جولة في «المراسلات السرية بين سعد زغلول وعبدالرحمن فهمي» (10): الفلاحون يمتنعون عن بيع اللبن والبيض والفراخ للجنة ملنر - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 8:16 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

جولة في «المراسلات السرية بين سعد زغلول وعبدالرحمن فهمي» (10): الفلاحون يمتنعون عن بيع اللبن والبيض والفراخ للجنة ملنر

دراسات في وثائق ثورة 1919.. المراسلات السرية بين سعد زغلول وعبد الرحمن فهمي
دراسات في وثائق ثورة 1919.. المراسلات السرية بين سعد زغلول وعبد الرحمن فهمي
حسام شورى:
نشر في: الأحد 17 مارس 2019 - 2:07 م | آخر تحديث: الأحد 17 مارس 2019 - 2:07 م

فخ لعمدة ميت حبيش لمقابلة اللجنة.. وبعد اكتشافه الخديعة يرسل احتجاجه لملنر والصحف
«اسأل سعد باشا زغلول» كانت الإجابة على أي سؤال يوجه من اللجنة للفلاحين
سعد: الوفد مستعد لوضع اتفاق يضمن استقلال مصر ومصالح إنجلترا الخاصة.. وقبلنا مفاوضة لجنة ملنر لإلقاء المسئولية على الإنجليز


تواصل «الشروق» على مدار شهر مارس عرض مجموعة من الكتب، الحديثة والقديمة، التي تروي جوانب مختلفة لتأريخ وتوثيق أحداث ثورة 1919 من الأسباب إلى المآلات.
وثاني كتاب نتجول بين صفحاته هو «دراسات في وثائق ثورة 1919»..«المراسلات السرية بين سعد زغلول وعبد الرحمن فهمي»، الذي يزيح الستار عن جانب خفي من نضال الوفد، ومن شخصية الزعيم سعد زغلول، وسكرتير اللجنة المركزية للوفد عبد الرحمن فهمي، وهو الجانب الذي لم يكن معروفًا حتى عثر الأستاذ الدكتور محمد أنيس على هذه المراسلات التي مكَن نشرها الباحثين من تركيب صورة تاريخية لثورة 1919 كان من المستحيل التوصل إليها من دون الاستعانة بهذه الوثائق.
بلغ عدد المراسلات السرية (مكتوبة بالحبر السري) المرسلة من سعد زغلول إلى عبد الرحمن فهمي 30 رسالة، من 23 يونيو 1919 إلى 28 أبريل 1920، كما بلغ عدد التي أرسلها فهمي لسعد 29 تقريرًا بدأت من 23 يوليو 1919 وحتى مايو 1920.
تناولت تلك المراسلات قضايا مهمة مثل (خروج إسماعيل صدقي ومحمود أبو النصر من الوفد، ومقاطعة لجنة ملنر، وحركة الأمراء، ووحدة عنصر الأمة والتكتل الأرستقراطي)؛ فكل تقرير كان يشمل مسائل متعددة.
وتقارير عبد الرحمن فهمي تشمل عرضا لأهم الأحداث العلنية والسرية التي كانت تدور في مصر؛ وكان يعطي من خلالها للوفد في باريس صورة عن الموقف في مصر، بينما كان سعد يعطي لعبد الرحمن فهمي رأي الوفد في كثير من المسائل التي تجري في مصر لتسير اللجنة المركزية للوفد على هديها.
الكتاب صدرت طبعته الأولى في عام 1963 للدكتور محمد أنيس (1921-1986) أستاذ التاريخ الحديث بجامعة القاهرة، ومؤسس مركز وثائق وتاريخ مصر المعاصر (1967- 1975)، والرئيس الأول له، وهو المركز الذي قام تحت إشرافه بجمع شتات العديد من الوثائق المهمة، وأعادت دار الشروق نشر هذا الكتاب في 2019 ، ويقع في 242 صفحة، من القطع المتوسط.


•••••••

 

تعامل المصريين مع لجنة ملنر:
يستكمل عبد الرحمن فهمي حدثيه عن وجود لجنة ملنر في مصر ومحاولاتها لمقابلة المصريين، ودور الوطنيين في محاصرتها في تقرير 14 يناير 1920 قائلا: «مقاطعة اللجنة الإنجليزية لا تزال على ماهي عليه من الشدة والإحكام إن لم تكن تتزايد شدة وإحكاما يوما بعد يوم، أما ما ذكرته بعض الجرائد الإنجليزية من أن بعض المصريين يقابلون أعضاء اللجنة فهذا ما لا يمكنني تصديقه، وعلى فرض أن بعض الخوارج، وهم أقل من القليل، سمح لنفسه أن يتسرب خفية إلى مقر اللجنة فمثل هؤلاء لا يعتد بهم ولا يمكن اتخاذ أقوالهم حجة في القضية وكفاهم خزيا وعارا أنهم لا يجرؤون على الجهر بذلك.
«على أنه لو كان لهذا النبأ صحة لما احتاجت اللجنة إلى تفرق أعضاءها وتجولهم بالبلاد لمقابلة بعض الأعيان في دورهم خفية، أي بغير أن يبينوا للأعيان من هم».

 

خدعة لعمدة مصري لمقابلة اللجنة:
«مثال ذلك أن مدير الغربية خاطب أحد عمد مديريته (عمدة ميت حبيش) وأخبره بأنه سيتوجه لزيارته بعد ظهر اليوم المذكور، فالعمدة بطبيعة الحال استعد لاستقبال المدير وما وافت الساعة المحددة إلا وأقبل أتوموبيلان في أولهما أثنان من الإنجليز الملكيين وفي الثاني مفتش الداخلية ومأمور المركز، وبعد أن أخذ كل مجلسه دار الحديث بين من كان في الأتومبيل الأول والعمدة، وهما من لجنة ملنر، بواسطة مفتش الداخلية، وكان الكلام دائرا عن جالة البلاد الداخلية، والعمدة كان يجيب بكل بساطة لأنه ما كان يخطر بباله أن أعضاء لجنة اللورد تتجول بالبلاد وتقابل الناس دون أن تعرفهم من هم، ولما علم العمدة أن من كانوا في زيارته هم من أعضاء اللجنة الإنجليزية أرسل تلغرافا للورد ملنر يحتج على ذلك كما أرسل للصحف مثل هذا الاحتجاج أيضا».

 

خداع آخر!
«وحدث أيضا أن مدير أملاك الميري أرسل لحضرة بسيوني بك الخطيب يخبره أنه يريد زيارته، وبالفعل توجه معه المستر سبندر أحد أعضاء اللجنة، فسأل المسيو بسيوني بك عما كان يعمل في جمع المحصول وعمال السلطة، وكيف كانت تعامل هؤلاء العمال مدة الحرب إلى غير ذلك من الأسئلة، فأجاب بسوني بك سائله على بعض الأسئلة وأخيرا فقه إلى أنه ربما يكون سائله من أعضاء اللجنة، وعندئذ قال ما يأتي: (إننا موكلين الوفد المصري تحت رئاسة سعد زغلول باشا للدفاع عن قضيتنا وللإجابة على كل ما يتعلق بها) وأرسل لنا بسيوني بك مكتوبا بذلك فعرفناه بأنه يرسل لسعادتكم تلغرافا منه مباشرة بتفصيلات ما وقع، كما سبق أن كلفنا عمدة ميت حبيش صاحب الحادثة الأولى بأن يفعل ذلك أيضا».

 

فطنة القرويات:
في خطاب 17 يناير 1920 يذكر فهمي موقفا لطيفا يعبر عن ما وصلت إليه الأمة المصرية في هذا التوقيت من الإجماع على الرأي حتى بالقرويات اللائي ما كن يعرفن شيئا عن الحالة العامة: «أنه أشيع في بلدة تدعى قحافة قريبة من بندر طنطا أن اللجنة تريد زيارة البلدة المذكورة ولما كان عمدتها غائبا وكان يشتغل أحد المشايخ مكانة بالنيابة عنه فأتت له زوجة وتناولت خاتمه منه وخبأته قائلة: (إنني لا أترك لك الخاتم خوفا من أن تجبرك الحكام على التوقيع على أوراق لمن يقال أنهم سيحضرون هنا) وبالفعل خرج الرجل من منزله بلا خاتم ولما أراد المستر سبندر، أحد أعضاء لجنة ملنر، التوجة للبلدة المذكورة وجد منافذها غاصة بالطلبة فعاد هو وزميله ولم يصلا إليها.

 

المبالغة في الحصار:
موقف آخر يذكره فهمي في تقرير رفعه لسعد زغلول في 18 فبرير 1920 يعبر عن مدى الحصار الذي أوقعه المصريون على ملنر ولجنته: «قام اللورد ملنر بسياحة نيلية مع بعض أعضاء لجنته ورسا بوابوره النيلي بجزيرة أمام مركز الصف جيزة (المشهورة بجزيرة فيشر) وأمضى في هذه السياحة نحو الأسبوعين قيل إنه كان مشتغلا بكتابة تقريره عن مأمورية لجنته في مصر.. وقيل بل إنه كان مشغولا بتلاوة بوستة وزارته التي تراكمت مدة غيابة في مصر وقيل أيضا أنه ينتظر هناك جواب حكومته على طلباتكم التي أرسلها إليها على لسان البرق..كل هذا قيل والحقيقة يعرفها الله.
يكمل فهمي روايته: «أما وجوده في هذه السياحة فقد قدم له برهانا ساطعا على أن الفلاحين ولابسي الجلاليب الزرقاء لا يقلون وطنية عن إخوانهم ساكني المدن وغيرهم، بل إنهم تغالوا في مقاطعته ومقاطعة لجنته لدرجة أنهم امتنعوا عن أن يبيعوا له شيئا من بلادهم مهما قدم لهم من الثمن نظيرها وذلك كاللبن والبيض والفراخ.. مما اضطره إلى أن يستحضر ضرورياته من مصر بواسطة رفاص صغير كان يحضر يوميا لمشترى لوازمه، وأكثر من ذلك أنهم كانوا يفرون من وجهه كلما وجدوا للفرار سبيلا، ومن لم يجد سبيلا للفرار من وجهه فلا يجبه على أي سؤال يوجهه له بواسطة من يكون معه وكان البعض يجاوب بهذه الكلمة: «أسأل سعد باشا زغلول» مهما كان السؤال، فمثلا سئل أحدهم وكان مشغولا بري أرضه عما إذا كان الزرع الذي يرويه قمحا أم شعيرا فقال له الفلاح المصري: «أسأل سعد باشا زغلول».

 

اسباب قبول المفاوضة:
في هذه الأثناء أرسل سعد زغلول إلى عبد الرحمن فهمي رسالة بتاريخ 5 فبراير 1920 يقول فيها: «ربما التبس الأمر على كثير فلم يفهموا قبولنا مفاوضة لجنة ملنر بعد أن أشرنا بمقاطعتها لكونها لجنة غير دولية، موضوعها البحث عن نظام حكومي في دائرة الحماية، ولهذا ينبغي أن نوضح المسألة توضيحًا يمنع كل التباس:


«إن لجنة ملنر تعينت لأن تكون لجنة تحقيق، يعني لجنة من وظيفتها أن تبحث أحوال مصر وتسمع أقوال أهلها، ثم ترفع تقريرا بما تراه من النظامات لحكومتها لكي تصدق عليه أو لا تصدق، ونحن المصريين لا نعترف لإنجلترا بأن لها ركن في بحث أحوالنا وسماع أقوالنا ومنحنا من النظامات ما تشاء، لأننا نعتبر أنفسنا مستقلين تمام الاستقلال، وإن منعنا من التمتع بهذ الاستقلال هو من عمل القوة والتعصب، ولذلك أشرنا بمقاطعة هذه اللجنة.
«أما قبولها بناء على ما اشترطناه من أن تعلن أنها لجنة مفاوضة يعني لجنة نائبة عن حكومتها في أن تتخابر مع أمة، فالمفاوضة معها لهذه الصفة لا ضرر فيها ما دامت تعترف بذلك، وما دامت العبرة بما يتم عليه الإتفاق فإن استقلال مصر التام كان لها، وإلا انقطعت المفاوضة من غير أن يكون أضعنا حقًا أو فائدة، ومن جهة أخرى فإن مسألة مصر إما أن تحل بالتقاضي أو بالتراضي.


«وأما بالتقاضي فلا يمكن حلها إلا بطريقة دولية، أي معرفة جميع الدول ذوات الشأن بواسطة قوموسيون يتعين لهذه الغاية بواسطة عصبة الامم.
«وأما بالتراضي فلا يكون ذلك إلا بالمفاوضة بين إنجلترا ومصر، والمفاوضة لا تكون بين شعب وشعب بل بين نواب ونواب، فإذا انتدبت إنجلترا نوابا عنها كلجنة ملنر للمفاوضة، ثم أن الأمة المصرية انتدبت عنها نوابا كالوفد الصمري لأن يتفاوض الأثنان للوصول إلى اتفاق يرضاه الطرفان فلا ضرر في ذلك مطلقا بل يكون من المتعين قبولهم.


«نعم إن الإتفاق بين ضعيف وقوي عرضة للانحلال، ولكن يمكن أن يعرض هذا الإتفاق بعد تمامه على عصبة الأمم لتسجيله فيها، وللدول الاعتراف به، وعلى كل حال، فليس من الحكمة ولا من حسن السياسة أن إنجلترا إذا دعتنا للمفاوضة مع لجنة ملنر بصفة كونها مأذون لها في هذه المفاوضة وبصفة كوننا ممثلين للأمة أن نرفض هذه المفاوضة، وما دامت أن الغرض منها هو الوصول إلى اتفاق يضمن استقلال مصر التام ومصالح إنجلترا الخاصة.
«ولذلك عرضنا في الجرائد وغيرها أن الوفد المصري مستعد بصفة كونه ممثلا للأمة المصرية لوضع اتفاق يضمن استقلال مصر ومصالح إنجلترا الخاصة.
«ومن هذا يتبين لكم السر في ذلك التصريح وأن الوفد سلك سبيلا جمع بين رعاية مصلحة مصر وحسن السياسة لأنه ألقى كل المسئولية على الإنجليز في حالة ما إذا امتنعت عن إصدار ذلك الإعلان، أما إذا رفضا بتاتا المفاوضة من غير أن نشترط تلك الشروط فإن خطتنا تكون عرضة لنقد العقلاء».

وغدا حلقة جديدة...



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك