ما وراء حفر قناة السويس.. عمال واجهوا الأوبئة ولم يجدوا مكانا للاحتماء من الصقيع - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 4:35 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ما وراء حفر قناة السويس.. عمال واجهوا الأوبئة ولم يجدوا مكانا للاحتماء من الصقيع

هاجر فؤاد
نشر في: الجمعة 16 نوفمبر 2018 - 12:36 م | آخر تحديث: الجمعة 16 نوفمبر 2018 - 1:00 م

العديد من الكتب والمراجع التاريخية تناولت تاريخ حفر قناة السويس، من الجانب السياسي من ناحية وفق الرواية الأوروبية لتاريخ القناة، باعتباره جزءا من تاريخ أوروبا ومظهرا من مظاهر الصراع السياسي بين فرنسا وإنجلترا في القرن التاسع عشر.

أما تضحيات وجهود الشعب المصري في حفر القناة والمشاكل التي واجهت الأيادي العاملة المصرية، في ساحات الحفر، ظلت حبيسة الظل.

في هذا التقرير نسلط الضوء على جهود الشعب المصري في حفر القناة ومشكلات الأيدي العاملة المصرية آنذاك، وذلك اعتمادًا على كتاب "السخرة في حفر قناة السويس" للكاتب عبدالعزيز الشناوي، في طبعته الصادرة عام 2010 عن الهيئة المصرية العامة للكتاب..

• العلاج المجاني
اهتمت الشركة القائمة على الحفر بشكل جزئي بتوفير العلاج المجاني الطبي للعمال المرضى، فأنشأت إدارة صحية وعينت الطبيب "أوبير روش"على رأسها مستمرا في منصبه طوال سني حفر القناة.
كانت مهمة الإدارة الصحية شاقة وخطيرة، إذ لم يكن من الهين المحافظة على الصحة العامة بين جموع العمال المحتشدة في الصحراء، كلما زاد العمل في حفر القناة وزاد عدد العمال، مع غياب الحمامات العامة، والمغاسل ووسائل المحافظة على الصحة العامة.
فشلت السياسات التي اتبعتها الإدارة الصحية فشلا ذريعا في منع وقوع الأمراض واتخاذ الحيطة لمنع تسرب الأمراض والأوبئة، فانتشرت الأمراض بين العمال وتفشت بينهم الأوبئة، فكان الموت يطوي العمال طيا، بعد إصابتهم بأقل من 48 ساعة، حين كان أطباء الشرطة يجدونهم جثثا هامدة.

 

• انتشار الرمد والنزلات الشعبية بين العمال
تستمر النظرة الاستعمارية في تعامل إدارة شركة القناة مع المصريين، حين تقرر الشركة قصر تقديم خدماتها الطبية والإنسانية فقط للعمال في القناة، دون باقي الأفراد المقيمين في المنطقة.
نتيجة الحفر باستخدام الأدوات البدائية انتشرت بين العمال في ساحات الحفر، النزلات الشعبية والأمراض الصدرية والرمدية وحالات الإسهال الشديد، والدوسنتاريا وأمراض الكبد.
وقرر أحد أطباء الشركة "بوجوا" أن انتشار الرمد يرجع إلى عدة أسباب منها البرودة الشديدة للصحراء ليلا عقب الحرارة العنيفة المرتفعة نهارا، وكذلك أشعة الشمس المحرقة، وتأثيرها على شبكية العين، وطبيعة عمليات الحفر إذ أن نقل الأنقاض يملأ الجو بذرات التراب التي ينقلها الهواء إلى العين.

 

• إشعال الخشب لمواجهة موجات الصقيع
في شتاء العام 1863 ضربت البلاد موجة شديدة من البرد القارس، نتج عندها تجمد المياه نتيجة هبوط درجات الحرارة إلى ما تحت الصفر، وأمطرت السماء قطعا من الثلج، فيما كان نصيب ساحات الحفر من البرد أشده وأعنفه.
كانت الوسيلة الأولى لحماية العمال هي مبيتهم داخل منشآت تقيهم قسوة البرد، إلا أن الشركة رفضت تحت مبرر أن من الصعب إيواء وتدفئة جموع العمال الذين يتراوح عددهم بين 10-15 ألفا، قبل أن توزع عليهم كميات من الخشب يوقدونها ليلا للتدفئة، وهي كميات كلفت الشركة حوالي 1200 جنيه مصري، أي ما يقارب 40 ألف فرنك، مع أن ميزانيتها تجاوزت 200 مليون فرنك، وهو ما يعني أن الجنيه المصري كان يساوي 35 فرنكا فرنسيا في ذلك الوقت.

 

• 12% وفيات بين مرضى العمال
نستطيع استخلاص أن نسبة المرضى كما سجلتها جداول الشركة تساوي 0.3% "ثلاثة من عشرة في المائة" من عدد العمال الكلي، في حين أن نسبة الوفيات بين المرضى تصل إلى 12 % تقريبا، ما يكشف عن الظروف والأجواء الصعبة التي عمل فيها عمال السخرة المصريين في ذلك الوقت.
تجمعت على العمال المصريين الكوارث من كل نوع وصوب، فإلى جانب أهوال أزمة ماء الشرب ومجانية العمل والإرهاق فيه والضرب بالكورباج والزج بهم في السجون، جاءت الأوبئة، بلا هوادة وعصفتهم بهم، التيفود، التيفوس، الجدري والكوليرا والحمي الراجعة.

 

• ظهور التيفود بين العمال
ظهر التيفود في بدايات العام 1862 في ساحة الحفر رقم 6 بمنطقة عتبة الجسر، وخلال شهر واحد حصر المرض 21 عاملا، وأصيب به 512 عاملا، حسب إحصائيات الشركة لكن الثابت أن هذه الأرقام أقل بكثير من الأرقام الحقيقية لعدة أسباب، أهمها أن المصابين كانوا ينزلون إلى قراهم وهم يحملون المرض، مما أدى حتما إلى انتشاره في عمق البلاد، كما أن عمليات الحفر التي تعطلت في تلك الفترة كانت كبيرة، وهو ما يعني أن المصابين بالمرض كثر، كما أن ساحات الحفر في الصحراء تفتقد إلى أي وسائل نظافة عامة أو شخصية.

 

• اجتماع الأوبئة
وفي العام التالي 1863 والذي كان عاما كارثيا على مصر وأهلها، حل بالبلاد وباءي "التيفود والتيفوس" معا، بعد انتشار مرض الطاعون البقري الذي أهلك 600 ألف رأس من الماشية، قبل أن تقرر الحكومة استيراد عدد كبير من الماشية من دول البحر المتوسط، ما لبثت أن أصيبت الماشية المستوردة بالطاعون، ونفقت.
كما ساعد على انتشار الوباءين سوء التغذية بسبب ارتفاع أسعار اللحوم ارتفاعا فاحشا، وزيادة أسعار المحاصيل الزراعية، ونقص المساحات المزروعة من القمح والذرة "نتيجة تسخير المصريين للعمل في القناة" وزيادة زراعة القطن نتيجة الإقبال على شرائه بسبب الحرب الأمريكية الأهلية، ثم الفيضان الذي أغرق البلاد في عام 1863.
بلغ عدد ضحايا الوباءين 225 مصابا، و37 متوفيا، وهي أرقام دون الحقيقة بكثير.

 

• الجدري يضرب ساحات الحفر
تسرب وباء الجدري إلى ساحات الحفر في العام التالي، وتوالي الأوبئة يعني أن هناك تقصيرا من القسم الطبي بالشركة في اتخاذ التدابير الوقائية اللازمة لمنع تسرب الأمراض والأوبئة إلى منطقة القناة، قبل أن تجتاح الكوليرا ساحات الحفر في العام 1865، كأخطر وأشد وباء شهدته مدن القناة، وترك الوالي إسماعيل القاهرة هربا إلى القسطنطينية ليكون بمنجاة عن الوباء الذي كان تفشى بشكل سريع ورهيب في الوجهين البحري والقبلي مخلفا حوالي 61 ألف قتيل، خلال ثلاثة شهور، وهي نسبة تشكل 1.2 % من جملة السكان في ذلك الوقت.
على الرغم من أن الوباء تفشى بشدة في منطقة القناة بين شهري يونيو ويوليو 1865، إلا أن وثائق الشركة لا تشير إلى عدد العمال المصريين المصابين بالوباء، واقتصرت في إحصائياتها على العمال الأجانب فقط.

 

• الدوسنتاريا للمصريين فقط
أما شتاء عام 1868 فقد شهد انتشارا لوباء الدوسنتاريا بين العمال المصريين نتيجة الشتاء القارس شديد البرودة، كما أن سوء التغذية كان عاملا هاما ساعد على انتشار المرض، بالإضافة إلى عدم توفير الملابس الكافية للوقاية من البرد في الوقت الذي كان فيه العمال الأجانب ينفقون على مأكلهم وملبسهم لذلك ظلوا بمنجاة عن الدوسنتاريا.
المثير أن الخديو إسماعيل أبدى إعجابه وتقديره لرجال الإدارة الصحية فمنح كبير الأطباء النيشان المجيدي من الرتبة الثالثة، وضمهم جميعا للخدمة في الحكومة المصرية.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك