فى موقف الملك فاروق، يرجع لاستنتاج فاروق ومعه وزير حربيته أن بريطانيا ستستمح للعرب بأن "يعطوا لليهود درسا" كنوع من التأديب على ما فعلوه بالقوات البريطانية.

وكان يبدو حينها للملك أن هناك قبولا بريطانيا لفكرة دخول الجيش المصري إلى فلسطين، كما توحى القرائن إلى أن عسكريا بريطانيا عقد صفقة غريبة مع "فاروق"، مفادها أن يُسمح لمصر بأن تأخذ ما تحتاج إليه من أسلحة وذخائر من مخازن ومعسكرات الجيش البريطانى فى قاعدة قناة السويس، لكن تم هذا باتفاق سياسي فيه نوع من التوافق الأمني بمعنى أن طرفا مصريا يمد يده ويأخذ فى مقابل أن طرفا بريطانيا يغمض عينه ويسكت.

وبمعنى آخر كما يورد هيكل، أن الترتيب كان "سرقة" من نوع ما، وسرقة بالرضا، ولعل الملك فاروق وافق على صفقة سرقة الأسلحة سماحا بالتراضي، كإجراء طوارئ مؤقت حتى تتخذ الحكومة البريطانية قرارا وعدت به لتوريد أسلحة إلى مصر، وحتى أيضا أن تنكشف الأمور المتعلقة بالدور المطلوب من الجيش الأردني.

وفيما يتعلق بصفقة سرقة الأسلحة بالتراضي، فإن السفارة البريطانية فى القاهرة بعثت ببرقية إلى وزارة الحربية فى لندن فحواها أن السفارة وصل إليها تقارير أسبوعية أثارثت ذهولها وهى تكشف أن كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر تسرق من مستودعات الجيش فى منطقة القناة، وهناك زيادة مضطردة فى هذه السرقات، وذيلت البرقية بقائمة كاملة بالأسلحة والمواد الحربية وكمياتها المسروقة من معسكرات الجيش البريطانى فى قناة السويس، منها قنابل وقذائف وقذائف مضادة للطائرات وقنابل هاون وقذائف مدفع ومركبات بسعة تخزينية كبيرة، إلى جانب كميات كبيرة من المتفجرات والبطاطين والمراتب وقطع غيار السيارات وأنواع شتى من المواد الحربية.

كما كشفت برقية أخرى مرسلة من السفير البريطانى في مصر إلى وزير الخارجية البريطاني، تقول إن السفير قابل الملك فاروق والنقراشي باشا، وطلب النقراشي طلبا شبيها بطلب الملك، وهو عبارة عن قائمة باحتياجات الحكومة المصرية من السلاح، وأبلغه أن المسألة ملحة، وأن مصر ترغب في توريد تلك الاحتياجات بسرعة ومن المخازن فى قاعدة قناة السويس لأن الصهاينة استطاعوا الحصول على موارد وتعزيزات من الخارج.

وتضمنت البرقية أن جزءا من الاحتياجات المصرية مشمول بعقد وقعته الحكومة المصرية لتوريد السلاح من انجلترا قيمته مليون ونصف المليون جنيه، أودع منه 800 ألف جنيه استرليني فى بنك انجلترا لكن حتى الأن لم يتم تسليم أى من المواد المتفق عليها.

حدث هذا وكانت بريطانيا تعرف حقائق القوة على الأر ولصالح من سينتهى الصراع الذي سينشب لا محالة بحكم طبائع الأمور، كما كانت تعرف القوة الحقيقية للجيوش العربية أكثر ممنا يعرف قادتها أنفسهم، وكانت تعرف بالظبط ماذا لدى القوات الصهيونية، وعلى هذا ستشعر مصر بالتهديد المباشر عليها وسوف تكتشف بالتجربة أنها لا تستطيع الدفاع عن نفسها وبالتالي تتواضع في طلب جلاء القوات البريطانية عن قناة السويس.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك